الدم الفلسطيني أغلى من فذلكات جنرالات الشاشة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
البعض يصف الذين يقولون الحقيقة ويتحدثون بالمنطق بأنهم متكسبون ومعتوهون بل وساقطون لمجرد أنهم يدعون إلى حقن الدماء وقبول خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة. وهذا البعض لا يريد أن يسمع في الإعلام سوى ما يعجبه وما يروق له. ولهذا يبدو الإعلام العربي بأنه لا يزال أسيراً للهواة أصحاب الصوت العالي وضجيج الميكروفون.
منذ نكبة السابع من أكتوبر، هذا الإعلام عبر المحللين الكذبة والخبراء الجهلة يجعل من كتائب القسام في غزة قوة تعادل قوة حلف الناتو. ويتحدث هؤلاء عبر قنوات ذات شعبية واسعة عن انتصارات وهمية إلى درجة أن تصديقهم يعني أن على العاقل أن يتفحص وعيه وعقله.
فأي انتصار يدعيه هؤلاء، وحركة حماس تسببت في دمار غزة وتهجير أهلها وقتل شبابها... عشرات الألوف من القتلى، وأصوات المغيبين من المعلقين والمحللين والمؤثرين والصحفيين أصحاب الأجندات الخفية تنادي على حماس برفض الخطة الأميركية لإنهاء الحرب وتهاجم كل من يدعو إلى قبولها؟
ماذا يهم صحفياً أو صحفية يعمل في مؤسسة يتقاضى فيها آلاف الدولارات لو دعا إلى استمرار الحرب؟ ماذا يهمه لو هاجم الذين يدعون لقبول الخطة؟ ماذا يهمه بينما أولاده يدرسون في الولايات المتحدة أو بريطانيا، وهو جالس في المكاتب المكيفة والبيوت الفاخرة؟
للأسف، الشارع العربي لا يريد أن يسمع غير الترويج للعنف والقتال، ويسمي البعض هذا الجنون بالصمود، حتى وإن استمر نزيف الضحايا والهدم والمجاعة والإعاقة والشلل.
ماذا أنجزت مغامرة السابع من أكتوبر غير الموت والدمار والتراجع والانحسار للتأييد العالمي للشعب الفلسطيني؟ لا ننسى أن كثيرين ابتهجوا بما عرف بإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية وكأن هذا من إنجازات السابع من أكتوبر. هذا الاعتراف في الحقيقة ما هو إلا مجرد بيان ترضية للعرب والفلسطينيين، يمثل اعتذاراً عن عجز العالم إزاء ما أصاب الفلسطينيين في غزة، وما عدا ذلك فهو ذر الرماد في العيون.
ستدخل نكبة السابع من أكتوبر التاريخ على أنها الفعل الذي عطل التحرير والاستقلال وأضاع الفرصة الأخيرة لقيام دولة فلسطينية، وإذا كانت الدولة ستتأخر ثلاثين سنة قبل النكبة الثانية، فإنها الآن ستتأخر سبعين سنة أو أكثر.
المحتفلون بالاعترافات بالدولة الفلسطينية والمحتفون بأوهام المحللين العسكرين وجنرالات الشاشات سيجدون أنفسهم كمن ضرب على رأسه ليصحوا من الوهم ويكتشف كم كان غبياً ليصدق أولئك الجنرالات عديمي الضمير.
هناك حديث يقول: "انصر أخاك ظالماً ومظلوماً"، قيل أن ننصره مظلوماً فهذا مفهوم، فكيف ننصره ظالماً؟ فقال: أن تنصر أخاك ظالماً أي أن ترده إلى صوابه. فإذا أردنا نصرة غزة وشعبها، فلا بد أن ندعوهم للعودة إلى صوابهم، وهذه الدعوة هي التي يقوم بها أنصار الخطة الأميركية لإنهاء الحرب.
سيقول المغرضون والمنافقون والمدعون وأصحاب الصوت العالي إن هذا استسلام.. نعم، إنه استسلام حماس والقسام.. في الحرب العالمية الثانية لم تستسلم اليابان، بل استسلم الإمبراطور المتهور وجيشه، والآن لن تستسلم غزة، بل يجب أن تستسلم حماس والقسام، التي لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني ولا بأي نسبة تمثيل على الإطلاق.
