كتاب منتصر الزيات: الظواهري كما عرفته (الحلقة6)
أخطاء الظواهري وبن لادن ضربت الحركة الإسلامية في كل مكان وكل الإسلاميين يدفعون الثمن الآن
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في الحلقة السابقة تحدث منتصر الزيات مطولاً عن مبادرة تنظيم الجماعة الإسلامية بوقف العمليات المسلحة داخل مصر وخارجها، والدور الذي حاول الظواهري لعبه لإفشال المبادرة، وكشف عن محاولات لزعيم جماعة الجهاد لإقناعه بالفرار من مصر واللجوء إلي لندن. واليوم يتحدث الزيات عن الأخطاء التي وقع فيها الظواهري والتي رأي أن الإسلاميين في كل مكان وجدوا أنفسهم يدفعون ثمنها.
بمقدار ما كانت العلاقة تزداد وتتنامي بين الدكتور أيمن الظواهري وبين أسامة بن لادن، بمقدار ما كان التباعد يزداد بينه وبين آخرين عاصروا بداياته الأولي في مصر وراقبوا عن بُعد بداياته الثانية في أفغانستان. كنت واحداً من هؤلاء الذين ساندوا الظواهري داخل السجن أيام قضية السادات، ما كان سبباً في مشاكل حدثت لي مع آخرين لم يكن يروقهم ما يفرضه الظواهري من آراء وافكار وربما ما يُقدم عليه من تصرفات. وما زلت أذكر، ومعي كثيرون، كيف تكرر الأمر بعدما أُعلن الظواهري أميراً لـ جماعة الجهاد في افغانستان، وكيف كانت مواقفي التي لم أكن أبغي من ورائها إلا وجه الله سبباً في أن أصاب بسهام معارضيه وكارهيه. وتكفي هنا الاشارة الي حوار نشرته صحيفة الحياة عام 4991 مع محمد إبراهيم مكاوي بعد الخلاف الذي تفجر بينه وبين الظواهري لأسباب عدة بينها تنازعهما المسؤولية عن حادثة محاولة اغتيال وزير الداخلية الاسبق اللواء حسن الألفي. في ذلك الحوار وجه مكاوي اتهامات حادة الي الظواهري ووصفه بأنه عميل للاستخبارات الاميركية وانه ينسق مع الايرانيين وانه ينفذ تعليمات تصدر له من جانب الاجهزة الامنية المصرية. أما أنا فاتهمني مكاوي، ومعي مراسل صحيفة الحياة في القاهرة الأستاذ محمد صلاح بأننا عميلان للظواهري وبالتالي عميلان لكل الجهات التي يعمل لمصلحتها زعيم جماعة الجهاد . شكك مكاوي في مصادر رزقي وقال إن مكتبي أسس من اموال حرام، وأنني أتاجر بعذابات أهالي السجناء والمعتقلين. كل ذلك علي رغم أنني لم أختلف معه في قضية فكرية أو فقهية أو منهجية ولم أدخل معه في أي جدل حول الجهاد الافغاني مثلاً أو نشاطه في الخارج، أو تاريخه قبل أن يخرج من مصر. كان كل ما جنيته أنني أدليت بحوار الي صحيفة الحياة سُئلت فيه عن ولاء المتهمين في قضايا طلائع الفتح الاربع التي نظرت أمام دوائر عسكرية في ذلك العام فقلت إنهم يدينون بالولاء للظواهري، وأن لا علاقة لهم بمكاوي ولم أكن اسعي من وراء ذلك الي تلميع الظواهري أو ابرازه أو اصطناع بطولة له. كانت تلك هي القضية وأذكر أن الاستاذ محمد صلاح رفض نشر الحوار الذي كان أجراه معي قبل أن يحضر بنفسه جلسة لواحدة من تلك القضايا لانه كان يعي حساسية الخلاف بين الاثنين: الظواهري ومكاوي، وسمع بنفسه المتهمين يهتفون بحياة الظواهري ويقرون ولاءهم له.
كان مكاوي واحداً ممن التحقوا بتنظيم الظواهري بعدما فرّ من مصر في نهاية الثمانينات، وهو كان عقيداً في الجيش لكنه فصل من الخدمة علي اثر اتهامه عام 7891 في قضية إعادة إحياء تنظيم الجهاد ، وبعد وصوله إلي أفغانستان التحق بجماعة الجهاد ولكن بعد فترة بدأت الخلافات بينه وبين الظواهري ثم انفصل عن التنظيم ودخل الاثنان في كلاش إعلامي. للأسف نالني من مكاوي الكثير أما الظواهري فإنه اكتفي وقتها بإبلاغي عبر بعضهم بأنه راض عن جهودي في مجال محاصرة مكاوي إعلامياً وفضح مزاعمه عن وجود عناصر تابعين له داخل مصر لكني من جهتي حرصت وقتها علي أن يصل للظواهري تأكيدي أنني لم اسع إلي محاصرة مكاوي إعلامياً وأن كل ما تحدثت به عن المتهمين في قضايا طلائع الفتح لم يكن سوي الحقيقة بغض النظر عن الطرف المستفيد من إعلانها.
اردت بهذا التوضيح أن أذكُر بأن علاقتي بالظواهري، سواء بطريقة مباشرة اثناء وجوده في مصر، أو غير مباشرة منذ خروجه من مصر، ظلت تتسم دائماً بنوع من الفهم والتفاهم، بغض النظر عن توجهات كل منا واسلوبه في العمل. لكن الأمر اختلف كثيراً بعدما خرج الظواهري من افغانستان العام 4991 واتجه للاقامة في السودان مع بن لادن، إذ كان سبباً في تقاربهما وابتعاد الظواهري عن الاخرين، خصوصاً هؤلاء الذين عرفوه في مصر ولم يلحقوا به في افغانستان، التي عاد اليها عام 6991 شخصاً مختلفاً غير ذلك الرجل الذي عرفناه. تحول الظواهري الي جزء من البيئة المحيطة به وبدا مصراً علي السير في الطريق الذي حدده بن لادن ليس فقط لأن العمليات التي اضطلع بها عناصر الجهاد في مصر فشلت، كما أسلفت، ولكن أيضاً لأن منابع التمويل كانت قد جفت والروافد التي كانت تتدفق عبرها الاموال الي التنظيم كانت قد سدّت. هكذا كان قلبي ينعصر اثناء قراءة اعترافات عناصر الجماعة الذين سلموا الي مصر عام 8991 من ألبانيا وبلغاريا واذربيجان، فغالبيتهم لم تذهب الي تلك البلدان لأداء أدوار تنظيمية ارتضوا ان يقوموا بها باختيارهم وانما وصلوا الي هناك بعدما ضاقت بهم السبل فبحثوا عن مأوي ومكان يعيشون فيه بأمان، ومع ذلك فإن من عثر منهم علي فرصة عمل في المكان الذي استقر فيه كان يقتطع جزءاً من قوته ليساهم به في نشاط الجماعة التي كانت تحولت من تنظيم يسعي الي اقامة دولة اسلامية في مصر الي مجرد جناح تابع لتنظيم القاعدة ، فارتضي الظواهري أن يتخلي عن دور البطولة ليكتفي بدور مساعد البطل ودخل بالجماعة التي كانت امتداداً لتنظيم الجهاد صاحب التاريخ الطويل في حضن تنظيم وليد تسبب لاحقاً في أكبر ضربة اجهاضية للحركات والجهات والشخصيات الاسلامية في العالم. ولم تطل تلك الضربة جماعة الجهاد وحدها وإنما دفع الثمن ايضاً اشخاص وجهات اسلامية لم تكن برامجها أو خططها المستقبلية علي علاقة بتوجهات بن لادن والظواهري. كان من نتائج مبادرة الجماعة الاسلامية التي اتهمني الظواهري بالضلوع فيها، توقف حملات الشرطة المصرية ضد عناصر الجماعة في الصعيد والمدن الاخري، قبل أن تدخل تلك المبادرة حيز التنفيذ لم يكن أي اسلامي في