&
الظواهري ترك مصر للتخلص من ذكريات السجن
في الحلقة السابقة رصد منتصر الزيات دور أيمن الظواهري في الخلاف بين تنظيم الجهاد و الجماعة الإسلامية، وتناول الجذور الفكرية للظواهري. وفي حلقة اليوم يروي خلفيات سفر الظواهري من مصر الي أفغانستان والسودان واليمن، ويكشف عن أزمة نفسية عميقة مر بها الظواهري نتيجة اعترافه تحت ضغوط التعذيب بعد القبض عليه في قضية السادات وأدلائه بمكان وجود القيادي البارز في تنظيم الجهاد عصام القمري الذي كان يعد أقرب المقربين اليه ما مكّن السلطات المصرية من القبض عليه.
عاتبني الأستاذ محفوظ عزام المحامي البارز، خال الدكتور أيمن الظواهري، قال: إنك تردد دائماً أن منهج الظواهري كان انقلابياً عنيفاً وأنا أخالفك هذا الرأي ولي تحفظ علي توصيفك لفكره بالانقلابية والعنف .
كان الأستاذ عزام، كرجل قانون وأحد شيوخ أسرة عزام التي تنتمي إليها والدة الظواهري، يري عدم صحة رأيي في طيات الحكم في قضية الجهاد الكبري عام 1984 الذي فند التهم التي نسبت إلي أيمن اذ قضت المحكمة ببراءته من كل هذه الاتهامات ورفضت مذكرات التحريات التي قدمتها أجهزة الأمن التي عرضت علي المحكمة، وفيها ان ايمن كان يتزعم مجموعة أو قيادة تنظيم. ورأي عزام دائماً أن المحكمة تيقنت واستقر في يقينها وثبت لها من الأوراق أن تلك الاتهامات لا سند لها، وأن الحكم الذي أصدرته المحكمة بإدانة أيمن بالسجن ثلاث سنوات كان لحيازته مسدساً وهو أمر مختلف فمن الطبيعي أن يحوز أي إنسان مسدساً في مصر لظروف متغايرة.
والأمر الثاني حسبما يري الأستاذ عزام نفياً للانقلابية في فكر أيمن الظواهري استقاه أيضاً من الأوراق في القضية 462 لسنة 1981 بأن أيمن سارع بعد حادثة المنصة بالذهاب إلي عبود الزمر في مخبئه في الهرم ثائراً محتجاً قائلاً له: بأي حق قتلتم الناس في مديرية الأمن بأسيوط، هذه مسألة لا أوافق عليها . وهذا هو الفارق بين تقويمي ورؤيتي لفكر الظواهري من منطلق التأريخ والرصد له كقيادي قديم في حركة الجهاد وبين الرؤية القانونية للأستاذ عزام. تأثر عزام بمهنته كمحام خصوصاً أنه الذي تولي الدفاع عن الظواهري في قضية الجهاد، وأيضاً بصلة القربي والرحم كخال وعميد لأسرة والدته. واعتقد أن النظر إلي فكر الظواهري بهذه الطريقة يقلل كثيراً من قيمته. لم نختلف فقط علي النظرة العائلية الوحيدة التي فسر بها محفوظ عزام تصرفات الظواهري وفكره، ولكنا اختلفنا ايضاً علي سبب خروج الظواهري من مصر. رأي عزام أن الظروف هي التي حالت دون عودة الظواهري إلي مصر علي أساس أن التعذيب الذي تعرض له داخل السجن بعد القبض عليه في تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1981 واتهامه ظلماً، والاجواء التي سادت مصر بعد اغتيال السادات منعته من العودة. ودلل عزام علي رغبة أيمن في العودة إلي مصر باحتفاظه لسنوات طويلة بعيادته الخاصة في المعادي، يدفع إيجارها رغم ارتفاعه وتضاعف قيمته عاماً وراء عام لأن لديه أملاً في العودة إلي الحياة الطبيعية.
وليسمح لي الأستاذ محفوظ عزام ولتسمح لي أسرة الدكتور أيمن الظواهري بأن اختلف معهم حول هذه النقطة تحديداً.
فالدكتور أيمن خرج من مصر عامداً متعمداً وليس هو فحسب وإنما خرج كثيرون أيضاً من شباب الحركة الإسلامية وقادتها بعد الإفراج عنهم في قضية الجهاد وكانت أفغانستان أرضاً مناسبة لاستقرارهم حيث يتوافق مناخها وأجواء القتال والجهاد فيها مع أمانيهم وغاياتهم.
لم يطق الظواهري البقاء في مصر بعدما كشفت أجهزة الأمن سرّه وأحبطت مخططاته. فهو اعتمد، حسبما أسلفنا، علي الدعوة السرية والعمل التنظيمي السري، وحرص علي استقطاب وتجنيد عناصر داخل القوات المسلحة وكان اختياره لهم بعناية فائقة، اذ اختمر في ذهنه الانقلاب العسكري كوسيلة للتغيير بأقل الخسائر وكان كشف هذا السر محبطاً لخططه، ثمّ انه أصبح تحت رقابة ومتابعة أمنية لن تمكنه من الاستمرار علي النهج ذاته الذي لا يملك غيره ولا يعتقد بصحة سواه.
وهنا يلزم أن نشير الي طرفة تظهر إصرار الظواهري علي السفر الي خارج البلاد، إذ أنه اصطدم بمعارضة أمنية ولم يستطع الحصول علي تصريح العمل وهو المسوغ الذي يسمح بمغادرة المطار ويستلزم الحصول عليه موافقة الجهات الأمنية. لجأ الظواهري إلي حيلة تكشف عن دهائه وإتقانه التمويه فقدم جواز سفره إلي إحدي الشركات السياحية للحصول عن طريقها علي تأشيرة دخول لدولة تونس ضمن فوج سياحي، وساعده علي الخروج من المطار ضمن هذا الفوج السياحي تشابه في الأسماء، ووصل فعلاً الظواهري الي تونس سائحاً وغادرها سريعاً إلي جدة حيث عمل لأشهر وجيزة في مستوصف ابن النفيس قبل أن يمهد المجال لدخول باكستان ومنها إلي أرض الجهاد في أفغانستان.
الأمر الثاني الذي يعكس إصرار الظواهري وتخطيطه لعدم العودة هو ما عاناه داخل السجن من تعذيب حمله علي الاعتراف ضد أصدقائه بل ضد أتباعه وتلامذته وإرشاده أجهزة الأمن للقبض علي صديقه ورفيق كفاحه عصام القمري، ربما أعتقد الظواهري أنه سيفقد كثيراً من زعامته في نظر تلامذته ورفاق تنظيمه، وقد تجاهل الظواهري في كتابه الأخير ذكر هذه الوقائع وأشار إليها مجهلة عند حديثه عن القمري وأسباب القبض عليه.
ومن الضروري أن نطلع علي رواية أيمن لهذه النقطة في أقواله في التحقيقات في القضية الرقم 462 لسنة 1981 في الصفحة 3، قال: تم القبض عليّ أول أمس الجمعة حوالي الساعة 11.30 صباحاً في المعادي أثناء سيري في شارع النهضة، وقد طلب مني في مباحث أمن الدولة الإرشاد الي مكان عصام القمري لأنه صديق لي. ونظراً لعلمي بأن عصام القمري يختبئ في ورشة خراطة بمنشية ناصر دائرة قسم الجمالية فقد أرشدت رجال المباحث الي هذا المكان ثم اصطحبوني بعيداً عنه ولم أشاهد ما حدث. وصباح هذا اليوم علمت بأن عصام اتصل بي هاتفياً في منزلي وطلب مقابلتي الساعة 5.30 مساء هذا اليوم في زاوية قرب ميدان الكيت كات اعتدنا ان نلتقي فيها، وطلب رجال المباحث مني التوجه إلي هذه الزاوية لمقابلته هناك حتي يتم ضبطه خشية حدوث خسائر في الأرواح فتوجهت معهم إلي الزاوية وجلست فيها تحت نظر رجال المباحث حتي حضر عصام وأثناء قيامه بتأدية ركعتي تحية المسجد تم القبض عليه .
