العراق والانتخابات القادمة المحفوفة بالوعود الرنّانة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ سقوط النظام عام 2003 وحتى اليوم، شهد العراق سلسلة طويلة من الانتخابات التي رافقتها شعارات براقة ووعود رنّانة ومشاريع خيالية تسبق صناديق الاقتراع، لكنها سرعان ما تتبخّر بعد إعلان النتائج. تتكرر المشاهد نفسها: وعود بتوفير فرص عمل، وتحسين الخدمات، وإنهاء الفساد، ولكن ما إن تنتهي الانتخابات حتى يبدأ سباق تقاسم المناصب وكأن العراق غنيمة بين الأحزاب، لا وطناً يستحق البناء.
المؤلم أن السياسيين أنفسهم لم يترددوا في تشبيه العراق بـ"الكعكة" التي تُقسَّم بينهم. وفعلاً، ما أن تُعلن النتائج حتى يتبخّر الكلام الجميل وتُنسى الوعود التي أغدقوها على المواطن. وهنا يبدأ العراقي بسؤال نفسه: لماذا ننتخب؟ هل نحن مضطرون؟ أم نتمسك بأملٍ زائف في الخلاص؟ أم أننا ندور في حلقة مغلقة لا مفرّ منها؟
الانتخابات في العراق تحوّلت، بكل أسف، إلى طقس شكلي لا يمتّ للنزاهة أو الشفافية بصلة. فالمراقبون والمنظمات الدولية لا يغيّرون شيئاً من واقعٍ بات معروفاً للجميع، حيث تُحسم النتائج قبل أن تُغلق صناديق الاقتراع، وتُباع المناصب وتُشترى في سوق السياسة بلا خجل.
وبالرغم من كل ما جرى خلال أكثر من عقدين، لا تزال الوجوه نفسها تتصدّر المشهد، والأحزاب ذاتها تسيطر على القرار، لا حبّاً بالعراق، بل حبّاً بمنافعه وثرواته التي تُنهب باسم "المصلحة الوطنية". والأسوأ أن أبناءهم بدأوا يتسلّلون اليوم إلى مواقع القرار، وكأن الوطن إرثٌ عائلي يُورّث لا مسؤولية وطنية تُحمَل.
على مدى 22 عاماً، لم نشهد تقدماً حقيقياً في أي قطاع. الزراعة ماتت، والإنتاج الوطني اندثر، والشركات المحلية أُجهِز عليها لحساب المستورد، حتى أصبحت الأسواق العراقية مرآة لاقتصادٍ تابع. كل هذا يجري بينما يتنعم الساسة بخيرات البلد ويتركون الشعب يرزح تحت وطأة الفقر والبطالة واليأس.
لكن، وبالرغم من كل هذا السواد، يبقى الأمل قائماً. فالعراق لا يُختزل بهؤلاء السياسيين، بل بشعبه الواعي الذي بدأ يدرك اللعبة جيداً. والأمل الحقيقي هو في التغيير الجذري، في كسر حلقة التدوير السياسي التي عطّلت العراق وابتلعته المحاصصة. لعلّ الانتخابات القادمة تكون نقطة تحوّل، تُقصى فيها الوجوه التي أضرت بالعراق وقدراته، وتُفتح صفحة جديدة لوطنٍ يستحق الحياة.