فضاء الرأي

من غزة إلى طهران:

كيف يقتل الفقر الشعوب تحت "بصمة" النظام الإيراني

مارة في شارع داخل طهران
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ليس الجوع في غزة وحدها... إيران أيضاً: حين يقتل الفقر 356 إيرانياً يومياً والنظام ينفق على القمع والوكلاء.

"حيثما تمر 'بصمة' نظام طهران ووكلائه، تتكرر حلقة الجوع: أمن مفرط، اقتصاد ظل، وموائد خاوية. الجوع ليس عرضاً، بل نتيجة سياسة متعمدة."

طهران الغنية... وشعب فقير
اعتراف نادر من الرئيس مسعود بزشكيان يلخص المفارقة القاسية: "نحن بلد لديه الغاز والنفط ونحن أغنياء... لكن شعبنا فقير". هذه الجملة ليست مجرد وصف، بل قرينة اتهام: امتلاك الموارد لم يمنع الانهيار المعيشي، لأن القرار السياسي يوجه المال إلى أولويات أخرى &- الأمن الداخلي، الأجهزة، و"النيابات" خارج الحدود.

صك اتهام رسمي
تقر وزارة الصحة الإيرانية بأن نحو 35 بالمئة من إجمالي الوفيات في البلاد &- قرابة 130 ألف إنسان سنوياً &- سببها المباشر سوء التغذية والفقر؛ أي 356 وفاة كل يوم بسبب مائدة خلت من الخبز ومعه الحياة. التفاصيل أكثر صدمة:

25 ألف وفاة سنوياً لعجز الناس عن شراء الخبز والحبوب الكاملة.

10 آلاف وفاة لاختفاء الفاكهة والخضار من الموائد.

10 آلاف وفاة لنقص "أوميغا-3" بسبب عدم القدرة على شراء الأسماك.

ولا تشمل هذه الأرقام وفيات الأمراض المزمنة التي يغذيها الفقر: ارتفاع الضغط (94 ألف وفاة) واضطراب سكر الدم (47 ألفاً).

المائدة الفارغة... سياسات لا أقدار
السبب ليس ندرة الموارد، بل اقتصاد مصمم للإفقار: تضخم جامح، أجور لا تسد الرمق، و"إنفاق أمني-خارجي" يلتهم الخبز والدواء. نصف السكان يعانون نقص استهلاك المجموعات الغذائية الأساسية؛ استهلاك الألبان هبط إلى أقل من نصف المستوى الموصى به، واللحوم إلى نحو 50 غراماً للفرد يومياً. ومع ذلك، تسوق الحكومة أرقاماً واهية؛ قالت متحدثتها إن "خط الفقر للفرد العام الماضي 6,128,739 تومان" &- رقم أثار سخرية الناس لأنه لا يغطي أساسيات شهر واحد.

أطفال وأمهات تحت المقصلة
واحد من كل خمسة أطفال يعاني سمنة "فقيرة" غذائياً بسبب طعام رخيص وفارغ.

5 بالمئة من الأطفال دون الخامسة مصابون بالتقزم مع آثار ذهنية وجسدية دائمة.

30 بالمئة من الحوامل يعانين سوء تغذية حاد.

نقص فيتامين D يطاول حتى 70 بالمئة من السكان، بما يعني هشاشة عظام ومخاطر مرافقة.

ليس في غزة وحدها... القاعدة حيثما حضر "الولي ووكلاؤه"
الفقر كسياسة عمومية يتكرر حيث تتمدد "هندسة" النظام: في الجنوب اللبناني قرى على حقائبها، اقتصاد محلي معطل و"أمن فوقي" يطرد الاستثمار؛ في سوريا مناطق مدمرة تدار بمنطق الحواجز والجبايات؛ في العراق واليمن اقتصاد ظل وعسكرة يومية تلتهم الدعم والوقود. الخلاصة: الإنفاق على "الذراع" يساوي تجويع "الذريعة". لا خبز حيث تدار الحياة كملف أمني.

الجوع كجريمة سياسة عامة
حين يترك الناس ليموتوا جوعاً فيما تنفق المليارات على أجهزة القمع وميليشيات الخارج، نغادر الاقتصاد إلى الأخلاق والقانون: هذه إبادة بطيئة بقرار سياسي. الأرقام ليست إحصاء بارداً؛ إنها قصص أحياء: ربة بيت تقنن الخبز، عامل يقتات على نشويات رخيصة، طفل يتقزم، وأم حامل بدم ضعيف.

ما العمل؟ طريق واحد واضح
داخلياً: لا تصلح "المعالجات التقنية" منظومة تصنع الفقر. الخيار الواقعي هو تغيير أولويات الدولة بتغيير سياسي يعيد المال العام إلى الخبز والصحة والتعليم، ويقطع نزيف "النيابات".

شعبياً: الحق في العيش والكرامة أساس كل حق؛ الاحتجاج والتنظيم المدني ليسا ترفاً بل دفاعاً عن الحياة.

سياسياً: كما أكد بزشكيان &- من غير أن يقصد لعله &- الاعتراف بالفقر وسط الثروة يعني أن العطب في بنية الحكم لا في السوق. التغيير الذي تقوده إرادة الإيرانيين وتدفعه المقاومة المنظمة هو الطريق لوقف "الموت على المائدة".

خارجياً: أي تعامل مع طهران ينبغي أن يشترط بأولويات الخبز والدواء: رفع اليد عن الغذاء والدواء، شفافية في سلاسل الإمداد، ودعم مباشر لبرامج التغذية والصحة &- لا أموالاً تعاد تدويرها في "اقتصاد الأجهزة".

خاتمة
"فقط أهل غزة لا يموتون جوعاً؟" كلا. في إيران أيضاً يموت 356 إنساناً يومياً لأن المائدة فرغت قسراً. وكلما ظهرت بصمة النظام ووكلائه، انطبعت الصورة نفسها: جوع مدبر باسم "الأمن". وحيث يعترف رأس السلطة ببلد غني وشعب فقير، تصبح الرسالة واضحة: آن أوان تغيير يعيد الخبز إلى المائدة، والكرامة إلى الناس &- تغيير تصنعه أيديهم وتؤمنه مقاومتهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف