من يتابع المشهد السياسي المتأزم في قطاع غزة، حتماً سيدرك ماذا فعلت حركة حماس في القطاع، بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وبالتأكيد ما حدث أفقد الحركة الكثير من شعبيتها وقوتها لدى الفلسطينيين، الذين أصبح لديهم حالة من السخط، بعد الدمار الشامل الذي لحق بهم.
وخلال يومين، تحل ذكرى يوم تأسيس الحركة، في 15 كانون الأول (ديسمبر) 1987، وإذا عدنا إلى تاريخ الحركة، فهي تتبع المنظمة الإسلامية الفلسطينية الأصولية، وهي منظمة اجتماعية سياسية مرتبطة بقوة شبه عسكرية، وهي كتائب الشهيد عز الدين القسام، وحماس هو اختصار لحركة المقاومة الإسلامية.
تعود أصول الحركة إلى حركة الإخوان المسلمين في مصر، التي كانت نشطة في قطاع غزة منذ الخمسينيات، واكتسبت نفوذاً من خلال شبكة من المنظمات الخيرية والاجتماعية المختلفة. في الثمانينيات، برزت جماعة الإخوان المسلمين كعامل سياسي قوي، متحدية نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية، وفي عام 1987 تبنت خطاً أكثر قومية ونشاطاً تحت اسم "حماس". وخلال التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نفذت المنظمة العديد من التفجيرات الانتحارية والهجمات الأخرى ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية.
وعقب سيطرة حماس على غزة، أطلقت وغيرها من المنظمات الأخرى هجمات صاروخية على إسرائيل، والتي توقفت بوساطة مصرية في حزيران (يونيو) 2008. وفي أواخر عام 2008 عادت الهجمات واتهم كل طرف الآخر بالمسؤولية. وفي أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2008، هاجمت إسرائيل غزة، وسحبت قواتها في منتصف كانون الثاني (يناير) 2009.
مع سيطرة إسرائيل على غزة بعد حرب عام 1967، لاحقت الفصائل العلمانية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكنها أسقطت القيود الصارمة التي فرضت سابقاً ضد الناشطين الإسلاميين، وكان من بين النشطاء أحمد ياسين، زعيم جماعة الإخوان المسلمين في غزة، الذي شكّل أيضاً الجماعة الإسلامية، وسُميت بـ"المجمع الإسلامي"، وهي مؤسسة خيرية اعترفت بها إسرائيل في عام 1979. وسمحت لها ببناء مساجد ونوادي ومدارس ومكتبة في غزة.
على مدار سنوات، تلقت حركة حماس دعماً كبيراً من أطراف، أبرزهم دولة قطر، التي احتضنت المكتب السياسي للحركة سنوات طويلة، قبل أن تعلن قطر إغلاق المكتب السياسي للحركة في الدوحة وطرد قادتها. وحتى الآن لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن وجهة حماس المقبلة، في ظل اشتعال الصراع في المنطقة.
إقرأ أيضاً: أين الحكومة من معاناة سكان غزة؟
ولعل إيران كانت من أبرز الداعمين للحركة، واستخدمتها طهران لمواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي استطاع أن يُضعف قوة حماس، خاصة بعد اغتيال أبرز قادتها إسماعيل هنية ويحيى السنوار. أيضاً التهديد الأميركي للدول التي تدعم حماس كان أحد العوامل في عزوف تلك الدول عن دعم حركة المقاومة.
بالتأكيد أن ما حدث في سوريا الأيام الماضية، ولا يزال يتواصل، سحب البساط من غزة، وأصبح تسليط الضوء على ما يحدث في سوريا محل اهتمام كافة الأطراف، وأعطى جيش الاحتلال فرصة للتوغل في الأراضي السورية، والاستيلاء على المنطقة العازلة، بعد انسحاب الجيش السوري، والاستمرار في جرائمه تجاه الفلسطينيين.
إقرأ أيضاً: مفترق طرق أمام قيادات حماس
القرارات المصيرية يجب أن تُتخذ بعد دراسة وافية، والاستماع لوجهة نظر المجموعة، ولكن هناك قرارات فردية اتخذتها حماس، تسببت في الكارثة التي يشهدها قطاع غزة، وأعطت الفرصة لإسرائيل باتخاذ قرار بالقضاء على الحركة سياسياً وعسكرياً، بدعم الولايات المتحدة الأميركية، التي أعطت الضوء الأخضر لجيش الاحتلال لتدمير قطاع غزة بحجة ملاحقة عناصر حماس.
ومع مرور الوقت، تفقد الحركة حلفاءها وداعميها، وتعيش أصعب مراحلها، وتأكد ذلك من خلال البيانات والإحصائيات عن شعبية الحركة، والتي هبطت بشكل كبير، بعد أن أصبح قطاع غزة أكواماً من الركام، وفقدت الدعم الدولي، وأصبح النشطاء وعائلاتهم فقط هم من يدعمون الحركة، التي تواجه مصيراً مجهولاً في ظل الرغبة الأميركية والإسرائيلية بالقضاء على الحركة، وليس إنهاء حكمها في غزة فقط.
التعليقات