نائب يجرّب السلطة على الشعب بدل أن يمارسها لأجله:
من يمثّل من؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في الوقت الذي صار فيه المقعد النيابي أكبر من صاحبه، وأضيق من أن يتّسع لفكرة الديمقراطية، خرج علينا مشهدٌ يلخّص أزمة السلطة حين تنقلب على أصل معناها، ففي قضاء الدبس الهادئ، استيقظ الأهالي على عرض أكشن سياسيّ حيّ حيث اقتحم نائب منتخب بيت مواطن لأنه تجرأ وكتب تعليقاً على فيسبوك، عجباً، يبدو أن الديمقراطية عند البعض تتحسّس من اللايك وتختنق من البوست، في زمن يفترض فيه أن يكون النائب ظلّ القانون ودرع المواطن و"الخادم الأمين" لمطالبه.
الخبر "كما روي من الشهود" يقول إن الهجوم لم يكن مجرد "زيارة تفقدية"، بل استعراضاً مسلّحاً يشبه تمريناً على فيلم من نوع الزعيم الغاضب يعود ليثأر من الـ"لايك الضائع"، ولأن العائلة المسكينة لم تستقبل هذه "الزيارة" بالورود، فقد حظيت بحصتها من الضرب، والتحطيم، وسلب الهواتف، والأجمل "أو الأسوأ" أن الهجوم لم يكتفِ بالضرب والتحطيم، بل امتدّ ليشمل حتى القوة العسكرية التي جاءت لتمنع تفاقم الفوضى، فبدلاً من احترام القانون، فضّل السيد النائب أن يصفع آمر السرية ليذكره ربما بأن سلطة القانون مجرد "اقتراح غير ملزم" أمام سطوة المقعد البرلماني، فعندما جاءت قوة عسكرية لحماية المدنيين من الفوضى، فوجئت بأن واجبها الأول أصبح حماية نفسها، وبدل أن يستقبلوا عناصر الجيش باحترام الدولة، استقبلوهم بـ"صفعة" لإعادة تذكيرهم بأن القانون ليس سيد الموقف، بل السيد النائب.
إنها كوميديا سوداء مكتملة الأركان، فهنا مواطن ينتقد نائباً، والنائب يغضب، والحماية تتحرك والجيش يتدخل ثم الجيش يصفع، والنائب يتحصّن والدولة تتفرّج فيما المواطن يقدم شكوى، في حين كان من المفروض أن النائب هو من يسنّ القوانين، لا من يكسرها على رؤوس الناس، لكن يبدو أن بعض أهل السياسة يعتقدون أن الحصانة البرلمانية تشمل حصانة من النقد، وحصانة من الغضب، وحصانة من الأدب، وحصانة من الخجل أيضاً.
وفي الوقت الذي يلجأ المواطن فيه إلى الشرطة لطلب العدالة، نرى النائب يلجأ إلى مقره الحزبي، ومعه مناصروه وسلاحهم، تحسباً "لأي طارئ"، لقد أصبحنا نعيش زمناً مقلوباً، فالقانون يُضرَب، والمواطن يُضرَب، والقائد العسكري يُصفَع، بينما النائب يخرج وهو منتصر على الفيسبوك، وعلى البيت، وعلى السيارة، وعلى أعصاب الجميع، فاقتحام نائب لمنزل مواطن بسبب تعليق على فيسبوك حوّل الحصانة إلى سلاح، والقانون إلى لعبة، والشعب إلى هدف، فما حصل ليس حادثاً عابراً، بل فضيحة تُعلن سقوط السلطة التي يُفترض أن تحمي الناس لا أن تهددهم.
فإذا كان التعليق في فيسبوك يستدعي "حملة تحرير منزل" و"عمليات عسكرية مصغّرة"، فكيف سيكون الوضع لو كتب المواطن مقالاً كاملاً؟ وهل سنرى حرباً أهلية بسبب بوست؟ أم "قوات أمنية" تداهم حسابات التواصل قبل أن تداهم الخارجين عن القانون؟
ما جرى في الدبس لم يكن حادثاً عابراً، بل سؤالاً كبيراً يتقدّم على كل التفاصيل: من يمثّل من؟ نائبٌ يختبر سلطته على الناس بدل أن يمارسها لأجلهم، أم شعبٌ صار مطالباً بأن يقدم فروض الولاء قبل أن يكتب تعليقاً على فيسبوك؟ إنها قصة واقع مقلوب، فيه القانون يُصفَع، والمواطن يُعاقَب، والسلطة تُستخدَم ضد من صنعتها، فهل بقي في المشهد شيء يدلّ على أن الديمقراطية ما زالت على قيد الحياة؟
وفي نهاية المطاف، لا بد من التذكير بأن من يتولى المنصب العام لا ينبغي أن يغريه موقعه باستخدام القوة ضد المواطنين، فالأجدر به أن يضرب بيد القانون، لا بيد الحماية.
فلا تنهَ عن خلقٍ وتأتي مثله
عارٌ عليك إذا فعلت عظيماً
التعليقات
من السبب يا ترى ؟!
علي حسن -كيف لنا أن نطلب من لا خُلق له ان يتعامل بأخلاق وقيم مع المواطن ، كيف لنا أن نطلب لخارج عن القانون ، أن يطبق القانون .. كيف لنا أن نخرج بمحصلة ونتيجة ، سبب من هذا الذي يحصل ، حيث يجعل البعض ام الوضع العام والشاذ من القمامة سلة فواكه .. ومن المتخلق بسلوكيات البهائم ، كالمتعلق بادبيات الإنسان..