وتحدث الظواهري أيضاً في التحقيقات عن ظروف القبض علي أحد أفراد مجموعته وهو نبيل البرعي، فقال في الصفحة 28 مجيباً عن سؤال للمحقق عن مدة احتفاظ نبيل البرعي بالمتفجرات والذخائر في منزله: من ساعة إرسالها إليه في شهر حزيران (يونيو) الماضي حتي تم القبض عليه قبل يومين بإرشادي .
وعاد الظواهري مرة أخري في الصفحة 42 من الاستجواب فتحدث عن كيفية ضبط عصام القمري، قال: تم ضبطه في زاوية قريبة من ميدان الكيت كات بإرشادي اذ اتصل بمنزلي هاتفياً وكان تم القبض عليّ فرد عليه أحد رجال الأمن مقرراً له أنه قريبي فأبلغه عصام القمري أنه يريد مقابلتي في الساعة 5 مساء هذا اليوم في زاوية الكيت كات التي كنت التقي فيها معه من قبل وقد تم إعداد كمين له حيث تم ضبطه أثناء تأديته للصلاة في الزاوية .
وإذا كان أيمن الظواهري أدلي بهذه الأقوال أمام وكيل نيابة أمن الدولة العليا يوم 25/10/1981 فإن ما سبب آلاماً نفسية مبرحة معنوية له هو اقتياده إلي المحكمة العسكرية العليا التي كانت تحاكم عصام القمري وزملاءه الضباط عبدالعزيز الجمل وعوني عبدالمجيد وسيد عباس وجمال راشد ليدلي بأقواله بصفته شاهد إثبات ضدهم في الجلسة التي انعقدت يوم 6/12/1981.
وسألته المحكمة العسكرية:
س - ما هي علاقتك بالرائد عصام القمري؟
قال: الرائد عصام القمري تعرفت عليه خلال شهر شباط (فبراير) 1981 وبقيت أقابله تباعاً حتي قبض عليّ خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1981.
وسألته المحكمة عن طبيعة هذه العلاقة، فقال:عرفت أنه هارب من الجيش وكنت أساعده وأحياناً بييجي عندي في العيادة ودبرت له شقة وأعطيته فلوس وسلمته سلاح المسدس المضبوط وسلمته أسلحة أخري حوالي خمس مسدسات ورشاشين بور سعيدي وسلمته بعض الطلقات لا أذكر عددها . واستطرد الظواهري في شهادته أمام المحكمة تفصيلاً بمعلومات تنظيمه ضد القمري وعبدالعزيز الجمل.
ومن المؤكد أن سبب إقرار الظواهري بهذه الاعترافات هو تعرضه لقدر هائل من التعذيب والإكراه المادي والمعنوي فدفع عن نفسه بإذعانه واعترافاته مما ترك مرارة في نفسه رغم العذر الشرعي في مثل حالته. لكن الظواهري لم يستطع أن يبرأ سريعاً من هذه التجربة التي يمكن أن ينحني فيها قائد أو زعيم تنظيم خصوصاً أنها اقترنت بتسببه في القبض علي أفضل اخوانه وأصدقائه فآثر أن يرحل عن مصر وكان يعرف الي أين يذهب فقد سبق له السفر إلي أفغانستان عام 1980 وعمل في مستوصف السيدة زينب التابع للجمعية الطبية الإسلامية التابعة لـ الإخوان المسلمين ، وعرض عليه أن يكون ضمن القافلة الطبية التي تذهب لتقديم الخدمات الطبية للمهاجرين الأفغان، وهو رأي علي الطبيعة هذا الميدان الضخم للجهاد، ولقد حدد الظواهري منذ وطئت قدماه أرض أفغانستان للمرة الأولي عام 80 أنها الأرض المناسبة والمحضن الملائم للعمل الجهادي.
