كتَّاب إيلاف

خطفك الموعد في رحلة الشتاء، يا وفائي!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ماضي الخميس: لأجله نبكي .. بلا خجل !!

لم تخجل دمعتي وهي تتسلل لتهرب من عيني وكأنها كرهت ملازمتها لي سنين طويلة دون أن تنطلق بالرغم من كثر المآسي والأزمات التي تعرضت لها .. والعديد من الأحزان التي مرت بي في حياتي .. وحين شعرت بها هذه المرة .. قلت آن لك يا عين كي تبكي الصديق والحبيب والأخ الذي لم يبخل أبدا بالمبادرة في إطلاق مشاعره أو تقديم خدماته لكل من احتاج إليه.
أحيانا وفي زخم الحياة وزحمتها لا تشعر بتقصيرك اتجاه الآخرين حتى تفقدهم أو يتعرضوا لمكروه .. شعرت أنا بالتقصير كثيرا اتجاه وفائي وأنا اجلس قبالة زوجته الفاضلة اعزيها واعزي نفسي .. استرجعت سنين طويلة منذ أن تعرفت عليه في لندن حين كنا نصدر جريدة صوت الكويت الدولي أثناء الغزو العراق على الكويت .. وكيف استمرت تلك العلاقة بالرغم من انتهاء الجريدة وتفرقنا مهنيا وجغرافيا .. إلا أن وفائي كان دائما موجودا .. ومبادرا بالسؤال والاهتمام .. حتى انتقل قبل سنوات إلى الكويت وكنا في تواصل شبه دائما .. وكان هو دائما كعادته مبتسما متفائلا يشع حماسا ورغبة في التطور والانجاز وتحقيق النجاح.
أكثر من ستة عشر عاما .. منذ أن إلتقينا أول مرة .. وحتى آخر لقاء لنا في مكتبي قبل أيام من وفاته .. ونحن في حوار دائم ولقاءات لا تنقطع.
في شخصية وفائي دياب الكثير من الصفات التي تجعلك تنجذب إليه .. وتتقرب منه دون تحرج أو تكلف .. فهو ملازم للابتسامة دائما .. متفتح الأفق .. ودود إلى درجة كبيرة .. يعشق العمل بشكل كبير .. ومخلص لمهنته التي عشقها.
مهما كثرت الكلمات أو طالت بالتأكيد لن استطيع أن أوفي وفائي دياب حقه من الذكر والذكرى .. والتقدير والاحترام .. لكنها سنة الحياة .. وتبقي قلوبنا مفتوحة لأسرته الكريمة .. ونتمنى لهم ولنا الصبر والسلوان.

***

علي الرز: رحلة الشتاء... الطويلة

"أدخلت سامر الى الجامعة واجريت الفحوص الدورية وأعود بعد يومين". ويعود بعد يومين لنلتقي ويشرح لي بالتفصيل ما أوجزه عن رحلته الى لندن وكيف ان الدنيا كلها لم تسع فرحته بدخول ابنه الى الجامعة.

هو الوحيد الذي لا يغيب عن ناظري، اذ لا بد ان اراه من خلال "المسنجر" تقريبا في كل الاوقات، فعمله كله قائم على الانترنت بحكم منصبه مديرا لتحرير اول صحيفة الكترونية في العالم العربي ... انشأ اول ديوانية على "اللاين" يلتقي فيها الجميع من كل المشارب والاتجاهات فيدلون بآراء سريعة وغير مقيدة اللهم حين يتدخل الرقيب بعبارة "بس يا شباب عيب... روقوها" فيختفي بعضنا الى خط آخر حريته اقل ورقابته كذلك.

"انا في البحرين سأعود غدا، احجز لي مكانا لموضوع سننشره بالتزامن وسيعجبك"... انتظره فيصل في الموعد تماما حاملا "اسطوانته" وعليها الموضوع وننتقل كالعادة الى امور لبنان التي لا بد ان نقف عندها ونتوقف بين تفاصيلها.

" سأعود من مسقط الاحد ومعي مقابلة مهمة مع وزير الاعلام احجز لي صفحة"... احجز ويصل في الموعد تماما، ويخبرني كيف تتغير السلطنة مع محافظتها على طابعها التراثي العمراني".

يغيب دائما ويعود في الموعد المقرر متحدثا عن كل شيء، من السياسة الى شؤون الزملاء وشجون المهنة. يعرف "البير وغطاه" حين يتحدث عن المشاريع الاعلامية الجديدة و"يقتحم" الميدان دائما بافكار جديدة ومبتكرة.

يغيب دائما ويعود في الموعد المقرر. محادثا، معاتبا، مصعدا، موافقا، مختلفا... لا حدود لانفعالاته، والحدود كل الحدود لحفاظه على حبل الود في اطار الذوق والادب، الامر الذي يدفعك احيانا الى الاعتذار منه حتى وان لم تكن مخطئا ليرد عليك بضحكته الطفولية وتعبيراته "اللبنانية".

كان موعدنا الاخير في السابعة والنصف تماما، على ان يمر لاصطحاب الزميل عبد الوهاب بدرخان ويزورانا معا. هذه المرة لم يصل في الموعد المحدد، كان على موعد آخر خطفه في لحظة تواصل بين زميل وزميل. موعد دق باب روحه فجأة ومن دون استئذان فانفتح على ابتسامة... على استسلام طفولي.

هو الحق لا اعتراض عليه، هو الجسر الذي سنعبره الى حياة مديدة، هو التوحد بين الوجود وظله، لكن الخطوات الهادئة التي خطاها صعودا كان لها وقع الصاعقة على مشاعرنا التي رفضت تصديق الخبر وبقيت تتحين الفرصة للقائه.

وفائي دياب كنت جزءا من نهاراتنا، لم يستقم المشهد الاعلامي يوما الا اذا اغنيته بفكرة، برأي، باقتراح، بطرفة. وكنت بداية المقال وخاتمته، نرسله اليك قبل النشر فتجيز او تعدل بوكالة الثقة المطلقة... كيف سنفتح على "ايلاف" في رحلة البحث اليومية شتاء او صيفا ولا نرى بصماتك، وكيف سنستقبل "ايلاف" الجديدة من دون مهندسها، وكيف سنكتب خبر الغياب وبأي حبر.
خطفك الموعد في رحلة الشتاء، والشتاء سيطول يا وفائي... سيطول.


***

سلطان القحطاني: أوان الورد يا وفائي!

لدينا مشكلة أزليّة مع الموت. نظل نرواغ حوله أمداً طويلاً... نهرب منه، ونسهو عنه، ونحاول أن ننساه بترتيب جداول أعمالنا اليومية، والالتزام بنصائحنا الغذائية، وحمل

مهند سليمان
وفائي.. ستبقى اون لاين في قلوبنا


فادي عاكوم
الإيلافيون يؤبّنون مدير تحريرهم

وداعا وفائي دياب

وفائي دياب مديرًا لتحرير إيلاف

وفائي دياب :قمتان... لا واحدة في الكويت

وفائي دياب ...في رحيل محمود عطالله

ايلاف في حلة جديدة

سماوات عثمان العمير وعوالمه

وفائي.. ستبقى اون لاين في قلوبنا


أكياس الأدوية والمقويات يوماً إثر آخر، وزيارة الأطباء بدواع شتى، لكنه في نهاية الأمر يظل لصيقاً بنا كالجمجمة، يحمل مواقيته، وجدول ضيوفه الآتين، يحصيهم كل يوم ليتأكد من تمامهم دون نقصان، ولا يملك من أمره تأجيل الزيارة، أو إعطاء الذاهبين تذكرة سفر على رحلة أخرى، في موعد آخر.
شخصياً لا أعرف إن كان سيأتي ذلك اليوم الذي يجعل العلم في استطاعتنا أن نقص تذكرة الذهاب وقت ما نريد، وأن يكون كل واحد منا هو "جلجامش" القرن الحادي والعشرين، الذي يقضى عمره مفتشاً عن عشبة الخلود الأزلي، وقد يجدها أو لا يجدها... لا أملك الإجابة عن ذلك، بل سأتركها في عهدة المستقبل، والعلم.
الموت، الموت، الموت... نهرب عنه - أو نحاول الهرب بالأحرى - لكننا في النهاية نجد أنفسنا ونحن مصدقين لهذه الحقيقة المطلقة، منطوين تحت آثارها، وتحت مناديلها المبللة بالدمع. أمامنا الموت بكل تفاصيل مشهده المثير: منجل إلهي، سماء الرحيل، وتبديل الكائنات في المشتل السفلي، في انتظار زوار جدد، يأتون، ويكبرون، ويحلمون، ومن ثم يذوون دون أن يشعروا بذلك. "سوف تلهو بنا الحياة" كما تقول الأغنية الكلثومية، في نبوءة "جرداق".
أعرف أننا جميعاً مضطرون لركوب هذا المترو الذاهب إلى السماوات العُلى في خط سير رحلة طويلة الأمد - غالباً- ولا يوجد على سجلاتها، وأرصفتها، ولافتاتها مفردة " العودة"، ولا يمكن أن تمتد هذه الرحلة أبداً طويلاً، ولا أن نختار ميقات النزول كما نشتهي، ولا أن نوقع معه وثيقة "عدم اعتداء مشترك".
هل علينا أن نشعر بالرعب لنخبر الموت كم هو مؤلم ومثير ودراماتيكيٌ؟ أم علينا أن نرفع قبعاتنا له احتراماً كي يشعر بالزهو قليلا لأنه يستطيع أن يباغتنا مهما احتطنا، ومهما حاولنا أن نبدي أننا لسنا مكترثين له. فمهما تظاهرنا بأننا ننسى، فإن دواخلنا تشعر كل ساعة تمضي بهذا الزائر وتشعر بالرعب المقيم والعابر منه.
ولكن لماذا كل هذا الحديث الطويل عن الموت وكأنه البطلُ الحقيقي الوحيد؟.. لا شيء سوى لنخبره كم كان وفائي دياب بطلاً حقيقياًن حين بقي في مركزه مهاجماً حتى اللحظة الأخيرة، وصانع ألعاب لا يقهر، ورأس حربة لم يصبه اليأس، حتى وإن كان يلعب في الوقت بدل الضائع، حين أجرى إحدى عمليات القلب قبل عدة أشهر.
مبللون... مبللون بالخيبة نحن يا وفائي لأننا لم نضع على مفكرتنا اليومية نوعاً من هذه الاحتمالات اللامعقولة، وأحدها رحيلُك... مبللون بالإرهاق لأننا سهرنا أكثر من اللازم بغية أن يكون هذا الخبر محض توقع لا يقترب من نيران الحقيقة... مبللون بالملح الذي اختنقنا به من عيوننا أو حناجرنا ونحن نتبادل تعازينا الغير مرتبة أمام الآخرين.
قل لي يا سيدي قل لي... كيف كانت اللحظة الأول حين مضيت إلى الأبدية البيضاء؟ حين أغمضت عينيك لبرهة، وتساءلت لماذا تعطلت ساعة الحائط، أو لماذا توقف المشهد وتسمرّ عند تلك اللحظة التي هويت فيها مثل ورقة خريف؟... وكيف هو الطقس هناك؟... لا أظنك ستخشى البرد لأنك مليء بحرارة الإيمان، والحب، والمثابرة...
وهب أنك لم تحضر اجتماع التحرير الصباحي لهذا اليوم، فمالذي ستفعله غداً؟ هل أخذت كومبيوترك المحمول معك؟.. هل يسمحون بحمل الهواتف الخليوية هناك، لنستطيع أن نحادثك أو نتبادل الرسائل النصية على الأقل؟... (ما هذه الأسئلة؟)

وفائي دياب كان فناناً أنيقاً دون مبالغة. شفافاً لا يُكاد يُسمع إلا همساً، حين لا يُسمع الهمس. حريصاً على أن يسير بهدوء دون أن يعبث بالكراسي أو الطاولات، حين يصبح الهدوء جريمة.. وأكثر من ذلك كان غيمة حب.


أيها الأصدقاء الباقون تحت مجهر الغيب، وأمام ملاكٍ يقوم بعمله المعتاد كل يوم دون كلل، أو ملل،،،
لا تموتوا.

****

بلقيس دارغوث: وفاءً لوفائي

لا تدعي شغلك يؤثر على حياتك الشخصية .. نصيحة وجهها لي الراحل مختزلا خبرة سنين جمعت بين حب العمل وعشق العائلة ... إلى سامر وتمارا نحن في إيلاف لا نعرفكما شخصيا ولكن نعرف أخباركما وانجازاتكما، فالاستاذ وفائي كان فخورا بكما وكنتما ضياء عينيه اللتين نامتا الان .. الى الأبد.

"بدك شي من بيروت؟ انا نازل بكرا" سلملي عليها اشتقتلها .. يرد.. ما في أحلى من بيروت. وإلى لبنان تعود استاذ وفائي... ولكن ليحضنك ترابه هذه المرة .. "سلملي على صيدا عطريقك انت وراجع على عين إبل".. ما زلت أذكر كيف كنت تتفقدنا في لبنان في الحرب الأخيرة وكيف استنزفتك رحلة عودة ولديك من "الضيعة" ليصلا سالمين الى الكويت..

لم أكن اتوقع ان تكون خبرا في صفحات الجريدة التي حرصت مع ناشرهاعلى أن تكون رائدة ابدا... ان تصبح زاوية يكتب محبوك فيها كلمات تبقى في الذاكرة للأبد ... بعد ان كنت تكتب انت الأخبار وتحدد الزوايا.

اعذرني فالكلام في حضرة الموت يختفي ويذبل خائفا.. ربما ولكن حزينا بلا شك لخسارة مثالا للباقة والاحترام والدبلوماسية والروح الجميلة..

فإلى روحك الطيبة ألف سلام .. ووداع.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف