لبنان في حرب إشاعات وشاشات وشوارع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هجوم "المستقبل" المضاد ورد "حزب الله"
لبنان في حرب إشاعات وشاشات وشوارع
الشرع:لو تدخلت سورية في لبنان لحسمت الأمر
شروط سورية غريبة لفك الإرتباط مع إيران
إرتباط بين خلية القاهرة وتفجير الحدود السورية اللبنانية
الكنيسة المارونية: حكومة وفاق أو مستقلين وانتخاب رئيس جديد
إيلي الحاج من بيروت: لم يفاجئ التوتر الشديد بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" متابعي تدهور العلاقة بينهما في بيروت، فمن الطبيعي ان تتصاعد حدة التوتر السياسي في ذروة احتدام الصراع الذي يدور تحت عنوان إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، المدعومة من الأكثرية بقيادة النائب سعد الحريري، والتي تطاردها المعارضة بقيادة السيد حسن نصرالله . لكن المفاجأة كانت في انحراف التوتر عن مساره السياسي وانتقاله العاجل الى الشارع مثل النار في الهشيم، ليترجم "حرب إشاعات وشوارع متنقلة" و "حرب شاشات"، واتهامات متبادلة بإشعال صدامات وفتن مذهبية والتسبب بحال غليان في الشارع قابلة في أي وقت للتفلت من الضوابط الهشة ، والتي كان ممكناً ان تتخذ أشكالا أسوأ لولا التدخل الحازم للجيش اللبناني.على سبيل المثال، اتهمت محطة "المنار" "ميليشيا تيار المستقبل" بالمسؤولية عن حوادث قصقص في بيروت، حيث سقطت ضحية وعشرات الجرحى، فرد التيار ببيان عنيف على "التلفيق الاعلامي لقناة حزب الله التلفزيونية"، واصفا إياه بأنه "ترويج للفتنة المذهبية". وأكد "تيار المستقبل" ان ليس لديه أي تنظيم مسلح وانه يمنع أنصاره من اقتناء السلاح.
في ظل هذا الوضع المتفجر الذي هو أشبه ب "نار تحت الرماد" والذي لا تنفع معه المعالجات الأمنية ولا تخمده الا تسوية سياسية، لوحظ أن "المستقبل "تخلى عن أسلوبه المتحفظ في التعاطي مع "حزب الله" وعن مراعاته لاعتبارات معينة، وبدأ منذ أيام "حربا سياسية مفتوحة" وحملة مركزة على الحزب وبرنامجه وطموحاته وأخطاره وارتباطاته . وهذه عيّنة من التحليلات والآراء الإتهامية التي يتبادلها الطرفان:
-يقول "المستقبل" إن "حزب الله" القوي في مواجهة اسرائيل لم يكتف بعدم توظيف انتصاره التاريخي عام 2000 تعزيزا للدولة في لبنان بل "هز" هذا الانتصار عام 2006 ، وأخذ يوظفه في الداخل. وهكذا انتقل من مقاومة" ضد اسرائيل الى "ميليشيا" بفائض قوة وذات "ذراع" سياسية في الداخل. وما يجري اليوم يؤكد مرة أخرى ان الحزب الذي تفوّق كمقاومة في الميدان العسكري، يتراجع يوما بعد يوم في الميدان السياسي، فاذا كانت تضحيات المقاتلين ودماء الشهداء تحمي الحزب وتحصنه، فإن "زواريب" السياسة اللبنانية تربك كل المسارات وتحرف كل القدسيات وتلغيها.
-قبل النزول الى الشارع كان الحزب لا يزال قادرا على التهديد باستخدام الشارع، ولكن بعد استخدامه لم يعد لديه ما يهدد به سوى مزيد من محاولة تكرار هذا النزول بزخم أقل أو أكثر. ولم يعد أمامه الا اطالة أمد "الاعتصام التنظيمي" في وسط بيروت، المحروس من قبل جهازه الأمني. أصاب حزب الله هنا ما أصابه في موضوع "السلاح الصاروخي الرادع" ضد اسرائيل، اذ فقد السلاح الرادع هذا قيمته الرادعة لمجرد انه استخدمه، لأن القاعدة تقول ان "قيمة" الردع ان تنجح في التهديد به من دون الاضطرار الى استخدامه.
- "أحرق" حزب الله حليفه الشيعي ، إذ اضطر الرئيس نبيه بري الى تغيير مواقفه في العديد من القضايا، بما في ذلك من مسألة النزول الى الشارع. وقد كان أول من حذر من "الشوارع" وبقي حتى اللحظة الأخيرة يسعى إلى الحؤول دون الشارع. وماذا كسب الحزب من اغراق الرئيس بري ما لم يكن اغراقه هدفا في ذاته؟ وماذا يكسب حزب الله في وضع الرئيس بري تحت سقف محدد ما لم يكن ذلك يدخل في اطار إغلاق الباب ورمي المفتاح؟
- "حزب الله" وقع في سوء تقدير للوضع السني، إذ "أفرط" في الحملة على رئيس الحكومة السني وكال له الاتهامات والشتائم و "منح" منابره لكل الشتّامين. و"أفرط" في الحملة على رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، زعيم السنة في لبنان، وغالى إعلامه في التجييش المذهبي وفي اختلاق الأخبار. وظن انه بواسطة بعض سنة النظام السوري يستطيع ان يغطي واقع ان "التحرك" شيعي يقوده فريق نيابة عن الشيعة ككل.
- ثمة تقدير خاطئ اضافي وأساسي للموقف العربي. فالموقف السلبي من "تحرك" حزب الله" الذي أعلنه الرئيس المصري حسني مبارك، ذو أصل ينبغي ان يكون مفهوما. فلا يمكن للدول العربية ان تضع المحاولة الانقلابية ضد حكومة لبنان إلا في اطار مشروع ايراني للتمدد والتوسع عربيا. وبكلام آخر، ان الموقف العربي كما عبّر عنه الرئيس مبارك، ليس فقط انتصارا للبنان او دفاعا عن شرعيته الدستورية،بل انه عمليا موقف ضد مشروع ايراني قيد التنفيذ، تصيب نتائجه مجمل الوضع العربي.
-يجب توقع استمرار "حزب الله" في طرق باب المشكلة وليس الحل، والمسألة الأهم هي ان المحكمة الدولية ممنوع ان تقوم من وجهة نظر دمشق وطهران، والأكثر أهمية ان قرار حزب الله ليس في لبنان وليس في يده، انه منفذ، فكيف اذا كانت فتوى الولي الفقيه الايراني قد صدرت؟
- الخطوة التالية للحزب ستكون في حال نجاح الحزب في إسقاط الحكومة هي الضغط لإخراج القوة الدولية وسحب الجيش اللبناني من الجنوب إسقاطاً للقرار الدولي رقم 1701 ما يعرض لبنان لأخطار جمة وخسائر فادحة تالياً. كما أن ثمة خطراً يتمثل في احتمال أن يقرر مجلس الأمن تعديل مهمة القوة الدولية لتشمل كل الأراضي اللبنانية تحت الفصل السابع.
وتحذر مصادر" تيار المستقبل" من أخطار أمنية مخيفة في حال استمرار التظاهر والاعتصام، مشيرة الى ان الانضباط العالي ل "أمن حزب الله" الذاتي واضح الكفاءة، ولكن ماذا اذا طال زمن التظاهرات والاعتصامات بكل ما سيغلي فيها على نار التحولات والارادات الخارجية سواء الآتية من دمشق او الناتجة من الارتفاع المطرد في درجة حرارة الاشتباك الايراني الاميركي. ولا شك أن حزب الله يعرف أكثر من غيره ان الشارع ليس "قنبلة صوتية" اذا ما انفجر بل هو فعلا سلاح دمار شامل خاصة بوجود الاحتقان المذهبي والطائفي واحتمال وقوف شوارع ضد الشوارع.
رد "حزب الله" على الحملة ضده
في مواجهة هذه الحملة المركزة والقوية ضده من" تيار المستقبل" خصوصا و"قوى ١٤ آذار/ مارس عموماً ، لا يتوانى "حزب الله" عن الرد. وهذه عيّنة من ردوده :
- لا ثقة بالسلطة الحاكمة. لقد جربت المعارضة الكثير من الحوارات الثنائية والجامعة مع السلطة وفريقها، ولكن تبيّن للمعارضة ان فريق السلطة يتوسل الحوار للمراوغة ولكسب الوقت، وهو لا يملك قراره لحسم النتائج. فثمة أمور تم التوافق عليها وبعضها بإشراف عربي (سعودي تحديدا) ، ولكن فريق السلطة عاد ونقضها وانقلب عليها: التحالف الرباعي بين الحزب و"أمل" و"المستقبل" والحزب التقدمي الإشتراكي، اتفاق الرياض الأول المكتوب والموقع من النائب سعد الحريري، مقررات مؤتمر الحوار، وجلسات التشاور، والتفاهم الذي تم في الخلوة التي عقدت على هامش التشاور بين النائب الحريري و"أمل" وحزب الله، فضلا عما أقدم عليه الفريق الحاكم وحكومته خلال العدوان الاسرائيلي وعلى كل المستويات.
- سقط عن الفريق الحاكم وهم الأكثرية الشعبية، وسقطت عن حكومته الحصانة الدستورية والميثاقية، وعليه ان يقر بهذه الحقيقة قبل ان يقدم على الحوار من موقع يفترضه لنفسه وهو ليس فيه.
- الفريق الحاكم مستمر في منطق الاستئثار في ادارة شؤون الدولة وفي مجلس الوزراء، وفي استدراج المقاومة لتضع "انتصاراتها" في عدوان تموز/ يوليو الإسرائيلي في تصرف "العدو الوهمي" الذي يستحضرونه أمام كل مشكلة من "ريف دمشق... الى طهران" .
- مراهنة السلطة على انفكاك الاعتصام واحباط المعتصمين او ترهيبهم لن تنفع لأن المسألة ليست مسألة مقعد وزاري بقدر ما هي مسألة سياسة الدولة والشراكة في رسمها.
- الحكومة لها مصلحة في توتير الأجواء الأمنية لتأليب الرأي العام على المعارضة، من الهيئات الاقتصادية الى رجال الدين، ولمنع المواطنين من الانتقال الى مكان الاعتصام من خلال قطع الطرق والاعتداء على مواكب المعتصمين.
- ازدياد موجة المواجهات في الشارع نقلة نوعية وخطرة من قوى السلطة التي تحاول اجهاض خطط المعارضة عبر إلهائها بمعارك جانبية في زواريب العاصمة واللعب على الوتر السني- الشيعي في محاولة مكشوفة للضغط بطريقة مباشرة على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي يحاول منذ بداية الأزمة في العراق إبعاد هذه الكأس المرة عن لبنان.
- الوقائع أثبتت ان لا صحة لادعاء قوى السلطة أنها ستكتفي بالتفرج على الاعتصام في وسط العاصمة، وان لديها استعدادا للانتظار وقتا طويلا. وصبر هذه القوى نفد بسرعة تحت وطأة مشاهدة جمهور المعارضة مقيما في "السوليدير" وفي شكل هادئ وسلمي .
- لا مبرر لتخوف الغالبية الحاكمة من التعرض للقوة الدولية،" اليونيفيل"، لأن القرار 1701 يستجيب الملاحظات التي أبداها "حزب الله"على المسودات التي كانت تطرح حول البند السابع. وقد طمأن حزب الله من التقاهم من ممثلي الدول المشاركة في "اليونيفيل" إلى أن هذه القوة هي موضع ترحيب وان الحزب على استعداد لتسهيل مهمتها بما يتناسب مع المهمة الموكلة اليها، كما تم ابلاغ قيادة هذه القوة انه حتى في حال طلب تعديل مهمة "اليونيفيل"، فلن تكون المشكلة والمواجهة أبدا معها، بل مع الحكومة اللبنانية في حال طلبت هي ان تعدل مهمتها. والتخويف والتهويل بهذا الأمر من الفريق الحاكم هو أسلوب كيدي لا يتعاطى مع هذه الأمور الحساسة بالنسبة الى الوطن من موقع الصدق والنصح، وانما من موقع الانتهازية والتحريض.