في خطوة تاريخية ينتظرها الملايين، ووسط سباق عالمي محموم لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، صدر في الأيام القليلة الماضية قانون الذكاء الاصطناعي بعد حصوله على الموافقة النهائية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. يُعد هذا القانون الأول من نوعه عالميًا الذي يتناول هذا الموضوع بالتفصيل.

تعود بدايات هذا القانون إلى عام 2020، حينما اقترحته المفوضية الأوروبية، وهو يمثل جزءًا من جهود الاتحاد الأوروبي لمواجهة الآثار السلبية والمخاطر المحتملة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، من خلال السعي لتنظيم كيفية عمل الذكاء الاصطناعي واستخدامه من قبل الشركات بشكل سليم وأخلاقي في بيئة آمنة للمستخدم.

يستهدف القانون بشكل رئيسي الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى مثل مايكروسوفت، غوغل، أمازون، أبل، وميتا، التي تُعتبر المطور والمُنتج الرئيسي لأنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة. كما أن تأثيره سيمتد أيضًا ليشمل العديد من الشركات والمنظمات العاملة داخل الاتحاد الأوروبي التي تتعامل أو تطور أو تنتج أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها وكل ما يتعلق بهذا العالم.

يحاول القانون وضع إطار تنظيمي شامل ومنسق للذكاء الاصطناعي في دول الاتحاد الأوروبي، ويسعى لتحقيق التوازن بين تعزيز الابتكار في الذكاء الاصطناعي من جهة وحماية المجتمع من مخاطره من جهة أخرى. يطالب القانون الشركات بأن تكون البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي ذات جودة عالية ومهنية لتقليل زلّات التحيز والعنصرية، والأحكام والقرارات غير القانونية.

كما أن القانون يشترط، في نفس الوقت، أن تكون الأنظمة عالية المخاطر تحت إشراف بشري لضمان دقتها وشفافيتها وعدم وقوعها في الأخطاء الكارثية. لذا، يحاول القانون تنظيم تطبيقات الذكاء الاصطناعي بناءً على مستويات المخاطر الخاصة بها، فهو يسعى للتعامل مع المركبات المستقلة والأجهزة الطبية، مثلًا، بطريقة أكثر صرامة، ويضع التزامات مشددة لتقييم مخاطر هذه الأنظمة والتخفيف من حدتها.

إقرأ أيضاً: هكذا تدير إسرائيل معركة الإعلام الرقمي

سيفرض القانون متطلبات صارمة على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل ChatGPT من شركة OpenAI وGemini من Google نظرًا لأهمية هذا النوع من الأنظمة وخطورتها. ورغم ذلك، ستُمنح هذه الأنظمة التوليدية المتاحة للمستخدمين تجاريًا مدة تصل إلى 36 شهرًا للامتثال للقانون. كما أن هذا القانون سيتم تنفيذه تدريجيًا وصولًا إلى دخوله حيز التنفيذ الكامل بحلول عام 2026.

وفيما يتعلق بالعقوبات، فإنَّ الشركات التي تنتهك هذا القانون قد تواجه غرامات تصل إلى حوالى 38 مليون دولار أميركي، أو 7 بالمئة من الإيرادات السنوية العالمية، وهي تتجاوز غرامة انتهاك اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي، التي لا تتجاوز 22 مليون دولار أميركي أو 4 بالمئة من الإيرادات السنوية العالمية للشركة.

إقرأ أيضاً: البلوغر والفاشنستا... والمفاهيم المتداخلة!

تكمن أهمية أخرى لهذا القانون، من وجهة نظري، في تشجيعه الحكومات في أنحاء العالم المختلفة على صياغة أو وضع أطر مماثلة للتعامل مع غول الذكاء الاصطناعي. يساهم ذلك في تعزيز السيطرة عليه من خلال تطوير أنظمة قانونية دولية تنظم هذه التكنولوجيا المتقدمة والخطيرة وتضع حدودًا معينة لتحركاتها.

بإصدار هذا القانون، يخطو الاتحاد الأوروبي خطوة هامة وعملية نحو تنظيم أهم منتج في الوقت الحاضر. ونأمل أن تحذو الدول العربية، وبقية دول العالم، حذوها في هذا المضمار لمجابهة المخاطر المحتملة للتكنولوجيا الحديثة المتمثلة بالذكاء الاصطناعي.