تزامنت بشكلٍ ملفت للنظر ثلاثة أحداث تتعلق بالشأن الإيراني: حادث اغتيال إبراهيم رئيسي، ومؤتمر القمة السنوية العالمية للمقاومة الإيرانية 2024، وتعيين مسعود بزشكيان رئيساً لجمهورية الملالي. الحدث الأول لم يكن مفاجئًا، بل هو أمرٌ وارد في سياق عملية احتراب ذئاب ولاية الفقيه سواء بالثوب الإصلاحي أو المحافظ؛ "فالكل ذئاب مع اختلاف الثياب". أما الحدث الثاني فكان مؤتمر القمة السنوية للمقاومة من أجل إيران حرة، وقد كان كعادته مؤتمراً ناجحاً بكل المقاييس رغم المؤامرات التي سبقته ضد المقاومة الإيرانية وضد عقد هذه القمة. وقد مثل المؤتمر حدثاً مهماً للغاية، حيث كان الحدث الوحيد النقي من بين هذه الأحداث الثلاثة المتعلقة بإيران، وتأتي أهميته في ظل الظروف السياسية الصعبة الجارية في إيران والمنطقة بسبب سياسات النظام الإيراني.

عكس المؤتمر الإرادة القوية والتطلعات المشتركة للشعب الإيراني وأصدقائه في المجتمع الدولي لتحقيق التغيير ونيل الحرية في إيران. يمكن القول إنه مؤتمر تعجز دول بمقدراتها العالية عن إقامته وتنظيمه خاصة في ظل القيود القبيحة والمخزية المفروضة على المقاومة الإيرانية، والأوضاع الكارثية في إيران والمنطقة. يعلم المهتمون بالشأن الإيراني بقدرات منظمة مجاهدي خلق التنظيمية والدبلوماسية والسياسية، ولم يسبق أن فشل مؤتمر من المؤتمرات التي تقيمها المقاومة الإيرانية أو منظمة مجاهدي خلق. أرسل المؤتمر والمشاركون فيه من خبراء وقادة رسالة واضحة مليئة بالأمل والتفاؤل، معززة للأمل في قلوب الإيرانيين داخل إيران وخارجها، مفادها أن هناك حراكاً دولياً كبيراً يقف إلى جانبهم، مؤكدة على وحشية نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران، وجددوا البيعة للمقاومة الإيرانية بصفتها البديل الديمقراطي المنظم والوحيد لنظام ولاية الفقيه. سلطت القمة الضوء على رؤية وموقف صفوة العالم الحر من نظام الملالي وموقفهم من مستقبل إيران. كان المؤتمر مفاجأة لنظام الملالي، أثبتت له فشل مؤامراته وفشل تحالف تيار الاسترضاء معه.

أما الحدث الثالث فقد كان تعيين بزشكيان من قبل الولي الفقيه كرئيس للجمهورية وكأداة مناورة جديدة يستعين بها الملالي وتيار الاسترضاء. كالمعتاد، لابد أن يمر كل تعيين في منصب رئاسة الجمهورية عبر صندوق الانتخابات الهزلي. يُصر تيار الاسترضاء على دعم الملالي وإيجاد مخارج لأزماتهم وضخ عشرات المليارات من الدولارات في كيانهم، علماً بأنهم يعلمون كغيرهم بعدم شرعية النظام ورفض الغالبية العظمى من الشعب الإيراني لهم. رغم ذلك، لا يزال تيار الاسترضاء الداعم الحقيقي للملالي منذ بداية استيلائهم على السلطة بعد زوال دكتاتورية الشاه. وقد شهد التاريخ وأحرار العالم أن كافة جرائم ومجازر الإبادة التي ارتكبها نظام الولي الفقيه لم يتغاضَ عنها تيار الاسترضاء والمهادنة فحسب، بل كان من الداعمين بشكل مباشر أو غير مباشر لها دعماً لبقاء الملالي في السلطة واستمراراً لأزمات المنطقة كي تدوم مصالحهم. الشواهد لتلك الجرائم والسياسات المشينة كثيرة وموثقة، منها شهادة مؤسسات وشخصيات دولية. لا يزال الملالي وتيار الاسترضاء يتآمرون على الشعب الإيراني وشعوب المنطقة، واليوم يسعون إلى القضاء على المقاومة الإيرانية. رغم كل هذه التحديات والمؤامرات، كان نجاح القمة أمراً توقعه المختصون بالشأن الإيراني، وأرسل هذا النجاح رسالة قوية مفادها أن المقاومة الإيرانية قادرة على التكيف والصمود أمام أي تهديد.

الفعاليات المؤازرة لقمة المقاومة
من مفاجآت قمة المقاومة الإيرانية تظاهرة برلين، التي لم تُقم لأول مرة، لكنها كانت هذه السنة أشبه بفعالية موازية لقمة المقاومة في باريس. من وجهة نظري الشخصية، كانت تظاهرة برلين حدثاً بديلاً لقمة باريس في حال نجح الملالي وتيار الاسترضاء في منع قيام مؤتمر القمة السنوية العالمية للمقاومة الإيرانية، حيث كانت ذات مغزى خاص يتجاوز كونها مجرد تجمع لأنصار المنظمة في المنفى. حملت هذه التظاهرة دلالات متعددة على المستويات السياسية والرمزية والإعلامية، لتكون تحدياً كبيراً للنظام الإيراني في إظهار قوة المعارضة وحسن تنظيمها وقدرتها على حشد دعم واسع خارج إيران رغم القمع والتهديدات. أظهرت حجم الدعم الدولي للمقاومة الإيرانية إلى جانب قمة باريس. يتضح من هذه التظاهرة للجميع، ولملالي إيران قبل غيرهم، ولتيار المهادنة والاسترضاء، أن منظمة مجاهدي خلق والمقاومة ليست كائناً طفيلياً أو سطحياً أو آنياً يمكنهم إزاحته من الوجود. بل، وكما يقرون في قرارة أنفسهم، أنها جذر عميق وأصيل. وقد كان إيثار وتضحيات وثبات المشاركين في التظاهرة الذين دأبوا على هذه المشاركة سنوياً ولعقود أكبر تعبير عن شرعية مجاهدي خلق والمقاومة ومدى اقتدارها على مواصلة المسيرة وسحق نظام الملالي.

إقرأ أيضاً: رهانات الغرب وحصان طهران الهزيل

لم تكن تظاهرة برلين الحدث المُلفت للنظر فقط في هذه القمة، بل أيضاً كانت مشاركة المواطنين الإيرانيين من أنصار منظمة مجاهدي خلق ووحدات المقاومة التابعة للمنظمة في المؤتمر من داخل إيران. مشاركة بدافع الولاء الوطني لمنظمة مجاهدي خلق والمقاومة وتجديد العهد بالنضال حتى إسقاط النظام. مثلت هذه المشاركة تحدياً كبيراً للنظام القمعي في إيران، سلط الضوء على مدى التزامهم بقضية الحرية والديمقراطية في إيران، رغم القيود التعسفية المفروضة داخل إيران. تحدياً وثباتاً لمواصلة نضالهم في صفوف المقاومة وتحت رايتها من أجل إسقاط وإزالة الملالي، وإقامة دولة ديمقراطية تقدمية استناداً لبرنامج مريم رجوي برنامج المواد العشر.

يمكن القول بأن تحدي وحدات المقاومة لم يكن للنظام فحسب، بل لتيار الاسترضاء وسياسته أيضاً. كانت رسالة مفادها أنه لن تقف أية عوائق أمام إرادة الشعب الإيراني الذي يريد إسقاط الملالي وزمرتهم وإحلال جمهورية غير نووية قوامها الحرية والديمقراطية والمساواة.

إقرأ أيضاً: كيف فاز بزشكيان في سيناريو الانتخابات الرئاسية في إيران؟

المهم في مؤتمر القمة هذا هو ما سيصدر عن المقاومة الإيرانية على لسان زعيمتها رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية للمرحلة الانتقالية، من خلال خطابها المعبر عن موقفها ورؤيتها الرسمية. وكالعادة، لم يسبق أن حدث خروج عن الثوابت والقيم في خطابها الذي كان رصيناً ومعبراً وحضارياً. من هذا المنطلق، كان تأييد المشاركين والمتابعين لخطابها أمراً طبيعياً. وقد سلط الخطاب الضوء على طبيعة النظام الإيراني وفشله في إثبات شرعيته، وتعرض لمجازر وجرائم النظام وانتهاكاته، وبيَّن حجم المقاومة الإيرانية وحقها كبديل ديمقراطي وحيد لمستقبل إيران بكافة مكوناتها. كما ركَّز الخطاب على الظروف المأساوية التي يعيشها الشعب الإيراني، وإنصافه للمرأة الإيرانية المنكوبة وكافة مكونات الشعب الإيراني. تناول التداعيات والفوضى الإقليمية الكارثية بسبب التوجهات التوسعية للولي الفقيه وزمرته، ودعمه لقوى وعصابات الشر بالمنطقة. سلطت رجوي الضوء على أن غياب أي محاسبة دولية للملالي على جرائمهم هو ضوء أخضر يدفعهم إلى التمادي في إراقة الدماء بلا هوادة داخل إيران والمنطقة والعالم. بالإضافة إلى تركيزها على ضرورة تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان في إيران، مُشيدةً بدور الشباب والنساء في الحركات الاحتجاجية، ومؤكدةً أن هناك مستقبلاً أفضل ينتظر المنطقة بعد سقوط نظام الولي الفقيه وقيام جمهورية ديمقراطية حرة وغير نووية استناداً لبرنامجها برنامج المواد العشر.

بمئات مليارات الدولارات المنهوبة سنوياً من المال العام، يفشل نظام الملالي في إثبات شرعيته واستعادة هيبته داخل إيران، وبقدرات ذاتية تحقق المقاومة الإيرانية انتصاراً تلو الآخر رغم المؤامرات والمكائد. لابد أن يأتي اليوم الذي تشرق فيه الشمس على شعوب المنطقة وقد زال منها هذا الوباء الملتحف برداء الدين.