منذ صعود النظام الإيراني إلى السلطة، أصبح مفهوم "العمق الاستراتيجي" ركيزة أساسية في سياسته الخارجية. هذه الاستراتيجية، التي تحمل مظهرًا دفاعيًا وشعارات إسلامية، تحولت في الواقع إلى أداة لتصدير الأزمات وقمع المعارضة الداخلية. بدلاً من معالجة المشكلات الداخلية وتلبية المطالب المشروعة للشعب، ركز النظام على توسيع نفوذه الإقليمي من خلال الميليشيات والحروب الخارجية. يستعرض هذا المقال تداعيات هذه السياسة مع التركيز على تكاليفها، إخفاقاتها، وتأثيرها على الشعب الإيراني.
الجذور: سياسة بقاء قائمة على الأزمات
لا يُعتبر العمق الاستراتيجي لدى النظام الإيراني مفهومًا دفاعيًا فقط، بل أداة للبقاء. أكد علي خامنئي وقادة الحرس الثوري مرارًا أن التدخل في دول المنطقة هو وسيلة لمنع الأزمات الداخلية من الإطاحة بالنظام. على سبيل المثال، أعلن خامنئي أن النظام إذا لم يحارب في سوريا أو العراق أو لبنان، فسوف يضطر لمواجهة "العدو" في شوارع طهران وأصفهان.
لكن هذا "العدو" ليس قوى خارجية، بل الشعب الإيراني نفسه، الذي يُعتبر المطالب الحقيقي بالإصلاح والحرية والعدالة. لذا، تمثل سياسة العمق الاستراتيجي وسيلة لتصدير الأزمات وتجنب مواجهة الشعب مباشرة.
الحرس الثوري وفيلق القدس: أدوات تصدير الأزمة
يعد الحرس الثوري، عبر ذراعه الخارجية "فيلق القدس"، العمود الفقري لهذه السياسة. يقوم هذا الفيلق بإنشاء ودعم ميليشيات مثل حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق. هذه الميليشيات ليست فقط أدوات لتنفيذ أجندة النظام، بل تُموّل من أموال الشعب الإيراني.
بينما تُهدر مليارات الدولارات على هذه المغامرات، يعيش أكثر من 80 بالمئة من الشعب الإيراني تحت خط الفقر، محرومين من أبسط الحقوق الأساسية.
العمق الاستراتيجي في سوريا: الطموحات والإخفاقات
كان التدخل الإيراني في سوريا، منذ بداية الحرب الأهلية، استثمارًا استراتيجيًا كبيرًا للنظام. سعى النظام من خلال دعمه لبشار الأسد إلى إنشاء شبكة لوجستية لدعم ميليشياته في المنطقة. لكن الهزائم الأخيرة واحتمال سقوط الأسد تمثلان انهيارًا للعمق الاستراتيجي للنظام.
فقدان سوريا يعني سقوط أحد أعمدة سياسة تصدير الأزمات، وانتهاء حلم خامنئي وقاسم سليماني بإقامة "إمبراطورية" تمتد من إيران إلى البحر المتوسط.
الحرب الإيرانية العراقية: البداية لتصدير الأزمات
كانت الحرب الإيرانية العراقية أول اختبار لسياسة تصدير الأزمات. في ذلك الوقت، رفع الخميني شعار "تحرير القدس عبر كربلاء"، واستغل الحرب لتعزيز قبضته الداخلية. وصف الخميني الحرب بأنها "نعمة" مكنت النظام من تنظيم قوى القمع الداخلي مثل الحرس الثوري واللجان الشعبية.
التكاليف الاقتصادية والاجتماعية للعمق الاستراتيجي
تسببت سياسة العمق الاستراتيجي في استنزاف موارد إيران الاقتصادية. مليارات الدولارات التي كان يمكن استخدامها لتحسين معيشة الإيرانيين، صُرفت على ميليشيات في لبنان واليمن وسوريا والعراق. أدى ذلك إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية داخل إيران، حيث ارتفعت معدلات التضخم والبطالة، وأصبحت السلع الأساسية نادرة.
الخاتمة: نهاية الحلم؟
رغم أن سياسة العمق الاستراتيجي ضمنت بقاء النظام في المدى القصير، إلا أنها أظهرت عجزها في المدى الطويل. الإخفاقات في سوريا والعراق، وتصاعد الاحتجاجات الداخلية والضغوط الدولية، تشير إلى اقتراب نهاية هذه السياسة.
الشعب الإيراني، الذي تحمل نتائج هذه السياسات المدمرة، سيضع يومًا حدًا لها. أثبت التاريخ أن أي نظام لا يستطيع البقاء عبر القمع وتصدير الأزمات إلى الأبد. سيأتي اليوم الذي يتحد فيه الإيرانيون لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر عدلاً.
التعليقات