فضاء الرأي

الإعمار الأخضر في كوردستان

مسرور بارزاني
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تحت ظلال قلعة أربيل التاريخية التي صمدت لآلاف السنين، تدخل العاصمة اليوم مرحلة تحول حضري وبيئي غير مسبوقة، يقودها رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، الذي جعل البيئة محورًا استراتيجيًا لرؤية شاملة ترتبط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في محاولة لتحويل الإقليم إلى نموذج يحتذى به في العراق والمنطقة. وتتمثل هذه الرؤية في مشروع "مدينة الربيعين"، الذي يسعى إلى جعل الطبيعة تتجدد مرتين في العام: مرة عبر موسمها الطبيعي، وأخرى بفضل توسع المساحات الخضراء ضمن خطط التشجير المستدامة، حيث يمتد مشروع الحزام الأخضر على أكثر من 13 ألف دونم ويستهدف زراعة نحو سبعة ملايين شجرة من الزيتون والفستق وأنواع محلية أخرى. ويهدف المشروع إلى تحويل أطراف العاصمة إلى غابات تحيط بها كحاجز طبيعي ضد التصحر والغبار، وتمنح المدينة هوية بيئية وحضرية جديدة، بينما تمتد المبادرات إلى قلب المدينة التاريخي، حيث زُرعت مئات الأشجار والزهور حول منارة شيخ جولي والنافورة المجاورة لها، في خطوة لربط التراث الحضاري بالتحول العمراني الحديث وإضفاء إشراقة طبيعية على وجه المدينة، ما يعكس اهتمام الحكومة بجعل المشاريع البيئية متزامنة مع الحفاظ على الهوية الثقافية.

ورغم هذه الإنجازات الملموسة، لم يكن الطريق سهلاً؛ فقد واجه الإقليم تحديات سياسية مستمرة، خصوصًا الخلافات مع الحكومات العراقية المتعاقبة في بغداد، التي حاولت أحيانًا الحد من استقلالية الإقليم في إدارة موارده وتنفيذ مشاريعه التنموية. ومع ذلك، نجح مسرور بارزاني في تحويل الرؤية البيئية إلى مشاريع عملية عبر العمل بروح الفريق الحكومي واستثمار الموارد المحلية، وإقامة شراكات مع مؤسسات دولية ومحلية لدعم استدامة المشاريع، ما يعكس قدرة الحكومة على إدارة الملفات الحساسة بحنكة وفعالية.

ويعكس هذا المسار إرادة شعبية وحكومية مستمدة من التاريخ المؤلم الذي عاشه الكرد خلال مرحلة الأنفال ومجازر حلبجة وما خلفته من قتل جماعي وتشريد، ما جعل من الإصرار على البناء والبقاء قيمة أساسية في السياسات الحكومية. فقد حوّل الإقليم تجاربه المؤلمة إلى قاعدة صلبة للتعلم والتخطيط، وجعل من التنمية المستدامة رسالة للجيل الجديد بأن الكرد قادرون على إعادة الإعمار وصناعة مستقبلهم مهما كانت التحديات. وفي هذا السياق، لعب الزعيم مسعود بارزاني دورًا محوريًا منذ تأسيس الإدارة الذاتية للإقليم، حيث ساهم في تعزيز الهوية الكردية، وتحقيق الاستقرار السياسي، وتوجيه الاستثمارات نحو قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، ما جعل كوردستان نموذجًا يحتذى به داخل العراق والمنطقة.

ولم تتوقف الرؤية عند الجانب السياسي، بل امتدت إلى البيئة. فقد تعرضت غابات قضاء خبات غرب العاصمة لضربات موجعة خلال السنوات الماضية نتيجة الجفاف وتراجع المياه الجوفية بفعل التغير المناخي، ما هدد استدامتها. فقامت مديرية الموارد المائية بتنفيذ مشروع يعتمد نظام السحب المائي لري الغابات ضمن خطة استراتيجية لإنعاشها، وربط المشروع لاحقًا بشبكات إعادة تدوير المياه الثقيلة لضمان استمرارية الموارد بعيدًا عن أي أزمة مائية محتملة. وقد بلغت نسبة المساحات الخضراء في أربيل 20% حتى منتصف عام 2025، ومن المتوقع أن تتجاوز 25% مع اكتمال المشاريع.

