ربما تعتبر إسرائيل أن قتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، والرجل الثاني في حزب الله، فؤاد شكر، يمثل إعلانًا للنصر على محور المقاومة في المنطقة. وربما تسعى من خلال هذا النصر إلى التحرك نحو إنهاء الحرب أو الذهاب نحو التصعيد وجر الولايات المتحدة إلى هذا الصراع بفتح حرب ومنافسة إقليمية مع إيران وحزب الله. وهو الأمر الذي استوعبته طهران، والتي ما زالت تحت ضغط هائل من أجل الرد، مما قد يفتح احتمالات التصعيد ويدخل المنطقة في دوامة من الحروب لا تنتهي إلا بدمار المنطقة ككل.

بعد عملية الاغتيال، كثرت الأسئلة والتكهنات حول الخطط الاستراتيجية التي يعمل عليها بنيامين نتنياهو، والتي، بحسب القراءات الأولية، تتركز حول أساسين:

الأول: أن عمليات الاغتيال هي البداية لعمليات أخرى سيقوم بها نتنياهو لاغتيال قادة حماس وحزب الله، وكذلك العمل على توجيه ضربة لطهران وبيروت في نفس الوقت. وذلك لإطلاق رسالة مفادها أن إسرائيل متماسكة أمام العالم، وكذلك لعكس صورة الصلابة أمام المجتمع الإسرائيلي الذي يرى أنه تورط في هذه الحرب التي لن تنتهي إلا بنهايتها. وهذا ما عبر عنه الحزب المعارض داخل الليكود، بالإضافة إلى إنهاء الحرب في غزة من موقع القوة لا الضعف.

الثاني: التصعيد بشكل كبير ضد حزب الله وإيران من أجل إشعال حرب أكبر في المنطقة، وإيجاد مبرر منطقي للقيام بعمل واسع ضد حزب الله من خلال اجتياح بري "محدود"، وفي نفس الوقت التصعيد مع طهران. ما يجعل واشنطن مجبرة على الدخول في هذه الحرب لصالح تل أبيب. ويبدو أن هذا الأمر قد تم مناقشته فعلاً أثناء زيارة نتنياهو إلى واشنطن، ولكن دون تحديد توقيت محدد. وبغض النظر عن قبول الأخيرة من عدمه، فإنَّ واشنطن بالتأكيد ستكون وراء قرار ضرب طهران وبيروت.

إقرأ أيضاً: واشنطن ورؤيتها الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط

الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى واشنطن والتي حظي خلالها باستقبال وترحيب من قبل الكونغرس الأميركي حظيت باهتمام كبير، خصوصًا مع الدعم الكبير الذي قدمه الرئيس الأميركي جو بايدن لتل أبيب في حربها ضد حماس وباقي الفصائل المسلحة. وهذا على عكس موقف نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي لها موقف مغاير لموقف بايدن من الحرب على غزة. بينما في حال فوز المرشح دونالد ترامب، فإنَّ الموقف من الصراع سيتغير تمامًا، خصوصًا أن موقف الأخير كان واضحًا بأنه في حال تسنمه لمنصبه في كانون الثاني (يناير) 2025، فإنه سيعمل على إنهاء الحرب في غزة فورًا.

يدرك نتنياهو أن الوقت ضيق لديه، وأن عليه الإسراع في حسم المعركة وتحقيق النصر على حماس وحزب الله قبل فوز ترامب في الانتخابات الأميركية. وقد بدأ يستشعر أن لا خيار أمام واشنطن سوى الوقوف مع إسرائيل في إطلاق الصاروخ الأول، ما يعني أن طهران وبيروت لن تقفا مكتوفتي الأيدي وستردان بقوة استثنائية على هذا التصعيد. خصوصًا أن التقارير تشير إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد قد زود حزب الله بصواريخ جوية متطورة جدًا، ما يعني أن احتمالية استخدام إسرائيل للطائرات أمر ضئيل جدًا.

إقرأ أيضاً: الانتخابات والتحديات القادمة أمام إيران

الضربة الإسرائيلية "الوقحة" على طهران، والتي راح ضحيتها القائد إسماعيل هنية، قطعت كل الاحتمالات لتعزيز أي نصر قد يحققه الكيان الصهيوني على غزة ولبنان. كما هو الحال بالنسبة إلى محادثات وقف إطلاق النار في غزة، التي تأثرت بالتأكيد كثيرًا بعد عملية الاغتيال. خصوصًا أن اغتيال هنية أحرج واشنطن كثيرًا، وجاء في توقيت زيارة نتنياهو إلى واشنطن، التي انتهت بإعلان بايدن أن "إنهاء الصراع في غزة هو من أولى أولوياته". وهذا ما يعني أن المنطقة عمومًا دخلت في منعطف جديد وتحول خطير قد يسبب صراعًا جديدًا، وسيكون الخاسر الأكبر فيه نتنياهو.