فضاء الرأي

معارك الكرامة

نازحون سودانيون فرّوا من الفاشر بعد سقوط المدينة في أيدي «قوات الدعم السريع» يستريحون بالقرب من بلدة طويلة بمنطقة دارفور غرب السودان في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2025
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إنَّ الثقة بفكر حي وصارم، من جهة، يجعل عقولنا تمر بكل بساطة فوق ترهات الجنجويد التي أخفقت في التحرر من اجتياز السيرورة التي تتحكم بها، فهي لا تستطيع أن تمضي إلا من خلال آلام الناس وبؤسهم. فها هي جحافلها تندس بين رعايا فاشر السلطان، لتلقي في روعهم حوزة المهاجم المنغلق على نفسه، والسادر وراء غيه وسخائمه. فالمنظومة الفلسفية الموحدة لعربان الشتات التي سوف يترصدها الموت في كل مكان، أبت إلا أن تحتفظ بطابعها الوحشي الذي عرفه عنها العالم بأسره، فهدفها الذي تنشده وتحلم دائمًا به، هو أن تذهب أبعد مما ارتكبه الأقدمون من جرائم وفظائع وأهوال.

وفكر القوات المسلحة، الذي يتشظى إلى كثرة من السيرورات التي تختلف في أصلها ونتائجها مع فكر الجنجويد المنخوب، لا يصعب فهمه، لأننا نملك تصورًا له. فالقوات المسلحة التي تسهر على قلاع السودان، ومدنه، وحصونه، تجتهد كل فرقة من فرقها، وكل كتيبة من كتائبها، وكل مجموعة من مجموعاتها، ألا تكون فظة أو قاسية مع أسراها، وألا تنخرط في تلك الصراعات الاجتماعية، التي تجعل النسيج المجتمعي يعيش في حالة فوضى، وتنافر، وتدابر. فافتتان الناس بإرث الجيش السوداني، وشغفهم به، أن قِيَمَه مستقاة من طبيعته الخاصة، التي تأنف من العنف والبربرية بمن هم تحت قبضته. فجيشنا الذي يكبر قدره ويُجل نفسه، ترتكز دائمًا تحليلاتنا عنه على معطيات حسية. فنحن نؤمن، بمقتضى الغزوات الكبرى التي خاضها على مر الحقب، أن الميليشيات مقضي عليها لا محالة، وأن الجنجويد سوف يخورون خوارًا عاليًا، ويستنجدون باللوبي الصهيوني الذي ألقى بذراعه في شدق الأسد. سينشب القتال بين قواتنا المسلحة وبين الميليشيات التي اتجهت عنايتها إلى القتل والتنكيل بالمواطنين في فاشر بن زكرياء، وسيثأر الجيش ممن لم يتحلوا بأية صفة إيجابية. ستسير القوات المسلحة قدمًا في هذا الصدد، مُرسية دعائم الأمن والاستقرار، وستنهي صور الانحراف السلطوي، الذي شد ما عانت منه أجيالنا المتعاقبة، وستعمل على بلورة الحكم الديمقراطي المنشود، وستجهز على أحلام النظام العالمي الجديد، الذي بلغ الذروة في تناقضه، ذلك النظام البغيض الذي يحتكم إلى مسلّمات لا محل لاختلافنا فيها، ولكننا نجد هذا التغاير البيّن بين شعاراته التي يرفعها، وبين قِيَمه التي تصدعت أركانها في "الفاشر" و"غزة". فهو ينادي بحقوق الإنسان، وإسباغ الحرية، والديمقراطية، والتعددية، ويدعم بسخاء شراذم لا تشتهيها الأنفس، أو تقر بهم الأعين، تستخدمهم قواه الخفية والظاهرة، لتأجيج القضايا الشائكة المتعلقة بالهوية، واللغة، والقومية، والحكم، مجرد بيادق تنامت أهميتهم، بفعل الإمبريالية التي ساروا وفق أهدافها ومُثلها العليا، فتجلت لنا حقائق "تأسيس" و"صمود" و"قوى الحرية والتغيير" في مرحلة سابقة. كل هذه القوى السياسية صاحبة الصخب العالي، في الحق ما هي إلا مجرد أداة في يد كل الأطراف الغربية، التي تستطيع أن تُكيِّفها، أو تعدلها، أو حتى تحجمها وتقصيها عن المشهد. هذه الأحزاب السياسية الهشة التي لا يمكن أن نسترشد بها في خضم الحياة، لأنها لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها الخاصة، نجدها فرحة مسرورة، تتجلى فيها هذه الحالة التي تبرهن على أنها لا تزال ترزح تحت نير العبودية السياسية للدعم الصريع.

إنَّ انتصار القوات المسلحة في معارك الكرامة، ليس مجرد تقديرات ينبغي استنباطها، ولكنها فكرة شاملة تتضمن بالضرورة، يقيننا الراسخ في شجاعتها وتضحياتها، ومُضَاء عزمها. وسنجد في نهاية المطاف، أن المجرم الذي أقر العنف بوصفه قانونه الخاص، سوف يعاقب نفسه، بعد أن تتداعى الغايات التي أنشدها تحقيقًا لرفاهيته وسعادته الشخصية، وستنتهي هذه التشكيلات والمؤثرات الخارجية، التي كنا نخالها إلزامًا محضًا، أو شيئًا ينبغي أن يكون لكنه ليس كائنًا بالفعل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف