ربما تعبر الجملة التالية التي قالها الحرسي محمد باقر قاليباف بعد اغتيال إسماعيل هنية عن الوضع الحالي للنظام الإيراني، حيث قال: "تحوَّل الطعم الحلو لحفل مراسم أداء رئيس الجمهورية لليمين إلى مرارة".

وبعد مراسم أداء الحرسي مسعود بزشكيان لليمين، اغتيل إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، في طهران. وكما قال الحرسي قاليباف، رئيس مجلس شورى الملالي: "أعلن أن المجلس يطالب برد رادع مع الحفاظ على المصالح الوطنية".

وبالرغم من الآراء المختلفة حول كيفية حدوث هذا الاغتيال، إلا أنه لم يتضح بعد بشكل دقيق كيف تمت العملية، ولم تتبنَّ أي جهة المسؤولية عنها. المهم هو "وضع نظام الملالي" وما إذا كان هذا النظام سيرد بالمثل؟ وضد مَن وكيف؟ هناك العديد من التكهنات والتحليلات. لكن ما هو واضح ومتفق عليه هو أن أي رد فعل من جانب نظام الملالي سيؤثر على مستقبله وعلى الوضع في المنطقة!

المواقف
أعلن المعمم رحيمي، مساعد جهاز السلطة القضائية في نظام الملالي، أن "المدعي العام أصدر أمرًا بتحديد واعتقال المقصرين أو مَن تم استخدامهم كعناصر مؤثرة في قضية اغتيال هنية".

وقد دفعت الأزمة المتصاعدة وخطر نشوب حرب في المنطقة عدة دول إلى تحذير رعاياها ومواطنيها المقيمين في بعض الدول، مثل لبنان وإسرائيل وإيران، ومطالبتهم بمغادرة المنطقة فورًا. كما أخطرت اليابان وتركيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا والسويد والسعودية والأردن وإيطاليا ونيوزيلندا مواطنيها بضرورة مغادرة الأراضي اللبنانية فورًا؛ بسبب تدهور الأوضاع العسكرية والأمنية.

كما ألغت بعض شركات الطيران الدولية الكبرى رحلاتها إلى دول المنطقة أو غيرت مساراتها إلى هذه الدول. يحدث هذا في الوقت الذي يواصل فيه قادة النظام الإيراني قرع طبول "الهجوم" و"الانتقام الشديد"، بعد اغتيال هنية في طهران، وتصريحات خامنئي عن ضرورة "الانتقام" و"العقاب". وقال كناني، المتحدث باسم وزارة خارجية نظام الملالي: "من المؤكد أن النظام سيتخذ إجراءً جادًا ورادعًا بقوة وبحزم".

وصرَّح ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، في حديثه للصحفيين يوم الإثنين، الموافق 5 آب (أغسطس)، حول موقف أميركا من احتمال قيام النظام الإيراني برد انتقامي ضد إسرائيل: "لقد أرسلنا باستمرار رسائل عبر القنوات الدبلوماسية وشجعنا الدول على إبلاغ النظام الإيراني بأن تصعيد التوتر ليس في مصلحته، وأننا سندافع عن إسرائيل".

دعا وزراء خارجية الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم (مجموعة الـ 7) في اجتماعهم الطارئ إلى ضبط النفس وتقليل التوتر في منطقة الشرق الأوسط. وجاء في بيان مجموعة الـ 7، من بين أمور أخرى، أن "الأحداث الأخيرة تحمل تهديدًا باندلاع صراع أوسع في المنطقة".

ووفقًا لتقرير "وول ستريت جورنال"، رفض النظام الإيراني جهود الوساطة التي تبذلها الولايات المتحدة والدول العربية لتقليل التوترات. وقال قادة النظام الإيراني للدبلوماسيين العرب إنهم لا يبالون بأن يؤدي الرد العسكري الإيراني إلى توسيع الحرب في المنطقة.

قال السيناتور ماركوين مولين، عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي: "إن ما يجب أن تعرفه الحكومة الأميركية هو أن السلام لا يتحقق من خلال الاسترضاء، بل إنه يتحقق بالقوة. واتضح للجميع الآن أن رأس الأفعى هو نظام طهران بعينه، ويجب قطع هذه الرأس".

وقال حسن نصر الله، أمين عام حزب الله في لبنان، في 6 آب (أغسطس): "إن إيران ألزمت نفسها الآن بالرد بعد اغتيال هنية. وبطبيعة الحال، لا ينبغي أن نتوقع من إيران أن تخوض حرباً مع إسرائيل؛ نظرًا لقضاياها الداخلية".

وقال وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، لقناة "فوكس نيوز" في 6 آب (أغسطس): “عندما تُظهرون العين الحمراء للنظام الإيراني، كما فعلنا عندما تخلصنا من قاسم سليماني، فإنَّ النظام الإيراني يعود إلى صوابه، وتمضي سياسة الردع التي نتخذها ضده قدمًا. إن لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها هذا النظام"..

وأعلنت حماس، الثلاثاء الموافق 6 آب (أغسطس) 2024، عن أن يحيى السنوار، قائد حماس في غزة، هو الزعيم السياسي الجديد وخليفة لهنية. وقال السنوار: "يجب إبادة إسرائيل". وقال أحد أعضاء حماس البارزين لوكالة فرانس برس: "إننا من خلال انتخاب السنوار كزعيم لحماس، نرسل رسالة إلى إسرائيل مفادها أن حماس ستواصل حربها".

هل سيتحرك النظام الإيراني؟
بالرغم من أن مختلف الحكومات طلبت من النظام الإيراني بشتى الطرق الامتناع عن الانتقام، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيتجنب نظام الملالي الرد بالمثل؟ وإذا أعلن انسحابه، فهل يمكن الوثوق به؟

هناك إجماع نظري على أن النظام الإيراني بعد اغتيال هنية في طهران قد تجاوز نقطة تحول، حيث يجب عليه إما أن "يتجرع السم" ويرضي الإصلاحيين والغربيين بأنه لا يريد شن أي هجوم، وأن أقصى ما سيقوم به هو "عمل استعراضي"، أو أنه سيلجأ إلى "الانتقام" و"العقاب الشديد" الذي دعا إليه خامنئي!

كتبت وسائل الإعلام الغربية، ومن بينها صحيفة "وول ستريت جورنال"، يوم الخميس الموافق 8 آب (أغسطس) 2024، أن النظام الإيراني يريد مهاجمة إسرائيل، لكنه لا يملك القدرة على خوض حرب واسعة النطاق. طهران وحلفاؤها ليسوا على استعداد لخوض صراع كامل مع إسرائيل والولايات المتحدة. يقول علي فضل الله، أستاذ العلوم السياسية في بيروت والمطلع بجهاز حزب الله: "لا حزب الله ولا إيران يريدان خوض حرب واسعة النطاق". وقال عادلي، سفير نظام الملالي السابق في إنجلترا وكندا واليابان: "إن الغرض من اغتيال هنية هو جر النظام الإيراني إلى حرب مباشرة".

الكلمة الأخيرة
إنَّ النظام الديني الحاكم في إيران يعيش في حالة ضعف تام! والشعب الإيراني لا يريد هذا النظام، ويسعى إلى القيام بانتفاضة لإسقاطه. والعالم يقف إلى جانب الشعب الإيراني. والخاسر الوحيد هو نظام ولاية الفقيه للملالي. إن الشعب الإيراني ومقاومته الإيرانية هما الفائزان الرئيسيان في أي تطور يتعلق بإيران. إنهما يبحثان عن فرصة لإنهاء مهمة إسقاط نظام الملالي!

والآن أصبحت المقاومة الإيرانية أقوى وأكثر تنظيمًا من أي وقت مضى في جميع أنحاء إيران. وباستثناء البديل الديمقراطي للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، لا توجد أي قوة فعلية وعملية على الأرض. إن أولئك الذين يتطلعون إلى وجود قوة أخرى، يقضون حياتهم في عبث كامل!

وبناءً عليه، فإن تهديدات النظام الديني هي مجرد أداة دعائية تهدف إلى إرضاء الآخرين وليس إلى تحقيق نتائج عملية. لم يبق من عمر هذا النظام شيء، وإسقاطه على يد الشعب والمقاومة الإيرانية أمر مؤكد!