أسدلت الكويت الستار على فصل إعلامي مرهق وجدل التكهنات العبثية والتوقعات الطموحة والحملات الانتقائية للأقاويل والشائعات بعد قرار سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح حفظه الله ورعاه بتزكية سمو الشيخ صباح الخالد ولياً للعهد.
طغت طموحات وتجاذبات عشوائية وتوقعات طموحة على أحد الفصول السياسية الأكثر جدلاً، ربما، على الصعيدين الإعلامي والسياسي والاجتماعي قبل وبعد تولي سمو الأمير مقاليد الحكم في ديسمبر 2023 وجاء القرار الحكيم قبل انتهاء نصف المدة الدستورية في تزكية ولي العهد.
الكويت التي استقر حكمها على العقد الدستوري، جددت قيمة عقدها السياسي والاجتماعي الملهمة والمبهرة بتزكيته لولي العهد من جناح الشيخ حمد المبارك لأول مرة في تاريخ الحكم وهو تطور نحو صناعة الاستقرار والتفاهم السياسي وترسيخ وتجذير قواعد الحكم.
نحتاج، دون ادني شك، إلى قراءة فاحصة ومتأنية ومتبصرة ومحايدة للمشهد السياسي السابق والحالي والقادم ومراجعة وتأمل للمراحل التي تشابكت وتداخلت فيها التجاذبات والطموحات والمشاهد والمصالح.

لقد ذهبت قسوة النقد والرأي خلال حقبة سياسية وإعلامية استثنائية إلى الطرف الحكومي والأطراف المتأملة والمراقبة والمتفائلة والمحبطة، وقادت تلك الأيام إلى قسوة مضاعفة على الحكومة بسبب كثافة استفهامات الذهول والحيرة واستغلال الطرف غير الحكومي لحالة الصمت الحكومي والاستسلام.
لا يمكن نكران حالة الغضب والقسوة لمرحلة استثنائية على كافة الأطراف وعاصفة الحيرة السياسية والإعلامية التي تصدرتها تلك الأيام البائسة، فقد كان الطرف الحكومي الأكثر تضرراً وتحملاً في ذات الوقت بالمقارنة مع أطراف أخرى غير حكومية استغلت نعيم الصمت الحكومي.
الأكيد أن التهور في النقد سلوك غير مبرر والفجور في الخصومة تصرف غير حكيم ولابد من التبصر في كافة الأحوال حتى في ظل فجور الغير في الخصومة والمصلحة وتجنيد البعض للأدوات والمنابر الإعلامية الخاصة لمصلحة غير وطنية والحق الحكومي المشروع.
مرحلة قست على أطرافها سياسياً وإعلامياً، فقد كانت مرحلة استثنائية ولكنها لم تستهدف شخص بعينه وجماعة أو سلطة وعائلة، فالانتقام والشماتة ليست ثقافة سياسية تتحكم فيها الديمقراطية في تقبل الرأي والرأي المغاير والانصات لرأي الأقلية قبل الأغلبية.
ولكي نفهم القسوة السياسية وعواملها، علينا الوقوف عند الحافز المسبب للحدث الذي لم يكن تافهاً وبسيطاً عند النظر إلى المسؤولية الوطنية والدستورية في المحافظة على المكتسبات الديمقراطية. لذلك لابد من تحليل التحديات حسب طبيعتها ودون مزايدات حفاظاً على المصلحة الأكبر.
يبدو أن ظاهرة تعميم التشكيك والاتهام والتخوين والتلقين والتهويل سيطرت على البعض وحفزت وشجعت البعض الأخر في حين كانت الحكومة متواضعة في شفافيتها إن لم تكن مهملة وفي كل الأحوال تذهب المسؤولية الأكبر للحكومة.
ويبدو أن وقود الانتهازية والأطماع والمصالح والفزع السياسي لوثت المشهد الإعلامي السابق وشوهت المصلحة الوطنية والحكومية أيضاً واقصت الحقيقة عن الواقع، فحال الناقدين المخلصين والصادقين في تقاسم المسؤولية الأخلاقية والسياسية مختلف تماماً عن العكس.

ولابد من وقفة صريحة مع الصحافة الكويتية والمنابر الإعلامية الخاصة التي لعبت دوراً مؤثرا وضاغطاً في حماية أطراف دون أخرى اثناء تلك الأيام الكئيبة وعقدت من ظروف الصدام الشعبي مع الحكومة وبين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
غاب الإعلام الحكومي -كعادته- وتنازل عن دوره وحقه القانوني والسياسي في قيادة الرأي العام وحماية الحقيقة والتصدي لجولات بعض الصحف والمنابر الإعلامية الخاصة غير الطارئة التي ضحت بالحكومة وحصنت أطراف أخري حتى من النقد المباح!

خرجنا اليوم بدرس سياسي جديد يستحق المراجعة والتأمل من الجميع والطرف الحكومي قبل الكل، فالحكومة حصدت الجزء الأكبر من القصف الإعلامي والسياسي الشديد في حين كان الأخرين خارج مرمى النقد المباح متمتعاً بنعيم المصلحة والأنانية.
لعل أهم الدروس والحقائق التي لا ينبغي اهمالها وتجاوزها عند التحليل والتأمل يكمن في قرار القيادة السياسية بتهشيم التحالف الحكومي-البرلماني في 22 يونيو 2022 وحل مجلس 2020 لتحقيق الانفراج السياسي لمصلحة الوطن والشعب.

المرحلة الراهنة تحمل دورس للجميع وللحكومة خاصة لاسيما الإعلام الرسمي وتنازلاته وإخفاقاته في حماية مصالح البلاد والعباد والسكوت على الفوضى الإعلامية حتى شاعت جرأة البعض على تشويه الدور الرسمي في بعض وسائل الإعلام الخاصة.
عقد الحكم الدستوري في الكويت له قيمة تاريخية مبهرة وملهمة وهي أكبر بكثير من نصوص مباشرة وغير مباشرة وواقعية ومتحمسة، فحكمة التأمل والتحليل والمراجعة الرصينة تفرضها مرحلة تحصين البلد من اطماع ومصالح بعض وسائل الإعلام الخاصة.
لعل خير بداية سياسية في مراجعة دقيقة ومحايدة للإعلامي الرسمي المفقود والضائع والتائه والغائب عن الوجود الحكومي، فالإصلاح السياسي يقوم على شراكة وفهم واتفاق ورؤية إعلامية واضحة وليس رؤية مضطربة وعشوائية.