بالرغم من كل الضربات الموجعة التي تعرضت لها إيران، إلا انها ما زالت تقف امام التحديات الكبيرة والخطيرة في المنطقة وهي تمارس دورها وموقفها من مجمل القضايا المصيرية لمنطقة الشرق الأوسط، فقد واجهت طهران واشنطن ووقفت بوجه كل المخططات الرامية لتقسيمها من الداخل وضرب عمقها الاجتماعي والسياسي عبر أثارة الفتن الطائفية او القومية الداخلية، ولكنها في الداخل لم تزدد سوى إصراراً في المواجهة مع الغرب، وما خروج الشعب الايراني لتوديع رئيسه الراحل الا خير دليل على عمق العلاقة بين الشعب وحكومته، إذ خرج العامل والبائع والمزارع والموظف والكل خرج ليعزي نفسه بهذه الفاجعة التي كانت مفجعة بسبب طبيعة الشخصية التي كان يتمتع بها إبراهيم رئيسي.
ردود الافعال تباينت حول مصرع رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتعددت الاسئلة حول طبيعة الحادث وظروفه، والبيئة والاجواء التي رافقت الرحلة الاخيرة للرئيس لافتتاح سد "قيز قلعة سي" في محافظة تبريز في منطقة أذربيجان الشرقية، إذ الغرب تلقى الخبر بترقب وهدوء شديد، والعواصم الغربية تدرس ما بعد رحيل رئيسي والأثر الذي سيتركه رحيله والتأثير السلبي على القيادة الايرانية والتوترات الجيوسياسية المتولدة من هذا الحادث.
تمثل شخصية رئيسي عمق السياسية الايرانية لما يمتلكه من خبرة في القضاء والسياسية والفقه، فهو كان رئيس الادعاء العام ورئيس سدنة العتبة الرضوية المشرفة بالإضافة الى تقلده مناصب حكومية جعلته يمتاز بالحنكة والكياسة والفراسة، بالاضافة الى المواقف السياسية المتشددة من القضية الفلسطينية التي كان الداعم والمدافع عن هذه القضية وكيف كان موقفه من الاعتداء على الشعب الفلسطيني في غزة وتقديمه كل أشكال الدعم له وللمقاومة فيها.
لا يزال هناك الكثير من الاسئلة التي تحتاج الى إجابات، بدءاً من سبب تحطم مروحية الرئيس رئيسي، وبالرغم من كون الاجواء البيئية هي الواضح انها السبب الرئيسي، الا ان هناك الكثير من التساؤلات تبقى تحوم حول الحادثة، إذ لا يوجد شيء خالي على الاطلاق في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة خصوصاً ومواقف طهران الواضحة ضد الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية التي أوغلت كثيراً في عدائها من طهران، وقتلت الكثير من قياداتها السياسية والامنية والعلمية على حد سواء.
كان يُنظر الى رئيسي على أنه المرشح الاكثر حظاً لتولي منصب المرشد الاعلى في إيران، وخبر وفاته يمثل ضربة مقلقة للوضع الداخلي والاقليمي تحديداً، لذلك وبحسب الدستور فان القانون الايراني يسمح في غياب الرئيس او عند إعفائه من منصبة بتعيين نائبه وإجراء انتخابات خلال 50 يوماً، ويأتي هذا التصويت في وقت حرج تواجه فيه إيران صراعاً مع الدول الغربية وإسرائيل، بالاضافة الى المشاكل الاقتصادية والسياسية الداخلية.
خامنئي أشار بوضوح في خطابه بهذه الفاجعة إلى أنَّ على الشعب الايراني ألا يقلق على حكومته ودولته، فهي قادرة على المضي قدماً رغم التحديات الكبيرة والخطيرة، لذلك لن تغير وفاة رئيسي من مسار السياسية الداخلية والخارجية الايرانية، سواءً ما كان يتعلق ببرنامج طهران النووي او موقفها الداعم للقضية الفلسطينية أو محور المقاومة في منطقة الشرق الأوسط، لذلك فإنَّ الانتخابات القادمة ستشكل تحدياً للسياسية الإيرانية في ظل الوضع الراهن في المنطقة بالإضافة الى إنها تشكل حجر زاوية في الاعداد لمرحلة جديدة في المواجهة بين الشرق والغرب.
التعليقات