ويتميز هذا المشروع بأنه لا يقتصر على بعده البيئي، بل يمتد إلى الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، إذ ترسخ أربيل من خلاله صورتها كمدينة عصرية قادرة على مواجهة تحديات المناخ، وفي الوقت نفسه تفتح المجال أمام استثمارات جديدة في قطاعات السياحة والزراعة والخدمات الحضرية، لتصبح نموذجًا يحتذى به في العراق والمنطقة. ويؤكد مراقبون أن هذه الرؤية تعكس الطموح الذي يقوده مسرور بارزاني في جعل كوردستان إقليماً أنموذجياً، يربط بين البيئة والتنمية المستدامة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية، ليصنع نموذجًا متكاملًا للحوكمة الفاعلة.

اليوم، بين قلعة أربيل التي تحكي تاريخ آلاف السنين والغابات التي تتشكل تدريجيًا حول المدينة كحزام من الحياة، تكتب أربيل فصلًا جديدًا من قصتها، حيث يلتقي التاريخ بالحاضر، وتزدهر الطبيعة مرتين في العام: مرة بفضل إرادة الطبيعة، ومرة أخرى بإرادة الإنسان ورؤية حكومة جعلت من كوردستان علامة مضيئة على خريطة العراق والمنطقة، مع رسالة واضحة بأن الإصرار على البناء والنهوض يمكن أن يحوّل أي ألم تاريخي إلى قوة استراتيجية للتقدم، ويجعل من تجربة كوردستان نموذجًا عالميًا في مواجهة التحديات البيئية وتحقيق التنمية المستدامة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ليس كافيا ابدا ابدا
كردية -

طيب هذه المشاريع جيدة، ولكنها ما زالت بعيدة جدا جدا عن ارجاع كردستان خضراء نظيفة بجو كردي حقيقي مرة اخرى. كردستان تحتاج الى امور منها: الاهتمام الكبير بارجاع الى القرى من المدينة، وان تتوقف الهجرة الى المدن الكبرى تماما. 2. التوقف عن اعطاء الاراضي للمواطنين ليبنوا عليها كما يشائون، وبدل ذلك ان تعمل الحكومة على المشاريع الاسكانية التي تكون تحت اشراف الحكومة والأهم تحت اشراف متخصصين بتخطيط المدن والبناء الأخضر. ولدينا متخصصين من هذا النوع من الكرد ولديهم خبرة عالمية وتتم تخطيط المدن على ايديهم في البلدان المتقدمة. 3. التوقف عن استعمال الكونكريت المسلح في البناء الا في بعض الحالات الضرورية, واستعمال الطوب المصنوع من الطين. 4. السياسيون الحمقى في كردستان لم يجركوا لحد الآن ان المواصلات العامة شبه معدومة في الاقليم والكل يقول لأن المسؤولين يشاركون اصحاب الشركات التي تأتي بالتكسيات، وبالتالي اصبح الناس يعتمدون اما على سياراتهم الشخصية او على التكسيات للسفر بين المدن وضمن المدن، وبالتالي كثرت السيارات واصبح الجو لا يطاق من ناحية التلوث. نحتاج باصات تديرها شركات محترمة، باصات في المدن وبين المدن، تعمل حسب اوقات محددة ولا تزيد سرعتها عن حدود السلامة. 5. النظر مرة اخرى فيما يحدث في السلك الزراعي، ومنع الاتيان ببذور معدلة جينيا او من بلدان اخرى، تماما. هذا للحفاظ على البذور الاصلية للمحاصيل الكردية العضوية الحقيقية. 6. وضع جزاءات قوية ورادعة للذين يسرفون في استعمال الماء، ومنع حفر اي آبار من قبل الاهالي منعا باتا. 7. العقوبة القصوى لمن يقوم بالصيد الممنوع واي شخص يقطع ولو فرعا في شجرة في بيته، دون اذن السلطات.