فضاء الرأي

تحت رحمة الدعاية والإعلام

المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

العالم أصبح تحت رحمة الدعاية والإعلام؛ ليس حلمًا بل واقعًا. فالإعلام أصبح يتحكم بعقولنا وأفكارنا وكذلك تفعل أساليب الدعاية. عندما سُئل الملياردير صاحب شركة فورد للسيارات "ماذا لو أفلست من المال وأعطيناك مئة دولار، ماذا ستفعل بها؟"، قال: "سأعمل على مشروع صناعي أو تجاري بعشرة دولارات فقط، وسأصرف التسعين دولارًا المتبقية للإعلان عن هذا المشروع"، إيمانًا منه بأهمية الإعلان والإعلام في تسويق نتاجاته. نعم، هذه حقيقة في عالم اليوم. ما يدور حول العالم من أحداث وتغيرات نجد فيها بصمة الدعاية والإعلام واضحة بشكل لا غبار عليه، وللإعلام حصة الأسد في تعظيم الأحداث أو تحجيمها.

فمثلًا، في صراع الانتخابات الأميركية، لم تكن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس سوى امرأة نكرة لم يُسمع لها صوت يذكر، وكأنها كانت طوال وجودها كنائبة للرئيس الأميركي جو بايدن دمية صامتة. ولكن فجأة، الإعلام الأميركي استطاع أن يحولها بين ليلة وضحاها إلى رمز للديمقراطية وبعبع يهدد الجمهوريين ويعرقل حساباتهم الانتخابية، ويضعها في موضع المنافس القوي في هذه الانتخابات. ميخائيل غورباتشوف، الرئيس السوفييتي الراحل الذي في عهده سقط اتحاد الجمهوريات السوفييتية وتفتت هذه الدولة العظمى، لم يكن سوى وزيرًا للزراعة قبل تلك الأحداث، ولكن الإعلام الغربي جعله شخصية أسطورية، مما دفع الشعب السوفييتي إلى الالتفاف حوله واختياره قائدًا للبلاد، لينهار الاتحاد السوفييتي على يديه.

الحرب الروسية الأوكرانية، مرة تشعرنا وسائل الإعلام بأنها ستكون البوابة لحرب عالمية ثالثة، ومرة هي حرب منسية عديمة الأهمية. الإعلام أصبح يتحكم بتوجهاتنا وأمزجتنا وحتى في قراراتنا. فوسائل الإعلام المرئية والمسموعة استطاعت أن تدخل بيوتنا وحياتنا بشكل واسع. الحقيقة التي يجهلها معظم الناس هي أن شبكات الإعلام مرتبطة بسياسات الدول أو جهات متنفذة، ولا يوجد إعلام حر مستقل، فهذا وهم. بل الأكثر من ذلك، فإن بعض وسائل الإعلام مرتبطة بأجهزة مخابراتية تتلقى التعليمات والمعلومات من خلال تلك الأجهزة بشكل مباشر وتقدمها لتلك الوسيلة الإعلامية كسبق صحفي أو مقال تحليلي.

إقرأ أيضاً: نظام حكم المحاصصة

الإعلام بشكل عام لا يخلو من الكذب، ولكن نسبة الكذب تزداد عند إعلام الدول الضعيفة، لأن الصدق سيكون صدمة للناس لكثرة الفضائح في هذه الدول. لهذا السبب نجد معظم شعوب الدول الضعيفة لا تصدق ما تروجه وسائل إعلام بلدانها. وهذه نقطة جوهرية خدمت إعلام الدول القوية وجعلتها محل ثقة مطلقة.

من منا رأى بعينه أحداث غزة بالتفاصيل التي نسمعها؟ من منا رأى كوكب المريخ؟ من منا رأى الأساطيل البحرية تتجه صوب بحر العرب والمحيط الهادي والبحر المتوسط؟ فقط وسائل الإعلام قالت ذلك. بالإعلام فقط أدخلوا الرعب في قلوب الحكومات والشعوب. كثير من الأشياء نسمعها ونرى لها صورًا حول العالم ولا نعرف حقيقتها لأن وسائل الإعلام نقلت ذلك، ونحن مجبرون على تصديقها فلا نملك ما يدحض رأي الإعلام. فالإعلام أصبح فكرًا فلسفيًا يقود العالم بشكل هادئ وسلس دون أن يشعر به الناس، بحيث أصبح الناس كالقطيع يقادون إلى حيث يريد من يقف وراء الوسائل الإعلامية الكبيرة. لأن الوسائل الإعلامية الصغيرة أو المحلية تنقل ما تبثه الوسائل الإعلامية الكبيرة، فهي كالتاجر بالجملة والتاجر بالمفرد، أي بمعنى تبعية إجبارية. إنها بحق لعبة دهاة هذا العصر الذين حولوا العالم كله دمى تردد ما يقوله الإعلام. الإعلام يجعل القريب منك بعيدًا والبعيد عنك قريبًا، كما غنتها نجاة الصغيرة.

إقرأ أيضاً: كيف ستنتهي حرب لبنان؟

مشكلتنا مع الإعلام هي أن جميع الحروب كانت بدايتها بتحريض إعلامي أو بكذبة إعلامية مختلقة أو بتعظيم إعلامي لحادث بسيط. ونفس الإعلام يقوم بتعبئة وتجييش الجيوش لديمومة زخم المعركة. وكذلك الإعلام قادر على تطييب الخواطر وتقريب القلوب لفك النزاعات والحروب، وكأن الفنان بترتيب الكلمة يعرف كيف يوصلها لعقل المتلقي حتى على مستوى القادة والسياسيين. من يكتب تمجيدًا لهذا الطرف أو ذاك يحصل على مقعده إعلاميًا، أما من يريد أن يكون له مقعدًا وهو يكتب بضمير حي فهو في المكان والزمان الخطأ.

فالإعلام اليوم سلاح يحسب له ألف حساب، بل هو السلاح الأكثر فعالية في رفع العزيمة أو تثبيطها. وقوة الإعلام عند الدول دليل قوة العقول التي تقود ذلك البلد. اليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بابًا إعلاميًا آخر يدخل البيوت ولجميع أفراد العائلة صغيرهم وكبيرهم. وحتى الرياضة أصبحت وسيلة إعلامية غير مباشرة. فمن لا يجيد العزف في الوسائل الإعلامية، فمن الأفضل أن لا يراهن على شيء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف