تتواصل الأعمال السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين، وسط تصويت تاريخي لصالح القرار الذي تقدمت به دولة فلسطين للجمعية العامة، على خلفية الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية قبل شهرين، وتحديداً في تموز (يوليو) الماضي، بضرورة إنهاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية. ولعل من المهم، قبل محاولة قراءة هذا التصويت وتأثيره على صناع القرار، أن نتساءل بجدية: هل بإمكان الدول التي صوتت لهذا القرار، والتي تمثل الأغلبية، أن تتجه إلى مقاطعة خطاب رئيس حكومة كيان الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مجرم الحرب، وتعرّيه أمام المجتمع الدولي، والدفع باتجاه عزله إلى حين تحقيق الأهداف المطلوبة؟ وهذه الأهداف تتضمن السعي لاحترام قرار الأمم المتحدة بالانسحاب من الأراضي المحتلة خلال اثني عشر شهراً، وإيقاف تسليح الاحتلال، وإعادة إحياء قانون المساواة بين الصهيونية والعنصرية، وهو القانون 3379 الذي أسقطته أميركا مع بداية تحرك عجلة المفاوضات في أوسلو.

لا نريد الانسياق وراء التفاؤل العاطفي أو الأحلام الوهمية، فكلنا نعرف حدود الدول المعنية عندما يتعلق الأمر بخطوة كهذه، التي لن تنظر لها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعين الرضا. كذلك، لا نريد الاندفاع وراء توقعات بموقف قد لا يأتي، سواء تعلق الأمر بالدول العربية أو الإسلامية أو كلاهما. قناعتنا، سواء اعتمدنا العقل والمنطق أو حتى قبلنا بلعبة العاطفة، أن مقاطعة خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة خطوة ضرورية، وهي أقل ما يمكن القيام به في مثل هذا التوقيت، في خضم الإبادة المستمرة في غزة ومحاولات نقل اللعبة التدميرية الإسرائيلية إلى الضفة ومنها إلى لبنان، حيث تتكرر الاعتداءات اليومية والتفجيرات باستخدام البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي، بالإضافة إلى استغلال الذكاء الاصطناعي لشن الهجمات السيبرانية واستهداف مواقع حزب الله، وأيضاً استهداف المدنيين في البيوت والأسواق والفضاءات العامة. من المؤكد أنَّ خطوة مقاطعة خطاب نتنياهو، الذي يُفترض أن يكون بعد يومين، تمثل صحوة ضمير وعودة لإحياء الحد الأدنى من التضامن العربي الإسلامي بعد كل الخذلان الذي واجهته غزة، التي تدخل قريباً عامها الثاني من هذه الحرب المتوحشة.

إقرأ أيضاً: غزة في الجامعات الأميركية!

ما يحدث يدفعنا إلى العودة للتصويت الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي دعا إلى إنهاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي حظي بدعم 124 دولة مقابل اعتراض 14 وامتناع 43 دولة. وكما في كل مرة، فإن الدول الرافضة إلى جانب أميركا وإسرائيل تضم عدداً من الدول الصغيرة في المحيط الهادئ، التي لا يكاد العالم يسمع عنها أو يهتم بمواقفها، وهي تأتمر للحليف الأميركي الذي يمولها ويضخ مساعداته الاقتصادية لها.

يجب التوقف عند الدول التي امتنعت عن التصويت، ومنها دول أفريقية وأوروبية. والسؤال المطروح: لماذا امتنعت دول أفريقية مثل إثيوبيا وكينيا وجنوب السودان؟ ولماذا امتنعت ألبانيا، وهي دولة غالبية سكانها من المسلمين؟ ولماذا امتنعت البرتغال وإيطاليا، وهما دولتان لم تتخليا يوماً عن علوية القانون الدولي الإنساني وحق الشعوب في تقرير المصير؟ ولماذا امتنعت أوكرانيا، التي تعاني من حرب مع روسيا بسبب دخول الأخيرة جزءاً من أراضيها، عن التصويت على هذا القرار، وهي التي لا يغيب رئيسها عن قمة أو لقاء دولي بحثاً عن الدعم والتضامن مع بلاده؟

إقرأ أيضاً: نصرالله يقر بتفوق العدو عسكرياً ولكن ماذا بعد؟

من الواضح أن هناك حاجة ملحة لمراجعة سلاح الدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة. لسنا بصدد التعرض للدبلوماسية العربية أو الإسلامية التي تبقى هشة وبلا فعالية، تضعها في حالة موت سريري. ربما يعتبر البعض أن هذا ترف لا تحتمله المرحلة، لكن من المؤكد أن هناك تراجعاً خطيراً يحتاج إلى إعادة تحديد البوصلة واستعادة المبادرة. ويجب البحث عن الأسباب التي جعلت 43 دولة تمتنع عن التصويت لصالح هذا القرار التاريخي والمشروع والعادل، الذي ما انفك الشعب الفلسطيني يطالب به منذ عقود.