فضاء الرأي

من بغداد إلى دبي: هل نعيد المجد العربي بقيم الرحمة والعدل؟

دبي قدّمت تجربة عمرانية واقتصادية ناجحة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لم يكن مجد العرب يوماً من نسج الخيال، بل حقيقة أثبتها التاريخ وسجّلها العالم بإكبار. مجدٌ تشكّل حين كان العلم ركيزة الدولة، والعدل ميثاق الحكم، والرحمة عنواناً للتعامل الإنساني. في زمن كانت فيه مكتبة قرطبة تحتضن مئات الآلاف من الكتب، وتعجّ بغداد بمدارس الفكر والفلسفة، لم تكن النهضة حلماً بل واقعاً يعيشه الناس وتُترجم آثاره في العمران والمعرفة والازدهار.

اليوم، تتعثر مدارسنا بأبسط الأدوات، وتُهاجر العقول العربية إلى حيث تُحترم وتُقدَّر. إن الفارق بين الأمس واليوم لا يكمن في القدرات، بل في المبادئ التي صغنا بها مشروعنا الحضاري. ففي القرون الذهبية، لم يكن الخليفة فقط حاكماً، بل راعياً للعلم، يكافئ العلماء بوزن كتبهم ذهباً، ويحتضن المبدعين دون سؤال عن انتمائهم العرقي أو الديني. بيت الحكمة في بغداد كان أول منصة علمية عابرة للثقافات، تُرجمت فيه علوم الإغريق والفرس والهنود، وحوّلت الخلافة إلى منارة للعالم.

ما يحدث اليوم في بعض العواصم العربية، لا سيّما دبي، جدير بالتقدير، فهو نموذج فريد في التنمية السريعة والانفتاح على العصر. غير أنّ السؤال الأهم هو: هل نحن نُعيد إنتاج مظاهر التقدّم فحسب؟ أم أنّ هناك مشروعاً متكاملاً لبناء الإنسان العربي فكراً وروحاً، قبل أن نبني الأبراج والمراكز التجارية؟ ما نحتاج إليه ليس استيراد التكنولوجيا فقط، بل القدرة على إنتاجها؛ ليس الاكتفاء بجذب الكفاءات، بل تمكينها من الداخل، من داخل أوطانها وجامعاتها وشوارعها.

في حين أن دبي قدّمت تجربة عمرانية واقتصادية ناجحة، إلا أنّ التحدي الأهم يبقى في العمق الإنساني والثقافي. التنمية لا تكون مستدامة إلا حين تقترن بحرية البحث، بجودة التعليم، بخلق بيئة تسمح بالفكر النقدي والمبادرة. المجتمعات لا تنهض حين تستهلك فقط، بل حين تبتكر وتخترع وتضيف إلى الحضارة الإنسانية.

ولعلّ من أسباب إخفاق النهضة العربية الحديثة غياب الرؤية المتكاملة، لا غياب الإمكانات. نملك الثروات، لكننا نفتقر إلى إدارة عادلة لها. التعليم عندنا، في معظمه، لا يزال تقليدياً، يُكرّس الحفظ بدل التحليل، ويُخمد في الطالب روح التساؤل والتجريب. كيف ننتج علماء وروّاداً ونحن نحاصر عقول الأطفال في قوالب جامدة؟ كيف نطالب بالتقدّم، ونحن لا نزال نعيق الكفاءات بالواسطة، ونستبدل الموهبة بالولاء؟ لقد تمزّقت مجتمعاتنا بالتعصّب والانقسامات، ونسينا أن الأندلس بلغت مجدها حين عاشت الأديان جنباً إلى جنب في تسامح فريد.

النهضة القادمة، إن أردناها، لا تُبنى بالخطابات، بل بخطوات شجاعة وقرارات واثقة. نبدأ أولاً بالتعليم، نجعله مرناً، مواكباً للعصر، يدمج البرمجة والذكاء الاصطناعي والفلسفة في مناهجه، ويُطلق العنان للخيال والابتكار. نصنع مدارس تشبه ورشات التفكير لا سجون الحفظ. نحتفل بالعلم كما نحتفل بالرياضة والفن، ونؤسّس جوائز عربية للبحث والاختراع، على غرار "جائزة الخليفة للعلم"، لا تكرّم إلا من يضيء شمعة في الظلام.

ثم نُقيم العدل. لا نهضة من دون قضاء مستقل، وشفافية تحاصر الفساد، وسياسات توظّف الأجدر لا الأقرب. نحتاج إلى أنظمة تُعيد الثقة إلى المواطن، وتقول للشاب: مكانك محفوظ ما دمت تسعى وتعمل وتبدع.

كما نحتاج إلى إعادة إحياء روح التسامح، لا كترف فكري، بل كشرط وجود. حين نمنع خطاب الكراهية من الإعلام والمدارس، وحين نُقيم المهرجانات والمؤتمرات التي تجمع أبناء الأمة بمختلف أطيافهم، سنُعيد للهوية العربية وجهها الحضاري، الجامع لا المفرّق، المحاور لا المتعصّب.

وأخيراً، لا بد من تمكين الشباب. هم طاقة الأمة المهدورة. علينا أن نحميهم من التحوّل إلى جيل ضائع، وأن نمنحهم الفرص ليكونوا جيل الريادة. بتمويل مشاريعهم، بدعم أفكارهم، بإنشاء مدن علمية ومناطق حرّة للبحث والإبداع، كتلك التي بادرت إليها دبي تحت اسم "مدن محمد بن راشد للابتكار". عندها فقط، نستطيع أن نقول إننا بدأنا فعلاً نستعيد مجدنا، لا نرثيه.

ابن خلدون قال قديماً: "الدولة لا تُبنى إلا بالعدل". ونحن اليوم أمام مفترق طرق حقيقي. فإما أن نبقى أسرى ماضٍ نظل نردّد أمجاده كأنها تعوذة، أو نمتلك الجرأة لنصنع حاضراً مشرفاً، يليق بتراثنا ويؤسس لمستقبل أولادنا.

دبي أثبتت أن العرب قادرون على النهوض، لكن بناء الإنسان، لا ناطحات السحاب، هو التحدّي الأكبر. فلنبدأ من هناك... من العقل، من المدرسة، من القلب. فلعلّ من بغداد إلى دبي، تبدأ رحلة العودة إلى مجدٍ يستحق أن يُعاد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اكاذيب التأريخ
من الشرق الأوسط -

"لم يكن مجد العرب يوماً من نسج الخيال، بل حقيقة أثبتها التاريخ وسجّلها العالم بإكبار"عن اي مجد تتكلم؟! ما تسمونه امجاد "الحضارة العربية الاسلامية" هي اكذوبتكم الكبرى، لأن علماء ذلك العهد لم يكن منهم اي عربي بل كانوا كلهم من ايران وكانوا فقط يقومون بترجمة العلوم الايرانية الى العربية، وبعدها اتستمروا في علومهم ولكن كتبوها بالعربية لان غير هذا لم يكن مسموحا به حتى في عهد العباسيين. الايرانيون القدماء هم الذين صنعوا تلك العلوم وهم الذين ترجموا علوم اليونان الهند الى العربية, ولم يكن للعرب اي يد في الامر. ليس هناك عالم اسلامي عربي واحد من ذلك العهد، كلهم كانوا من ارض ايران القديمة ...والاهم من ذلك ان العرب الحاكمون لم يحتفلوا بهم بل حاكموهم وقتلوهم او سجنوهم....ثم بعدها بقرون كذب العرب كذبتهم الكبرى بان نسبوا تلك العلوم الى انفسهم...ثم صدقوا كذبتهم. " حين كان العلم ركيزة الدولة، والعدل ميثاق الحكم، والرحمة عنواناً للتعامل الإنساني"...هل ما زال العرب فعلا يعيشون هذه الاكاذيب؟! اي رحمة واي عدل تتكلم عنه؟! عدل تعريب الشعوب الاصلية في المنطقة التي احتلها العرب؟ عدل ردع ثورات كثيرة قامت ضد الامويين والعباسيين؟ عدل سبي النساء وملء قصور الخلفاء بآلاف الجواري؟لا يمكن ين توجد امة ملأت تأريخها بالاكاذيب وعكست الحقائق مثل العرب. لحين مواجهة العرب الحقائق بشجاعة، لم يقوم لهم قائمة حقيقية.

The cure of arabisation
Hilawi -

Arabisation is the scourge or curse of the region. Even the writer has fallen under its spell when he refers to the various elements and people in the region under the "arab identity". Arabisation which is a sever form of racism is built in the minds of people from birth. Sad.

لا ينكر فضل العرب على العالم إلا الشعوبيون والانعزاليون اللئام ،،
صلاح الدين المصري -

لست متعصب للعروبة ، وارى ان دائرة الإسلام اوسع ، لكن ما يكرره الانعزاليون والشعوبيون وما يردّدونه من اكاذيب وشتائم تليق بهم وتلطخ وجوههم الباردة الكالحة ، ان فضل العروبة والإسلام لن تخفيه بذاءات العنصريين من شعوبيين وانعزاليين لئام ،،موتوا باحقادكم وتعفنوا في قبوركم ايها الشتامون اللئام ،،

اصلاً الشرق الاوسط كان تحت الاحتلال المباشر يا شعوبي انعزالي لئيم ،،
صلاح الدين المصري -

ومتى كنتم احرارا اساسا يا شعوبيين وانعزاليين شتامين لئام ، ؟! اصلاً الشرق الاوسط كان تحت الاحتلال المباشر يا شعوبي انعزالي لئيم ،، تحت الاحتلال الروماني الغربي المباشر من سورية إلى المغرب والاحتلال الفارسي المباشر للعراق واليمن ،،انها العروبة وانه الإسلام الذي حرركم من كل ذلك ، اللغة العربية لغة الادارة وأحبتها الشعوب وابدعت فيها هل يبدع الانسان في شيء يكرهه يا شوية انعزاليين شعوبيين شتامين لئام لم تستفد البشرية من وجودكم بفرنك ،،