بغض النظر عن أي تقييم للهجوم الإيراني على إسرائيل من زاويتي التوافق والتقاطع، فإنَّ إسرائيل تبقى دولة معتدية بمختلف أشكال العدوان منذ قيامها في العام 1948 إلى اليوم، والمنهجية العدوانية هي ضابط فكري وثقافي ومعرفي متأصل في نسق الاستراتيجية الأيديولوجية الإسرائيلية، وهي ترافق كل مسؤول إسرائيلي في أي موقف بنيوي يتم التعبير عنه سياسياً وعسكرياً في ما يسمى باستراتيجية اليوم التالي.

قبل الدخول في ما يتعلق بالعمق العسكري الإسرائيلي، لا بد من المرور ولو بشكل خاطف ومختصر على تعريف مفهوم العمق العسكري كمصطلح في إطار المصطلحات العسكرية التي تستخدم أثناء نسق المعارك بين الأطرف المتحاربة، وهو يعني المسافة على الأرض التي تفصل بين مديات سلاح طرف يحارب طرفاً آخر في الوصول إلى داخل أرض الطرفين، وتهديد المدن والسكان المدنيين، لذلك كانت الدول المتحاربة في القديم وإلى عهد قريب تشن هجوماً أو هجومات على جيش الطرف الآخر إذا كان هذا الجيش قريباً من حدودها أو يحتل جزءاً من أراضيها، في محاولة منها لإبعاده عن القرى والمدن إذا كانت ضمن مديات أسلحته من المدفعية الأرضية أو البحرية، لمنعه من الوصول إليها وتهديد حياة المدنيين وأمنهم واستقرارهم.

إقرأ أيضاً: غزة وانتهازية الرئيس الأميركي

هذا المصطلح أصبح في خبر كان، واندثر أو هو في طريقه إلى الإندثار والخروج من الخدمة العسكرية، نظراً لوصول قدارت الإنسان في مجال الصناعات العسكرية إلى مستويات قياسية متطورة لمديات الأسلحة الصاروخية والطائرات المسيرة التي لم تكن معروفة قبل غزو روسيا لأوكرانيا، وهي مديات تصل آلاف الكيلومترات، فضلاً عن الدقة العالية في الوصول إلى الأهداف وتدميرها، وهو ما شاهدناه، على سبيل المثال، في ما أطلقته إيران على إسرائيل خلال هجموها عليها منتصف نيسان (أبريل) 2024 في ردها على استهداف إسرائيل سفارتها في دمشق ومقتل 7 أشخاص في الهجوم بينهم جنرالات في الحرس الثوري الإيراني.

إقرأ أيضاً: مرونة المقاومة الفلسطينية والتعنت الإسرائيلي

العمق الإسرائيلي من زاوية النظر العسكرية ضيق جغرافياً ضمن المدى المعروف لمساحة الأرض المحتلة، ومع وجود الصواريخ والطائرت بعيدة المدى بالمئات لدى الكثير من الدول العربية والإسلامية، لم يعد العرب والمسلمون بحاجة إلى السلاح النووي للرد على أعدائهم، وهذا ما أثبته هجوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي اخترق الأجواء الإسرائيلية وأمطر الأرض المحتلة بعدد هائل من الصواريخ والطائرات المسيرة، حتى وإن لم تصل إلى أهدافها على حد زعم السلطات الإسرائيلية، فإنَّ تحليقها في سماء الاحتلال يكفي لأن يتم النظر إليه على أنه تهديد كارثي بالنسبة إلى وجود إسرائيل على أرض العرب والمسلمين، وهي محاطة بهم من كل حدب وصوب، وإن غداً لناظره لقريب، وهم لا يحتاجون لأكثر من التواصل والتلاقح الفكري والهدفي في أن يكون هدفهم واحد.