حفل خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي يوم الأربعاء 24 تموز (يوليو) 2024 بالأكاذيب والافتراءات، وليس لما قاله أمام أعضائه أي أساس من الصحة. والمشكلة الأكبر هي التصفيقات التي حصل عليها هذا الخطاب الكاذب من قبل الأعضاء الذين ينافقون هذا الرجل الذي يفتري الكذب دون استحياء.
لقد قال نتنياهو في أهم النقاط التي تناولها في حديثه المطوّل:
1. نحن على مفترق طرق تاريخي والشرق الأوسط يغلي والصراع ليس بين حضارات وإنما بين البربرية والتحضر.
2. الشرق الأوسط يواجه محور الإرهاب الإيراني.
3. جئت هنا لكي أؤكد لكم أننا سننتصر.
4. الولايات المتحدة وإسرائيل يجب أن يقفا سوياً، وحين نقوم بذلك سننتصر وهم سيُهزمون.
5. كثير من المتظاهرين ضد إسرائيل اختاروا أن يقفوا مع الشر ومع حماس ويجب أن يشعروا بالعار.
6. المتظاهرون يرفضون التمييز بين دولة إسرائيل الديمقراطية وحماس الإرهابية.
7. المُدَّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية اتهم إسرائيل دون دليل بتجويع سكان غزة وهذا هراء وتلفيق.
ما جاء في خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية يستحيل تصديقه من عقلاء العالم الذين يدركون سياسة إسرائيل المبنية على الهيمنة المطلقة على بلدان المنطقة وفرض سيطرتها الكاملة على الأراضي الفلسطينية وعدم استعدادها للاعتراف بقيام أي دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي المحتلة.
لقد نعت نتنياهو الكيان الإسرائيلي وحلفاءه بالحضارية والدول الأخرى المناهضة لممارساته العدوانية والوحشية والهمجية بالبربرية. كما أشار إلى أن وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل هو السبيل إلى الانتصار وأن أعداء الكيان سينهزمون. كما اتهم كل المتظاهرين الرافضين للإبادة الجماعية وما يتعرض له شعب غزة من قتل وجرح وتجويع بأنهم يقفون مع الشر ويجب عليهم أن يشعروا بالعار، وعليهم التمييز بين إسرائيل الديمقراطية وحماس الإرهابية.
إن الكيان الإسرائيلي هو الدخيل والغريب على المنطقة، وهو المحور الحقيقي للشر، فليس في قاموسه سوى سفك دماء الأبرياء من الفلسطينيين المطالبين بحقهم في تقرير مصيرهم.
فمنذ عام 1948 وإسرائيل تشن حربًا شرسة ضد الفلسطينيين الأبرياء الذين اغتصبت أرضهم بقوة السلاح. لقد قامت إسرائيل إبّان النكبة بإبادات جماعية للفلسطينيين العُزّل وقامت بتشريد مئات الآلاف منهم خارج بيوتهم، بعضهم يعيشون في مخيمات على أراضي آبائهم وأجدادهم والبعض الآخر يعيشون خارج وطنهم في مخيمات داخل بلدان الجوار يعيشون حياةً مزرية، يفتقرون فيها إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
منذ النكبة والفلسطينيون في الداخل يتعرضون للقتل والجرح والاعتقال والزج بهم في سجون الاحتلال الغاصب، بالإضافة إلى هدم بيوتهم وحرق مزروعاتهم، وتجريف أراضيهم الزراعية ووضع حواجز أمنية لإهانة الأهالي وإذلالهم. والهدف من كل ذلك هو إجلاء جميع الفلسطينيين عن وطنهم وتثبيت أركان الدولة العبرية في ربوع أرض فلسطين.
أما ما تبجح به نتنياهو في الكونغرس بأن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية وحماس جماعة إرهابية، فهذا كلام غير ذي مصداقية. فهل الديمقراطية الإسرائيلية المزيّفة تُعطي للمحتل الحق في التنكيل بالمواطنين الأبرياء الموجودين تحت الاحتلال، بإبادة الأطفال والنساء والشيوخ بقصف بيوتهم بالطائرات الحربية وجميع أنواع الأسلحة الحديثة وتخريب كل المنشآت المدنية في غزة وتجويع سكانها الباقين قيد الحياة؟
لقد قامت إسرائيل بتدمير شامل وكامل للقطاع، بذريعة القضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى؛ الذريعة الكاذبة التي يتذرع بها الكيان لإقناع الرأي العام العالمي بأن إسرائيل تتصدى لتهديد أمنها واستقرارها بل وتهديد وجودها في المنطقة. لكن المجتمع الدولي وكافة شعوب العالم أصبحوا يدركون ما يقع من مجازر ومذابح في حق الشعب الفلسطيني في غزة، ويعرفون جيداً أن ما تصرح به إسرائيل حول حربها في غزة كله أكاذيب وافتراءات ولم تعد تصدقها.
إقرأ أيضاً: شعب يُبادُ وعالَمٌ يتفرَّج؟!
أما تكذيب نتنياهو للمدعي العام للمحكمة الجنائية حول تجويع أهالي غزة، فهذا كلام المضللين. فنتنياهو يسعى من وراء ذلك إلى إخفاء جرائمه ضد الإنسانية وانتهاكه للقانون الدولي الذي يجرّم المساس بحياة الأفراد والجماعات من بني البشر.
قامت إسرائيل بإبادة جماعية لشعب غزة لا مراء في ذلك، فقد وصل عدد ضحايا المجازر منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) إلى اليوم إلى ما يُناهز 40 ألف شهيد و93 ألف جريح كلهم من الأطفال والنساء والعجزة، بالإضافة إلى التدمير شبه الكامل لقطاع غزة. فلا يمكن لنتنياهو إخفاء هذه الجرائم البشعة مهما كذب وافترى وزيف الأحداث وشوه الحقائق، فهو مجرم في حق الإنسانية يجب محاكمته ومعاقبته على جرائمه النكراء.
إنَّ تصفيق أعضاء الكونغرس الأميركي الحاضرين والمستمعين لخطاب نتنياهو هو عيب وخزي ووصمة عار في جبينهم بصفتهم مشرّعين لدولة عظمى في العالم والتي تدّعي الديمقراطية والعدالة.
إقرأ أيضاً: الاستعمار ووراثته
فأعضاء الهيئة التشريعية الأميركية يحيطون علمًا بكل مجريات الأحداث في قطاع غزة ويعلمون علم اليقين ما تقترفه إسرائيل من جرائم شنيعة في حق الشعب البريء الأعزل في غزة، إلا أنهم يغضّون ويصرفون النظر عن ذلك، لكونهم من المؤيدين للحرب على الشعب الفلسطيني في القطاع والممولين لها. فهم الذين يصادقون على منح إسرائيل المال والأسلحة الحديثة والفتاكة، للقيام بحرب شاملة ضد شعب محتلة أرضه من أجل إبادته وتشريده وتحييد دوره كحاضنة للمقاومة الباسلة التي تكبّد الكيان خسائر فادحة في أرواح جنوده وعتاده الحربي، والذي أفقد الجيش الذي لا يُقهر هيبته وأربك كل حساباته وجعله يشعر باستحالة تحقيقه لأي انتصار على رجال المقاومة البواسل الذين يكبّدونه أفدح الخسائر في الأرواح والمعدات الحربية.
إنَّ ذهاب نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية، وإلقاءه خطابه السخيف في الكونغرس، يأتي في إطار الحصول على تزكية جديدة من الإدارة الأميركية ومن هيئتها التشريعية للمضي قدمًا في حربه على الشعب الفلسطيني في غزة، وليس الهدف من زيارته الاستشارة حول إبرام صفقة لتبادل الأسرى مع حركة حماس، كما يعتقد الكثيرون.
التعليقات