لم تكن حادثة اغتيال إسماعيل هنية في إيران بعيدة عن دائرة الاستهداف الإسرائيلية، فتواصل دولة الاحتلال مطاردة ذيول حركة حماس في بقاع الأرض الفلسطينية وخارجها من أجل إحباط مخطط الحركة للعودة إلى غزة أو البقاء على أرض الواقع، لتظل شوكة في حلق إسرائيل مدى الحياة.

وجاء تعيين يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي للحركة ليثير غضب إسرائيل، التي ردت على ذلك بتوجيه ضربة قوية للمناطق الحيوية التي تعتقد أن عناصر حماس فيها، بناءً على معلومات يقدمها بعض المخبرين على الأرض. لكن من الواضح أن تكثيف الضربات الإسرائيلية على غزة له معنى واحد فقط، وهو أن الاحتلال يريد تصفية السنوار قبل قبول أي صفقة للتهدئة أو الهدنة أو حتى إنهاء الحرب الدائرة.

ولكن دعنا نتساءل: لماذا تريد إسرائيل تصفية السنوار قبل أي شيء آخر؟

السنوار، زعيم حركة حماس، هو مهندس عملية "طوفان الأقصى" أو أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على بلدات غلاف غزة، والتي تمركز فيها الاحتلال. هذا المنصب الجديد للسنوار يعتبر بمثابة رسالة واضحة للعالم تؤكد أن الجناح المتشدد من حماس هو الذي يتولى القيادة في الوقت الراهن والفترة المقبلة. وهذا بالتأكيد قد يؤدي إلى مزيد من الاستفزاز لإسرائيل واستمرار الحرب، كما يشير إلى وجود نية واضحة من الحركة لمواصلة الحرب دون أن يهمها الشعب المعذب في مناطق الإيواء والأطفال والنساء والشيوخ الذين يُقتلون يوميًا برصاص الاحتلال، أو حتى الشباب الذين تأسرهم إسرائيل ليلًا ونهارًا.

فكما تريد إسرائيل اقتلاع حماس من غزة بالكامل وإدارة القطاع تحت وصايتها، تسعى حماس هي الأخرى إلى زيادة التوتر في غزة وتعقيد مباحثات التوصل إلى اتفاق يتضمن وقفًا للحرب التي أودت بحياة أكثر من 60 ألف فلسطيني حتى هذه اللحظة، دون احتساب جرحى الحرب والمفقودين.

إقرأ أيضاً: عودة ترامب لرئاسة أميركا.. هل ينصف القضية الفلسطينية؟

ومن الواضح أنَّ حماس تميل إلى آراء القوى الخارجية مثل إيران، لذلك فضلت السنوار على غيره، لأنها ببساطة تحتاج إلى دعم طهران بشدة في الفترة الراهنة والمقبلة أيضًا. لكنها لم تدرك أنها بذلك تزيد شرارة الحرب اشتعالاً وتطيل أمد الصراع مع إسرائيل، فما يهمها هو العودة لحكم غزة حتى لو كان ذلك على حساب موت الشعب كله.

وربما يؤدي اختيار السنوار بدون أي انتخابات إلى زيادة حالة التحدي لإسرائيل إلى مستوى أعلى، خاصة بعد أن كانت حكومة بنيامين نتنياهو تعتقد أن الإطاحة بهنية سوف تؤدي إلى إعادة هيكلة قيادات الحركة وإضفاء قدر أكبر من المرونة على مواقفها. لكن هذا القرار الأخير قد يشير إلى تزايد مخاوف إسرائيل من عودة حروب الشوارع في أزقة غزة من ناحية، والتصعيد الإيراني من ناحية أخرى، دون وجود أي مسارات دبلوماسية قد تُطفئ نيران الحرب بين الطرفين أو تنقلها إلى مرحلة أهدأ.

والآن، يواصل الاحتلال الإسرائيلي بحثه عن السنوار تحت الأرض وفوقها، لذلك يقصف مناطق متعددة في غزة دون رحمة، وفي النهاية يكون المدنيون عرضة للخطر ويدفعون ثمن الحرب بين الحركة والاحتلال.

إقرأ أيضاً: هل تستجيب إسرائيل لمحكمة العدل الدولية بحل الدولتين؟

ومن خلف الكواليس، قد يكون هناك تواطؤ من قادة حماس الموالين لقطر في توفير ثغرات للاحتلال تسهل الكشف عن السنوار. لكن من الواضح أن هناك قلقًا من استغلال إسرائيل لتعيين السنوار لزيادة ضرباتها وتوسيع دائرة القتل والتدمير، لا سيما أن السنوار يمثل أحد رموز "الإرهاب".

ربما تتعقد الأمور في الفترة المقبلة بعد تنامي نفوذ السنوار، الذي قد يقود الحركة إلى الهلاك أو يدير مواجهة مع إسرائيل بشكل مباشر، مما قد يقضي على أحلام إسرائيل في عودة رهائنها، وكذلك على آمال الشعب الفلسطيني في عودة الهدوء والاستقرار والعيش في سلام.