تدعي حماس أن سلاحها للدفاع عن الفلسطينيين، لكن السؤال الحقيقي: هل دافعت حماس فعلاً عن الشعب الفلسطيني؟ أم تركته للموت والجوع والتهجير؟ هل استطاعت مرة واحدة خلال سنتين من الحرب أن تحمي منزلاً فلسطينياً واحداً أو ترد هجمة واحدة من هجمات الجيش الإسرائيلي الذي يسرح ويمرح في شوارع القطاع وبيوته؟
ماذا حققت حماس من عملية السابع من أكتوبر، التي كان هدفها المعلن بحسب اسمها تحرير المسجد الأقصى؟ لم تحقق سوى الخيبة وإعطاء إسرائيل الذريعة الكاملة بالتأييد العالمي لتدمير قطاع غزة وقتل سكانه. في الشهور الأولى من الحرب قالت مذيعة متحمسة إن ثمن سبعة وثلاثين ألف شهيد يجب أن يكون استعادة فلسطين التاريخية كلها. واليوم بعد قرابة سبعين ألف شهيد، نجد أن الثمن لن يكون أكثر من العودة إلى حدود السادس من أكتوبر مع دمار غزة بالكامل.
لقد جرب الشعب الفلسطيني حركة حماس منذ ما يقرب من أربعين سنة، ولم يحصد من ورائها سوى الخيبة والهزيمة والإفلاس والخراب. حان الوقت لأن تتنحى حماس والقسام والجهاد وباقي الفصائل المسلحة في غزة لتفسح المجال لأنصار السلام ليعيدوا الحياة إلى القطاع بعد أن اختطفت حماس حياة الغزيين وحولتها إلى جحيم وموت.
وإذ نقول إن حماس وغيرها من الفصائل حولت غزة إلى جحيم وموت، فليس معنى هذا تبرئة الآخرين الذين دعموها في تصرفاتها المضرة والقاتلة، حتى لا تنهض غزة ولا تعيش حياة هانئة طبيعية وينعموا هم بالحياة الهادئة والطبيعية. فمن له المصلحة في تخريب حياة الغزيين، ومن له المصلحة في تخريب السياحة في غزة؟ ومنع تحويل شواطئها الرائعة إلى منتجعات تستقطب السياحة العربية والعالمية؟
من كان له المصلحة العليا في عدم جعل ميناء غزة ومطارها بؤرة استقطاب تجاري وسياحي؟ من كان له المصلحة في تعطيل معابر غزة لكي تنشط تجارة التهريب عبر الأنفاق؟
منذ عشرين عاماً لم يكن في قطاع غزة جندي إسرائيلي واحد، فما هي حجة التحرير والمقاومة؟ ما هي حجة التحرير والمقاومة والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكل العرب وكل العالم اعترفوا بحدود إسرائيل وحقها الشرعي في الوجود ضمن حدود معترف بها؟
ألا يعني استمرار التحرش بإسرائيل مجرد ذرائع للتخريب على سكان قطاع غزة؟ وقد لعبت أنظمة مشبوهة دوراً في تحريض حماس على استمرار العمل المسلح لأجل مصالح مختلفة لهذه الأنظمة. لكن قبل هؤلاء كانت مصلحة إسرائيل هي التي تعمل وهي التي تحرض حماس للانقلاب على السلطة الفلسطينية، وانكشف سر تمويل حماس بالملايين من الدولارات عبر إسرائيل لأجل محاربة السلطة الفلسطينية، ليتمكن بنيامين نتانياهو من إقناع ناخبيه ومن ثم العالم بعدم وجود شريك فلسطيني للسلام الحقيقي.
وما يجري في الضفة الآن من سهولة اكتشاف مخابئ السلاح لأنصار حماس هناك يشي بأن الإسرائيليين يعرفون كل التفاصيل، ويكاد المريب أن يقول: خذوني، بأن إسرائيل هي التي سلحت حماس في الضفة، انتظارا لليوم المعلوم للانقضاض على السلطة الفلسطينية كما حدث في القطاع، حتى تكتمل الدائرة على الشعب الفلسطيني ويتم تصفية القضية بصورة تامة. لكن على ما يبدو أن إسرائيل غيرت من خططها إزاء الضفة والسلطة.
إذا أردنا إنقاذ غزة وإنقاذ الضفة الغربية، وقبلهما إنقاذ حياة الشعب الفلسطيني فيهما، فلا بد أن يتوقف سيل الإعلام المزيف الكاذب، وإسكات جنرالات الميكروفون الذين لم يعرفوا في حياتهم طعم الحروب الحقيقية، فليسكتوا ويغسلوا وجوههم من الخجل، فحياة الشعب الفلسطيني ودمه أغلى بكثير من شعبية رخيصة على شاشات الفضائيات.