اعترفت دول عدة بدولة فلسطين، وهو أمر بالغ الأهمية في مسيرة القضية الفلسطينية التي شهدت على مدار سنوات حالة من التشابك والتعقيد، بسبب تعنت إسرائيل الواضح. وقد تجلت أسباب هذا التعنت منذ أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، التي استغلتها إسرائيل لمحاولة إنهاء القضية الفلسطينية، من خلال تهجير أصحاب الأرض وتنفيذ المشروع الاستيطاني. ومع ذلك، قوبلت هذه المحاولات بصمود غير مسبوق من الفلسطينيين، الذين يفضلون الموت على ترك وطنهم للاحتلال.

وشهدنا مظاهرات في دول عدَّة مؤيدة لدولة فلسطين، تطالب بإنهاء العدوان الغاشم على قطاع غزة ووقف إراقة دماء المدنيين الأبرياء. وكانت بريطانيا من أكثر الدول التي تشهد حراكًا واسعًا، سعيًا لتحقيق الضغط السياسي من أجل وقف العدوان على غزة والاعتراف بدولة فلسطين. وإذا تحقق ذلك، فسيكون نقطة تحول في مسار حل القضية الفلسطينية واستعادة الأرض من العدو الإسرائيلي المحتل.

وقد جاءت دعوة نائبة حزب العمال البريطاني للمتظاهرين المؤيدين لفلسطين بمواصلة مسيرتهم كوسيلة ضغط تؤكد العزم على عدم التوقف عن دعم فلسطين، في ظل زيادة حدة الصراع. وهذا يتطلب تكثيف الضغط السياسي، لأن حزب العمال يمثل الأغلبية الواضحة في بريطانيا، ويستلزم تحويل هذه الأغلبية إلى تغيير فعلي في السياسة.

إن مظاهرات حزب العمال يجب أن تستمر في جميع المحافل داخل بريطانيا لإنهاء الصراع المروع الممتد منذ عام 1948. ومن الضروري أن تبذل حكومة حزب العمال المزيد من الجهد لحماية الفلسطينيين وحظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل، التي تخالف بها بريطانيا القانون الدولي، مما يبرز فشل الحكومة البريطانية في الوفاء بالتزاماتها الأساسية وفق القانون الدولي. ومن بين مطالب حزب العمال فرض عقوبات على إسرائيل، بدلًا من وعدها بصفقة تجارية معززة.

وقد وصل غضب المتظاهرين المؤيدين لفلسطين إلى حد إغلاق مداخل وزارة الخارجية في لندن احتجاجًا على فشل الحكومة الجديدة في بذل المزيد من الجهود لتغيير سياسة المملكة المتحدة تجاه الهجوم الإسرائيلي على غزة. هذا الأمر دفع نائبة الحزب إلى مطالبة المتظاهرين بالاستمرار في المظاهرات، التي قد تساهم في تغيير السياسة البريطانية تجاه فلسطين والمضي قدمًا نحو الاعتراف بها.

لم يقتصر الأمر على إغلاق مقر وزارة الخارجية فقط، بل قام الآلاف بإغلاق مصانع الأسلحة في جميع أنحاء المملكة المتحدة. وخلال الانتخابات الأخيرة التي جرت في تموز (يوليو)، تصدرت القضية الفلسطينية المشهد، وواجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر انتقادات شديدة بعد تصريحاته المثيرة للجدل حول حق إسرائيل في قطع الضروريات الأساسية عن غزة.

إقرأ أيضاً: المرأة في غزة.. صمود وسط العدوان

لقد أثارت تصريحات ستارمر استياء الكثيرين في يسار حزب العمال بسبب بطئه في الضغط من أجل وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة. وقد أشار ستارمر إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين يجب أن يكون جزءًا من المساهمة البريطانية في عملية السلام المتجددة، في ضوء تحقيق حل الدولتين. والآن، بعد وصوله إلى السلطة، يواجه ستارمر تحديًا يتمثل في تحقيق هذا الاعتراف وسط استمرار الحرب في غزة.

تشير التقارير السياسية إلى حرص ستارمر على أن تلعب بريطانيا دورًا أكثر نشاطًا في تحقيق السلام. ولكن حتى أكثر المراقبين تفاؤلًا يشككون في إمكانية إحراز تقدم دبلوماسي سريع نظرًا لتعقيدات الصراع والسياسات الإسرائيلية المتشددة.

إقرأ أيضاً: هل تدخل الهند على خط الوساطة بين حماس وإسرائيل؟

يسعى حزب العمال لتحسين علاقاته بالمؤيدين للقضية الفلسطينية، وهي الكتلة التي ساهمت في فوزه بالانتخابات. ومع استمرار التظاهرات، قد تتغير سياسة بريطانيا نحو القضية الفلسطينية، بعد أن كانت تدعم إسرائيل بشكل واضح.

في ظل التوتر الذي تشهده المنطقة، يجب تكثيف الحراك السياسي في بريطانيا. فبريطانيا لا تستطيع خسارة الولايات المتحدة كحليف استراتيجي، خاصة أن واشنطن تقدم دعمًا غير محدود لإسرائيل. لذا، يتطلب الأمر ضغطًا سياسيًا متزايدًا من قبل المتظاهرين لتغيير موقف بريطانيا نحو الاعتراف بدولة فلسطين.

ورغم أن اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا سيبذل جهودًا كبيرة لإعادة التأييد الكامل لإسرائيل، إلا أن استمرار الحشود والمظاهرات المؤيدة لفلسطين قد يحقق نتائج إيجابية لصالح القضية الفلسطينية.