فضاء الرأي

قناة بنما وعملية القضية العادلة

إيرانية تمر أمام لوحة جدارية معادية للولايات المتحدة على حائط سفارتها السابقة في طهران
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في العام 1989 ساءت العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وحاكم قناة بنما، وهي ممر مائي يربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي، وهو الجنرال مانويل نورييغا الذي جندته المخابرات الأميركية (CIA) في العام 1970 لمساعدة أميركا في الحد من انتشار الشيوعية في أميركا الوسطى. وكان تدهور العلاقات بين الطرفين بسبب تمرد وعصيان نورييغا لنمط التوجيهات الأميركية وخروجه عن الخط العام للسياسة الخارجية الأميركية.

دفع ذلك الأمر الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب إلى اتخاذ قرار بمعاقبة نورييغا عقوبة صارمة لأنه سلك سلوكاً أدى إلى تردي العلاقات بين البلدين ووصولها إلى نقطة اللاعودة. ومن أجل إنزال هذه العقوبة بنورييغا كان لا بد من تهيئة أجواء اتهام سياسي وإعلامي مناسبة تساعد على تسويغ التوجه الأميركي المضاد له أمام الرأي العام العالمي والأميركي نحو معاقبة ذلك الجنرال المتمرد، فافتعلت الإدارة الأميركية له تهمة المتاجرة بالمخدرات.

غير أن أمراً آخر حصل وأعطى زخماً لعزم أميركا على عزل نورييغا، وهو قيام جندي بنمي بقتل جندي أميركي، مما دفع بالرئيس بوش إلى توجيه خطاب إلى الشعب الأميركي آنذاك جاء فيه: "إنه أمر القوات العسكرية في بنما بحماية أرواح المواطنين الأميركيين وتقديم نورييغا إلى العدالة".

وقررت الإدارة الأميركية على إثر ذلك تنفيذ خطتها بإنزال العقاب بالجنرال نورييغا على أساس هاتين التهمتين وأخرى ثالثة وهي اتهامه من قبل الإدارة الأميركية بتزوير انتخابات العام 1989 في بلاده. وشرعت بالتحرك عبر إنزال جوي نحو التنفيذ في ليلة 19 كانون الأول (ديسمبر) عام 1989، وشارك في عملية الغزو الأميركي لبنما أكثر من 20 ألف جندي أميركي غير المتواجدين فيها أصلاً، فتم إسقاط حكومة نورييغا والسيطرة على البلاد واعتقاله ونقله إلى الولايات المتحدة لمحاكمته بتهمة المتاجرة بالمخدرات، وحكم عليه بالسجن لمدة 40 عاماً قضى جزءاً منها في أميركا ثم في فرنسا، ثم أعيد إلى بلاده، وفرضت عليه أميركا الإقامة الجبرية هناك، ومات في العام 2017 عن عمر ناهز 83 عاماً.

وتعود اليوم الأزمة التاريخية بين حكومة بنما والإدارة الأميركية تحت قبضة ترامب، الذي كعادته كال سيلاً من التهم تجاه السلطات البنمية التي تسيطر على القناة منذ العام 1999 بشكل تام. ولكن هذه التهمة مليئة بالابتزاز السافر والتعالي على الآخر بفعل القوة، حيث يريد ترامب من السلطات البنمية أن تعامل السفن الأميركية التي تمر عبر القناة معاملة خاصة وفق ما تشتهي وتريد الإدارة الأميركية، فصرح بأن بنما "تتعامل مع السفن الأميركية بشكل بعيد عن الإنصاف".

وهدد قائلاً: "إذا لم يتغير هذا الوضع أي تغيّر حكومة بنما سياستها المرورية المائية والملاحية بالاتجاه الذي يتوافق مع المصالح الأميركية ويخدمها، على حد زعمه، فسنطالب بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة فوراً".

ومن جهته رفض رئيس قناة بنما خوسيه راوول مولينو التهديدات الأميركية الترامبية باستعادة السيطرة على القناة ثانية، وقال من دون ذكر ترامب بالاسم في مقطع فيديو على منصة "إكس": "إن القناة لا تسيطر عليها الصين أو المجموعة الأوروبية أو الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى، لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر. وبصفتي بنمياً، أرفض بشدة أي تعبير يشوه هذه الحقيقة".

وكان سبق لترامب أن كتب على منصته "الحقيقة الاجتماعية" بشكل استفزازي لبنما حكومة وشعباً: "إن قواتنا البحرية وتجارتنا يتم التعامل معهما على نحو غير عادل، إن رسوم المرور التي تفرضها بنما سخيفة (يعني عالية) ويجب تقليصها وفق شروط أميركا، مضيفاً: هذا النهب لبلادنا سيتوقف فوراً".

وشدد، وهذا يشكل نوعاً من التحدي والتهديد لحكومة مولينو، على أنه إذا كانت بنما غير قادرة على ضمان "التشغيل الآمن والفعال والموثوق" لهذا الطريق المائي، "فسنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل ومن دون نقاش". وهذا تهديد وقح بأن ما حل بالجنرال مانويل نورييغا وحكومته سيحل بمولينيو في حالة عدم تحسين عمل القناة تجاه السفن الأميركية، أي تخفيض رسوم المرور التي تفرضها بنما على السفن الأميركية.

وإلا ستكون هناك عملية Just Cause أخرى.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف