سقوط الأسد: عبرة للمستبدين وأمل للمظلومين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد 50 عامًا من الحكم الاستبدادي تحت قيادة حزب البعث و24 عامًا من حكم بشار الأسد، أعلنت فصائل المعارضة السورية "دمشق حرة"، مضيفة أن "سوريا الآن بدون بشار الأسد". هذا التغيير التاريخي يشكل درسًا مهمًا لبقية المستبدين في المنطقة، لكنه أيضًا يحمل دروسًا معقدة يجب استيعابها بحذر.
نهاية الحكم الفردي ليست ضمانًا للاستقرار
الإطاحة بنظام مستبد لا تعني بالضرورة تحقيق السلام أو الديمقراطية. انهيار السلطة المركزية قد يترك فراغًا يؤدي إلى صراعات متعددة بين الأطراف المختلفة، مما يحول البلاد إلى ساحة للفوضى. السياسة ليست لعبة مثالية؛ كل طرف يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة.
القوة لا تحمي إلى الأبد
الأنظمة المستبدة تعتمد على القمع والقوة للبقاء في السلطة، لكنها قد تتحول إلى أدوات في أيدي القوى الخارجية إذا فقدت شرعيتها الداخلية. استخدام العنف المفرط يولد الغضب الشعبي، مما يدفع الناس إلى البحث عن بدائل، سواء عبر التحالف مع قوى خارجية أو اللجوء إلى العنف.
التدخلات الخارجية قد تمنح المعارضة دفعة في البداية، لكنها تُخضع الأجندة الوطنية لمصالح الدول الإقليمية والدولية، مما يزيد تعقيد الصراع ويعرقل الحرية والاستقلال.
الدور الخارجي وتأثير القوى الإقليمية والدولية
الثورة السورية، التي بدأت سلمية، تحولت إلى أزمة دولية بسبب تدخل قوى كبرى وإقليمية. روسيا وإيران دعمتا النظام السوري عسكريًا وسياسيًا، بينما الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج دعمت أطرافًا معارضة متعددة. إسرائيل ركزت على منع التمدد الإيراني قرب حدودها.
هذه التدخلات عززت تعقيد الأزمة وأطالت أمد الصراع. الحكام المستبدون يجب أن يدركوا أن الاعتماد على القوى الخارجية قد يحولهم إلى رهائن لهذه القوى، مما يضعف موقفهم في الأزمات.
أهمية الشرعية الشعبية
فقدان الشرعية الداخلية يجعل أي نظام هشًا، حتى لو استمر بالقوة. النظام السوري فقد شرعيته بعد أن فشل في تلبية تطلعات الشعب السوري، مما دفع قطاعات واسعة للبحث عن بدائل بدعم داخلي وخارجي.
الشرعية الحقيقية لا تُبنى بالخوف أو الدعاية، بل عبر تلبية احتياجات الشعب. رغم بقاء نظام الأسد لأكثر من 24 عامًا، أظهر الشعب السوري صمودًا كبيرًا، مما يلهم شعوبًا أخرى في المنطقة للمطالبة بحقوقها.
اعتراف بحقوق القوميات: اختبار للحكومة الجديدة
مع سقوط نظام بشار الأسد، تواجه الحكومة السورية الجديدة اختبارًا حاسمًا يتمثل في الاعتراف الرسمي بحق تقرير المصير للشعوب والمكونات الأخرى (مثل العرب والسريان)، بما في ذلك غرب كردستان. هذا الاعتراف يعد خطوة حاسمة نحو بناء سوريا ديمقراطية قائمة على التعددية واحترام التنوع العرقي والثقافي.
الاعتراف بالإدارة الذاتية يسهم في تعزيز الاستقرار ومنع النزاعات المستقبلية. لكن تحقيق الفيدرالية يواجه تحديات داخلية وخارجية، أبرزها المخاوف من تهديد وحدة سوريا والتدخلات الإقليمية، خصوصًا من تركيا. الاعتراف بحقوق الكرد ليس مجرد استحقاق سياسي، بل هو خطوة مهمة نحو إرساء أسس جديدة لدولة سورية قائمة على الشراكة والمساواة.
هشاشة الأنظمة المستبدة رغم مظاهر القوة
الأنظمة المستبدة تبدو قوية لأنها تسيطر على مفاصل الدولة، لكنها تعتمد غالبًا على شخص واحد أو دائرة ضيقة، مما يجعلها عرضة للانهيار في الأزمات. قبل 2011، بدا نظام الأسد صلبًا، لكنه انهار بسرعة بعد اندلاع الثورة، مما كشف هشاشة أسسه.
الخلاصة
سقوط النظام السوري أتاح فرصة لتغيير جذري، لكنه فتح الباب أمام جماعات متطرفة وصراع إقليمي بالوكالة. التغيير الفوضوي قد يكون أكثر كارثية من بقاء النظام.
اليوم، تقع مسؤولية بناء سوريا المستقبل على السوريين أنفسهم، بعقولهم المتعلمة والمثقفة، وبإيمانهم بدولة مواطنة تضم الجميع دون استثناء. دولة بعيدة عن الأيديولوجيات، تسعى نحو التنمية والاستقرار وتحتضن التعددية لتكون نموذجًا يحتذى به في المنطقة.