مصر يشعر بالأمان، وكانت الحملات التي تستهدف اعتقال الاسلاميين لا تتوقف، أما بعد فالمبادرة سمحت السلطات باطلاق المئات وربما الآلاف ممن قضوا سنوات وسنوات خلف القضبان وبين جدران السجون بذريعة أن المناخ لا يسمح بإطلاقهم، وتحسنت كثيراً أوضاع السجناء لمن يقضون فترات العقوبة في قضايا تطرف أمام محاكم عسكرية وهم الذين ضيق عليهم لسنوات طويلة نكاية بهم وانتقاماً مما ينفذه زملاؤهم. وتحسنت صورة الجماعة الاسلامية في وسائل الاعلام ولدي الدوائر السياسية حتي أن شخصيات عامة وسياسية ينتمي أصحابها الي تيارات معادية للتيار الاسلامي طالبت بكيان قانوني لـ الجماعة الاسلامية وهو ما لم يكن مطروحاً أصلاً قبل المبادرة. أما في الخارج فإن الحملات التي شنتها اجهزة الامن في اكثر من دولة لم تشمل عناصر الجماعة الاسلامية إلا نادراً وحصل أكثر من قيادي في التنظيم علي حق اللجوء السياسي في اوروبا. أعترف بأن كل ذلك ليس كافياً، وبأن التضحية التي اقدمت عليها الجماعة الاسلامية والتحول التاريخي الكبير في مسيرتها كانا يستحقان أكثر وأكثر، لكنها من وجهة نظري خطوة كانت ستتبعها خطوات اخري لولا ما حدث في نيويورك وواشنطن والعولمة الامنية التي فرضتها اميركا علي الجميع.
زلزلت الارض تحت أقدام الاسلاميين في كل مكان وواجهت حركات اسلامية لم يكن استهداف اميركا ضمن برامجها ثمن الخطأ الكبير. وقبل أن يفهم كلامي بصورة خاطئة، وجب التوضيح ان معاداة اميركا أمر لا يختلف عليه وطني أو اسلامي فما ارتكبته وترتكبه اميركا ضد العرب والمسلمين أمر يحتاج الي كتب وكتب لتسجيله، إذاً لا خلاف علي أن التصدي لاميركا واجب شرعي وضرورة حتمية لكن اسلوب التعاطي مع الدولة العظمي في العالم كان محل خلاف بيني وبين الظواهري، والسير وراء الرغبة الانتقامية لدي بن لادن من دون حساب لردود الفعل الاميركية والدولية وتأثيرها في مستقبل الحركات الاسلامية تسبب في تقديم الاسلاميين الي الاميركيين وحكومات دول اخري علي طبق من ذهب ليفتكوا بهم علي مرأي من الجميع.
اعتمد بن لادن والظواهري في عملياتهما ضد الاميركيين قبل ضرب نيويورك وواشنطن، اسلوباً يقوم علي توصيل الرسالة الي الاميركيين من دون منحهم سنداً قانونياً يثبت انهما كانا وراء تلك العمليات، بدءاً من نشاط أتباع بن لادن في الصومال عام 3991 وقتالهم الي جانب قوات فارح عيديد ضد القوات الاميركية ومروراً بتفجيرات الرياض والخبر والسفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام، ونهاية بتدمير المدمرة كول في ميناء عدن، تفادي بن لادن الاعتراف صراحة بأنه كان وراء تلك العمليات واختار دائماً أن يظهر بعد كل حادث بأسابيع أو شهور ليبارك ما جري ويثني علي الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من اجل الاسلام. وبعد الاحداث الأخيرة ظهر الجميع علي شاشات الفضائيات فهدد بن لادن الاميركيين وتوعد واعترف ضمنياً وترك للظواهري فرصة للظهور وقدم وجهاً جديداً الي المشاهدين فتحدث ابو غيث عن عاصفة الطائرات. وجد الاعلام الغربي ضالته فصار يتحدث عن الاسلحة الكيماوية التي يملكها بن لادن وجيش القاعدة الذي أصبح الظواهري أحد قادته، وزاد الحديث عن قدرة طالبان علي الصمود والتصدي لأي عدوان اميركي والدروب والكهوف التي يستحيل علي أحد غير الافغان والعرب المقيمين هناك الوصول إليها والنفاذ منها. وخرجت تظاهرات الغاضبين ضد الحرب الاميركية ممن تعاطفوا مع ابناء الشعب الافغاني وخدعتهم شعارات القوة التي سمعوها من بن لادن والظواهري. لكن كل ذلك تبخر في الهواء وضاع ادراج الرياح وصدم المتعاطفون مع بن لادن ومحبي الحركة الاسلامية وهم يرون رجال طالبان يسلمون أسلحتهم الي قوات التحالف الشمالي تارة ثم الي رجال القبائل من البشتون تارة اخري، وسقطت المدن الافغانية الواحدة وراء الاخري، وراحت كرة الثلج تكبر يوماً بعد يوم، وخسرت طالبان الحكم، وخسر بن لادن والظواهري طالبان ، وضاعت الدولة التي حمت الاسلاميين سنوات وسنوات، وصارت الصحف الاولي في العالم مثل صفحات السوفيات تزخر بأخبار الاسلاميين الذين قتلوا بالقصف الاميركي أو بقذائف التحالف الشمالي، وهكذا اوصلنا التخطيط غير المدروس الي تلك النتيجة، بل إن آخرين ممن لم يكونوا يوماً أعضاء في القاعدة أو علي علاقة بزعيمها بن لادن، أو كانوا حتي علي خلاف مع الظواهري، وجدوا انفسهم ضحايا حرب لم يختاروا أن يخوضوها. وبدلاً من أن تظل الصورة المرسومة في اذهان الكثيرين بأن اسلاميين عرب يقيمون في افغانستان لأنهم ضحايا انظمتهم وحكوماتهم التي دأبت علي مضايقتهم في كل مكان تحولت الصورة ليصبح هؤلاء الذين نزحوا الي افغانستان وشاركوا في الجهاد ضد الاحتلال السوفياتي ضحايا بن لادن والظواهري. فالحديث عن جيش القاعدة لم يكن في محله، فلا للقاعدة جيش، ولا كل من وجد في افغانستان علي علاقة بذلك التنظيم، كان هناك مئات بل آلاف من خيرة شباب الامة الاسلامية اختاروا الجهاد في سبيل الله ووجدوا في افغانستان ارض الجهاد، فأدوا تلك الفريضة واستقروا هناك وعاشوا وتزوجوا وانجبوا اطفالاً، حاصرتهم لاحقاً القنابل الاميركية من دون ذنب اقترفوه ومن دون أن يكون لهم خيار آخر.
ولعل السؤال الذي ظل يدور في اذهان الكثيرين من دون أن نجد اجابة له هو: هل كان الظواهري يقدر رد الفعل الاميركي تجاه الهجمات في نيويورك وواشنطن قبل أن يضع الخطط ويصدر التكليفات بتنفيذها؟ وأقول الظواهري وليس بن لادن، لانني علي يقين بأن الاول كان اللاعب الرئيسي في تلك الأحداث، اما الاجابة فإنها بالتأكيد: لا. إن ابسط قواعد المعارك والصراعات تقول إن قياس رد فعل الخصم أمر واجب قبل الاقدام علي عمل يستفزه ويؤثر فيه. ربما اعتقد الظواهري أن رد الفعل الاميركي سيشبه ما جري بعد تفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام، أي سيقتصر علي قصف بعض المواقع في افغانستان بالصواريخ العابرة، وتلك كانت نظرة قاصرة وحساب غير متقن، وكان عليه أن يتيقن بأن الانتقام الاميركي سيكون بحجم الصدمة التي احدثتها احداث ايلول (سبتمبر) وأن الاسد الجريح سيحاول أن يعيد كرامته بغض النظر عن صورة الاسد لدي الآخرين.
وحين كنت أشاهد الظواهري وخلفه ابن لادن يتحدثان عن أحداث أيلول من دون أن يعلن أي منهما مسؤوليته بصورة دامغة عنها أو ينفي كلاهما صلته قطعياً بها وكأنهما يتلذذان بالحيرة التي تضرب الجميع، تحسرت علي الأيام الخوالي حين كانت جماعة الجهاد تسارع إلي إعلان مسؤوليتها عن أي عملية ينفذها اعضاؤها بعد ساعات من تنفيذها علي رغم أن ذلك التصرف كان يمكن أن يفسر علي أنه يسهل مهمة أجهزة الأمن المصرية في حصر دائرة الاشتباه في عناصر الجهاد من دون أعضاء التنظيمات الأخري. وقتها كانت المبادئ لا تجزّأ وكان إعلان المسؤولية جزءاً من العملية نفسها، دارت الأيام ووجدنا من يهتم برفض ابراء ذمته وكأنه يريد أن يركب موجة عمل لم ينفذه، وكذلك يأبي أن يقر بما فعله، لأنه يخشي رد الفعل، ويضع التوازنات السياسية والمصالحية كمعيار مقدم علي صفة الشجاعة. هناك حقيقة هي أن بن لادن والظواهري ربما حرصا علي عدم إحراج حركة طالبان التي كانت تؤويهما مع باقي الإسلاميين العرب وتنفي عنهم جميعاً استهداف المصالح الاميركية، لكن الغريب أن التصرف نفسه من جانب الاثنين استمر حتي بعدما بدأت الحرب الاميركية ضد أفغانستان بل حتي بعدما اندحرت طالبان ، فلا هما نفيا بشكل قاطع صلتهما بالهجمات في نيويورك وواشنطن، ولم يعلنا صراحة ما إذا كانت لهما علاقة بما جري أم لا؟ وكان أجدر بهما أمام الجميع أن يعلنا موقفاً صريحاً لا لبس فيه، فلن يصيبهما إلا ما كتب الله لهما. والحقيقة أن هذا الاسلوب قوبل باستهجان من جانب غالبية قادة الحركات الإسلامية سواء المقيمين في مصر أو الموجودين في الخارج ممن كانوا علي اتصال بي، وهم لم يعترضوا فقط علي التصرفات التي أفضت إلي النتائج التي وصلنا إليها، ولكن أيضاً استذكروا مسألة عدم الوضوح. ولم تتوقف ردود الفعل الغاضبة علي إصرار الظواهري علي ربط الإسلاميين المصريين ببن لادن عند حدود أصحاب التوجهات السلمية، ولكن أيضاً حتي بين الصقور ممن رأوا أن المعركة ضد أميركا تسببت في إطاحة آمال من كانوا يقيمون في دول عدة خارج مصر ويأملون بالعودة إلي الصراع مع الحكومة المصرية. فالعالم كله الآن صار يضع الإسلاميين جميعاً في بوتقة واحدة وتحت وطأة الضغوط الاميركية. لم تعد هناك دولة واحدة تقدر علي احتمال أن توجه إليها شبهة احتضان من يعادون أميركا بل أن كثيراً من الدول تجاوزت المطلوب منها وإمعاناً في إبداء فروض الولاء والطاعة للبيت الأبيض باشرت إجراءات ضد كل المظاهر الإسلامية. هل كان أحد يتصور أن دولة أوروبية غربية ستقدم علي تسليم إسلاميين مقيمين لديها؟ لقد كان الانطباع الراسخ لدي الإسلاميين ان مجرد الوصول إلي دولة أوروبية وتقديم طلب لللجوء السياسي كفيل بإقامة دائمة أما بعد أحداث أيلول 1002 فإن الحال تغيرت، وها هي السويد سلمت أحمد حسين عجيزة ومحمد ابراهيم سليمان الذري، والخوف كل الخوف أن يكون الباقون في الطريق. أما بريطانيا فحدث ولا حرج فالحملات ضد الاخوة هناك صارت كتلك التي كانت تجري في سنوات سابقة في اسيوط وسوهاج والمنيا.
ليس سراً أنني ساهمت بجهد بسيط في حصول أكثر من أخ علي حق اللجوء السياسي في أوروبا وتسبب نشاطي في ذلك المجال في إثارة غضب الحكومة المصرية، لكنها المبادئ لا تتجزأ، ناضلت وكافحت للحصول علي أوراق ثبوتية وشهادات تثبت أن طالبي اللجوء في الخارج مضطهدين في مصر وتشاجرت مع موظفي سفارات أجنبية في مصر لأنهم كانوا يعطلون إجراءات أو يتحاشون إغضاب الحكومة المصرية ونسقت مع منظمات حقوقية دولية وإقليمية ومحلية من أجل تخفيف الضغوط علي إخواني في الخارج، وعندما طلب مني الظواهري أثناء وجودي في لندن الهجرة إلي بريطانيا والاقامة فيها بعدما تعهد بأن يبذل أقصي جهد حتي أحصل علي حق اللجوء السياسي كان ردي أن إخواني سيخسرون جهودي في العمل في الداخل لمصلحتهم.
حتي جماعة الإخوان المسلمين لم تسلم من الحملة الاميركية التي اندفعت لتحصد نتائج الحملة علي كل ما هو إسلامي، فكانت الإجراءات الاميركية التي اتخذت ضد بنك التقوي علي رغم عدم وجود أي علاقة بين البنك وبين تنظيم القاعدة أو جماعة الجهاد . وبعدما هاجم الظواهري الإخوان في كتابه الحصاد المر وجدت الجماعة بعد سنوات نفسها تدفع ثمن عمل لا علاقة لها به فاضطرت إلي السعي إلي ابراء ذمتها من كل إسلامي محسوب علي الراديكاليين وبدلاًَ من أن نسعي جميعاً إلي تحقيق حلم عبود الزمر القديم في توحيد كل الجماعات الإسلامية زادت الفرقة وتباعدت المسافات بين كل جماعة وأخري وصار اصطياد كل منها علي انفراد سهلاً وهيناً.
لا أعرف وقت كتابة تلك السطور ما إذا كان الظواهري حياً أو صار بين يدي الله، وأعلم أنه عاش محنة قاسية من جراء الحرب الأميركية ضد أفغانستان، وانعصر قلبي حين تلقيت نبأ استشهاد زوجته السيدة عزة نوير وابنه محمد بالقنابل الاميركية، وتمنيت دائماً أن ينجو الظواهري وإخوانه وأن يرد الله كيد الاميركيين. لكن كل ذلك لا يجعلنا نضع رؤوسنا في الرمال خصوصاً بعدما خرج الظواهري بما كان خاصاً إلي الشيوع وتحدث في كتابه فرسان تحت راية النبي عن وقائع لم يكن أحد من العامة علي علم بها، وعلق علي أحداث من دون أن يذكر كل الحقائق فشوّه سيرة اشخاص وبدت الصورة غير واضحة وصار التصحيح لازماً والتوضيح واجباً علنّا نستفيد من أخطائنا ولعل الله يغفر لنا ذنوبنا.
وربما فات الظواهري أن يعاير الجماعة الاسلامية بأن السلطات المصرية قتلت اثنين من أبرز عناصرها وهما: فريد سالم كدواني وعلاء عبدالرازق علي رغم السياسة السلمية للتنظيم ولم يطلب من قادة الجماعة العمل للثائر لهما، وفاته ايضاً أن يحمّلني جريرة استشهاد الاثنين كدواني وعبدالرازق. والحقيقة أن استشهادهما كان اختباراً صعباً لـ الجماعة الاسلامية ، إذ ترقبت كل الأوساط رد فعل الجماعة. وما اذا كانت ستقدم علي تنفيذ عمل انتقامي أم لا. وبالنسبة إليّ فإنني استنكرت وأدنت إقدام السلطات علي ذلك العمل وكذلك فعلت الجماعة الاسلامية ، لكن وجبت الاشارة الي أن التوجه السلمي كان خياراً لـ الجماعة الاسلامية لم يدفعها إليه أحد، وبالتالي فإن الحوادث والمتغيرات التي قد تطرأ علي الساحة لم تكن لتغير ذلك التوجه، وإلا كانت المبادرة السلمية وقرار وقف العمليات العسكرية مجرد تكتيك لجأت اليه الجماعة حتي تستعيد قوتها مرة أخري، والحكيم هو من يستطيع التحكم في رد فعله ويرسم سياساته وفقاً لمصالحه ومصالح المرتبطين به من دون التنازل عن ثوابت دينية وأخلاقية. وكان من السهل علي الجماعة الاسلامية عقب استشهاد كدواني وعبدالرازق ان ترفع نبرة التحدي وأن تطلق التهديد والوعيد، وربما كان الظواهري سيرضي بذلك وقتها بغض النظر عن النتائج، فهو عادة لا يهتم بحساب النتائج. وهنا أود الاشارة الي قضية مهمة تتعلق بزعيم الجماعة الاسلامية الدكتور عمر عبدالرحمن، الأسير حالياً في السجون الاميركية، فقد عرضنا موقف الظواهري من مسألة إمارة الشيخ عبدالرحمن للتحالف الذي كان قد ابرم بين الجماعة الاسلامية وتنظيم الجهاد ، وتبين ان الظواهري كان واحداً ممن تسببوا في فض التحالف ، ومع ذلك فإن الظواهري لجأ كثيراً في مراحل لاحقة، خصوصاً بعدما بدأ تحالفه مع بن لادن يلعب ورقة الدكتور عمر عبدالرحمن واستغلها في اثارة المشاعر ضد الاميركيين. والحقيقة أننا دائماً، كأبناء للشيخ وكذلك افراد أسرته، كنا وما زلنا نؤكد انه عالم جليل وأن قضية أسرِه تخص كل محبيه وابنائه وتلاميذه وإخوانه وحرصنا دائماً علي ألا تتحول قضية الشيخ وسيلة يحقق بعضهم من ورائها اغراضاً معينة، وتفادينا أيضاً ألا يزايد علينا أحد بادعاء العمل من أجل اطلاق الشيخ من دون الحقيقة.
وفوجئنا بأن البيانات التي اصدرها الجيش الاسلامي لتحرير المقدسات ، والتي تبني فيها تفجير سفارتي اميركا في نيروبي ودار السلام ضمت اسم الشيخ عمر عبدالرحمن باعتبار أن قضيته كانت أحد الأسباب التي دعت الي تفجير السفارتين. وبعدها بنحو سنتين وجدنا الظواهري وبن لادن يظهران في مؤتمر صحافي عقداه في افغانستان وتحدثا عن الشيخ عمر عبدالرحمن بل انهما زجا بنجل الشيخ، محمد عبدالرحمن المعروف باسم أسد الله ليلقي كلمة عن والده، ومن يومها صارت أجهزة الأمن في العالم تعتبر نجلي الشيخ اسد الله وشقيقه أحمد المعروف باسم سيف الله ضمن العاملين في تنظيم القاعدة علي رغم ان اسميهما لم يردا أبداً في لائحة المطلوبين لدي أي دولة وحتي في مصر لم تتناول السلطات أبداً أي دور لـ اسد الله أو لـ سيف الله ، ولم تتهم احدهما أو كليهما في قضية واحدة من بين عشرات القضايا التي نُظرت في محاكم مدنية أو عسكرية واتهم فيها اعضاء الجماعة الاسلامية . وافضي ذلك التصرف من جانب الظواهري وبن لادن في النهاية الي استشهاد اسد الله اثناء القصف الاميركي لمنطقة تورا بورا بعد أيام من سقوط شقيقه سيف الله في الأسر ووقوعه في قبضة السلطات الاميركية التي هللت للأمر واستخدمته للايحاء للشعب الاميركي بأن الحملة الاميركية ضد افغانستان أثمرت بالقبض علي قيادي بارز في تنظيم القاعدة هو سيف الله . والكل يعلم أنه وشقيقه منذ ان ذهبا الي افغانستان قبل أكثر من عشر سنوات لم يعملا ضمن القاعدة أو جماعة الجهاد ولكنهما أيضاً، مثل مئات وربما آلاف من الاسلاميين، دفعا ثمن خطأ لم يرتكباه، وبعدما كانت اسرة الشيخ تناضل من أجل اطلاقه وجدت نفسها ونحن معها نناضل للعمل علي اعادة سيف الله الي مصر. والواقع أن قضية الشيخ تهم الجميع لكنها في المقام الأول تهم الجماعة الاسلامية نفسها، وهي الجماعة التي اختارت الشيخ مفتياً وزعيماً لها ولم تكل أو تمل من العمل علي تحريره من الأسر، ولكن بالطرق التي يمكن بالفعل ان تؤدي الي تحريره وليس الي زيادة الضغوط عليه. وبين عشرات العمليات التي نفذتها الجماعة الاسلامية ، حتي حادثة الأقصر العام 7991، كان يمكن للجماعة أن توجه إحدي عملياتها الي هدف اميركي سواء في مصر أو خارجها، لكن النظرة الثاقبة والرؤية التي تقوم علي حسابات دقيقة خلصت إلي أن أي عمل يقوم علي استهداف الاميركيين لن يكون في مصلحة الشيخ عبدالرحمن وأن الضرر سيكون أكبر من النفع. واشهد ان القادة التاريخيين لـ الجماعة الاسلامية حينما اطلعوا علي ما نشرته صحيفة الحياة في شهر شباط (فبراير) عام 8991 عن تأسيس الجبهة الاسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين ولاحظوا وجود اسم الأخ رفاعي أحمد طه باعتباره وقّع علي البيان التأسيسي للجبهة مع اسامة بن لادن وايمن الظواهري حملوني رسالة قمت بتوصيلها الي طه تضمنت انتقادات شديدة لتلك الجبهة وللأفكار التي وردت في البيان التأسيسي والأهداف التي سعت الي تحقيقها. وطالب القادة التاريخيون منه وقتها اعلامهم بالأسباب التي دفعته الي التوقيع علي ذلك البيان والزج باسم الجماعة في الدخول ضمن تحالف يسعي الي تحقيق أهداف لم تكن أبداً ضمن برنامج الجماعة أو أولوياتها. ولعل ذلك يفسر إقدام طه في نهاية شهر تموز (يوليو) من ذلك العام علي إصدار بيان أوضح فيه أنه لم يوقع علي بيان الجبهة وانه سُئل عبر الهاتف عن مشاركته في التوقيع علي بيان لاعلان النصرة للشعب العراقي الذي كان يتعرض لقصف اميركي فوافق. وللأسف فإن الظواهري تحاشي سواء في بياناته أو في كتابه الأخير التعليق علي تلك القضية. فهو حرص فقط علي أن يتناول كل ما يخالف توجهاته وتفادي أي إشارة الي ما يمكن ان يسبب لهم حرجاً. وعموماً فإنني لم أهدف طوال تاريخي في الحركة الاسلامية إلا وجه الله ورفعة الاسلام وإغاثة إخواني من كل الجماعات، حتي أن أجهزة الأمن المصرية نفسها، اضافة بالطبع الي مراسلي الصحف ووسائل الاعلام، احتاروا دائماً في حصري ومحاصرتي، وحين كنت اضطلع بأي دور قانوني لمصلحة عناصر من الجهاد فإن تلك الجهات كانت تقدمني علي أنني عضو في الجهاد ثم تفاجأ بأنني في يوم آخر أدافع عن متهمين في قضايا تخص الجماعات الاسلامية أو أسعي إلي مساعدة أخ لا ينتمي الي تنظيم بعينه كي يحصل علي حق اللجوء السياسي في دولة أوروبية .
عن "الحياة" اللندنية ، و"القبس" الكويتية
(الحلقة5)
(الحلقة4)
(الحلقة3)
(الحلقة2)
(الحلقة1)
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف