الضربة الإسرائيلية على قطر:
تصعيد جيوسياسي وخطر تقويض المسارات الدبلوماسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أثارت الضربة التي شنتها إسرائيل في 9 أيلول (سبتمبر) 2025 على العاصمة القطرية الدوحة، والتي استهدفت قيادة حركة حماس السياسية، جدلاً واسعاً، إذ كان من المتوقع لهذا الاجتماع مناقشة عرض أميركي لوقف إطلاق النار في الحرب الفلسطينية-الإسرائيلية. وقد أثارت الضربة ردود فعل عربية ودولية قوية، ووضعت قطر في موقع محوري جديد ضمن النزاع، كما زادت التوترات في العلاقات الإقليمية والدولية.
لعبت قطر دوراً مهماً كوسيط منذ بدء الحرب في غزة بعد هجوم تشرين الأول (أكتوبر) 2023، ورعت أغلب المفاوضات والحوارات بين إسرائيل وحماس، وهي تدعم إطلاق سراح الأسرى، وتشارك في محادثات وقف إطلاق النار. ويذكر أن الضربة جاءت بينما قادة حماس كانوا يناقشون عرضاً لوقف إطلاق النار بدعم أميركي، ما أثار تساؤلات حول جدوى هذه الوساطات.
تعتقد إسرائيل أنَّ استهداف قيادات حماس، أياً يكن مكانها، ضروري لوقف الهجمات التي تنفذها الحركة، وهو ما توضحه تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن استهداف قيادات حماس في الخارج، حيث إن وجود قيادات تراها إسرائيل خارج القطاع يُشكّل "مكانات آمنة" يجب ملاحقتها، ما يعني أن الضربة على قطر تعكس استعداد إسرائيل لتجاوز الحدود الجغرافية التقليدية في استهداف القيادات الفلسطينية خارج حدود فلسطين.
الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تواجه ضغوطاً داخلية من اليمين المتطرف للتشدّد أكثر في الحرب المعلنة على غزة وباقي المدن الفلسطينية وعدم التهاون مع حركة حماس، وأيضاً تحاول إظهار قدرتها على اتخاذ خطوات حتى خارج حدودها. كما يُعتقد أن إسرائيل أرادت الضغط على قطر لوقف استضافة قيادات حماس أو إجبارها على اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً.
القمة العربية الطارئة التي عُقدت مؤخراً في قطر أدانت الضربة بشكل قاطع، معتبرة أنها خرقت سيادة دولة عربية، كما أنها تشكّل خرقاً واضحاً للقانون الدولي، وتؤثر بالسلب على مفاوضات وقف إطلاق النار، وزعزعة الثقة في المسارات الدبلوماسية، ودفع بعض الأطراف إلى التشكيك في مدى جدية إسرائيل في التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، وما إذا كانت هذه العمليات ستقوّض فرص إطلاق سراح الأسرى.
بالرغم من أن الولايات المتحدة أعربت عن دعمها لإسرائيل في الكثير من سياساتها الأمنية، إلا أن هناك تبايناً في الموقف حول هذه الضربة تحديداً، حيث عبّر الرئيس الأميركي عن استيائه من حدوثها، وأكد أنه تم إبلاغ القيادة القطرية بأن مثل هذا الهجوم "لن يتكرر". بالإضافة إلى ذلك، وصفت روسيا الضربة بأنها "انتهاك فاضح لميثاق الأمم المتحدة" وخرق لسيادة قطر، ما يوضح هشاشة التحالفات حتى بين الحلفاء عندما تتعارض العمليات الأمنية مع القيم الدبلوماسية أو مصالح الوساطة.
الدول العربية أو الإسلامية التي تشعر أن مصالحها مهددة قد تعمّق التعاون الأمني أو السياسي ضد إسرائيل، أو تعيد مراجعة علاقاتها معها، خصوصاً من فقد الثقة في الضمانات الأميركية. كما أن ضربة إسرائيل على قطر تمثل نقطة تحوّل في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ليست فقط من جهة العمليات العسكرية، ولكن من ناحية التوازن الدبلوماسي، وسيادة الدول، ودور الوسطاء. إنها تطرح تساؤلات حول مدى قدرة الوساطة، خصوصاً عندما تتداخل مع مصالح أمنية معقدة، ومدى قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الأمنية دون التضحية بالعلاقات الدولية أو مسار السلام.