ميّز كثيرون بين الدكتور أيمن الظواهري وحليفه القوي أسامة بن لادن من حيث الأداء الخطابي والأسلوب البلاغي، ورأوا تأخر الظواهري في هذه الموهبة عن حليفه بن لادن الذي وصل بكلماته إلي قلوب الناس في بساطة، ويمكن أن يرجع ذلك لأسباب عدة منها أن الظواهري فعلاً غير موهوب بجماليات الخطابة وفنونها وإن كان يملك قدرات عالية في مجالات الإقناع والدعوة الفردية وتجنيد الأفراد نظراً لترتيب أفكاره ووضوح أهدافه وقدرته الفائقة علي التخطيط ومنها أيضاً أن القضية التي تعلق الحديث بشأنها هي قضية أصيلة بالنسبة إلي بن لادن وتعد بحق استراتيجية لديه وأقصد قضية الوجود الأميركي في منطقة الخليج ومن ثمّ الدور الأميركي في مساندة الصهاينة في فلسطين. فكان طبيعياً أن تبدو كلماته أوضح في التعبير عن قضيته المحورية في الوقت الذي تعد هذه القضية حديثة بالنسبة للظواهري ومرتبطة بتحولاته الأخيرة التي سنفرد لها مجالاً لاحقاً، وهي مرتبطة أكثر بتحالفاته مع بن لادن تحت وطأة ظروف قاسية، فكان لزاماً أن يكون أداء الظواهري أضعف من بن لادن خطابياً وان تميز عنه تخطيطاً وتكتيكاً.
علي هذا النحو يمكن النظر إلي مناورات أيمن الظواهري الخططية والتي بدت واضحة في مراوغات طويلة امتدت سنوات أوهم خلالها العالم بأنه يقيم في سويسرا وأربك أجهزة الاستخبارات المتعددة حينما وجه الدعوة الي عقد مؤتمر صحافي عالمي في فندق دورونا في جنيف في سويسرا عام 1993. وتوجهت الأنظار إلي القاعة التي حددها في بطاقات الدعوة التي أرسلها الي مراسل صحيفة الحياة في القاهرة الاستاذ محمد صلاح عبر الفاكس، لكنه أرسل بعدها معتذراً عبر بيان آخر أعلن فيه عن الغاء المؤتمر المزعوم مبرراً ذلك باكتشافه محاولة دبرها الأمن المصري لاغتياله. وتبين بعد ذلك بسنوات أن الظواهري لجأ الي تلك الحيلة في الوقت الذي كان يرتب للخروج من أفغانستان والانتقال إلي السودان واليمن وهو آمن تحت ستار دخان كثيف من الإشاعات والدعايات المصطنعة حول مكان إقامته.
أفغانستان القاعدة
عبّر الظواهري عن قناعته بضرورة خروجه من مصر واستقراره في أفغانستان، وكان ذلك في وقت مبكر بعد ضبطه واتهامه في قضية تنظيم الجهاد عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. فهو ذهب الي افغانستان مرتين في مهمات اغاثية خلال عام 80 - 81 وقضي نحو سبعة شهور استطلع خلالها الأرض وعاينها. وقال في كتابه الأخير: باحتكاكي بساحة الجهاد الأفغاني تبين لي منذ عام 1980 مدي ثراء هذه الساحة ومدي النفع الذي تقدمه للأمة المسلمة عموماً وللحركة الجهادية خصوصاً، وأدركت ضرورة الاستفادة من هذه الساحة ولذا بعدما مكثت فيها أول مرة قرابة أربعة أشهر عدت مرة أخري في آذار (مارس) عام 81 ومكثت حوالي شهرين اضطررت بعدها للعودة الي مصر نظراً للظروف الضاغطة هناك، ثم شاء الله - وهو المحمود علي السراء والضراء - أن أمكث في السجن في مصر ثلاث سنوات انتهت أواخر عام 1984 ولكن نظراً لظروف خاصة بترتيب أوضاعي لم أتمكن من العودة إلي ساحة الجهاد الأفغاني إلا منتصف عام 1986، وخلال احتكاكي وتعاملي مع العاملين في هذه الساحة اتضحت لي حقائق في غاية الخطورة لا بد من تسجيلها أهمها أن الحركة الجهادية في حاجة إلي ساحة جهادية تكون لها بمثابة المحضن الذي تنمو فيه البذرة النابتة وتكتسب فيها خبراتها العملية والقتالية والسياسية والتنظيمية .
وعلي هذا كانت أفغانستان بالنسبة الي الظواهري هي الأرض التي تعوضه عن انكشاف تنظيمه داخل مصر وعدم قدرته علي الاستمرار في نهجه السري بالطريقة ذاتها التي سبقت ضبطه عام 1981، وهو استغل وجوده علي الأراضي الافغانية لإعادة تأهيل وتدريب العناصر التي نجح في ضمها إلي تنظيمه بمعزل عن المؤثرات التي يمكن أن تحيط بعملية الإعداد داخل مصر حيث أجواء المطاردات والمتابعات الأمنية وحالة الانفتاح الفكري التي كان يمكن أن تناقش حججه وجدوي منهجه في مجتمع مفتوح يناقش الأفكار ليس فحسب في دوائر السلطة والإعلام ولكن أيضاً داخل دوائر الحركة الإسلامية نفسها علي اختلاف فصائلها، أما المجتمع المغلق مثل المجتمع الأفغاني الذي تسيطر عليه أجواء الحرب ضد الروس ويعلوه غبار القتال فإنه كان أكثر ملاءمة لإعداد الشباب المسلم لجهاد يخوض معركته المنتظرة مع القوي العظمي التي تفردت بالعالم الآن... ويعني بها أميركا. المهم أنه استثمر وجوده داخل أفغانستان وتوافر الإمكانات له من أجل تعميق فكرة الانقلاب وشن عمليات قتالية وفق نهجه ضد الحكومة المصرية ودفع عناصره من داخل أفغانستان للقيام بها داخل مصر.
وهنا قد يقول قائل أن الظواهري لم يوجه إليه الاتهام في أي قضية من القضايا التي اتهم فيها أفراد من تنظيمه ونسبت إليهم القيام بمحاولات اغتيال اللواء حسن الألفي وزير الداخلية الأسبق أو رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عاطف صدقي وغيرها من القضايا. وبالتالي لم تصدر في حقه أحكام قضائية، وكان أول اتهام وجهته إليه السلطات المصرية عام 1998 وأورد اسمه علي رأس قائمة الاتهام في القضية المعروفة باسم العائدون من ألبانيا وصدر في حقه حكم غيابي بإعدامه مع ما يمكن أن يلحق بهذا الاتهام من شكوك في مدي صحة الاتهام وعدم توافر الفرصة المناسبة له للدفاع عن نفسه.
ولكن كثيراً من المراقبين اعتقد وقتها أن الحكومة المصرية حرصت علي عدم اعطاء الظواهري فرصة الحصول علي اللجوء السياسي إذا ما صدر في حقه حكم قضائي غيابي خصوصاً من محكمة عسكرية لا تعترف بها دول الاتحاد الأوروبي في وقت ساد فيه الاعتقاد لفترة بوجود الظواهري داخل سويسرا وتحديداً في مدينة جنيف فلم تكن الحكومة المصرية راغبة في حصوله علي ترخيص للإقامة النظاميــة في أي مكـــان من العالــم.
الأمر الآخر الذي قد يفسر شيئاً من إحجام السلطات المصرية عن اتهام الظواهري تماسك العناصر التي نفذت العمليات وعدم إدلائها باعترافات تُدين زعيمهم في الوقت الذي أسرف المتهمون في قضية العائدون من ألبانيا في إبداء أقوال توضح دور الظواهري في قيادة التنظيم وكانت ظروف اعترافاتهم تلك ترتبط بالقبض عليهم خارج مصر في دولة ألبانيا وإعادتهم إليها ربما في مفاجأة أذهلتهم وما تعرض له هؤلاء المتهمون من ظروف نفسية صعبة مرت بها عناصر التنظيم بصفة عامة في ذلك الوقت بعد تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام وإخفاقات متتابعة مني بها التنظيم في تنفيذ عملياته داخل مصر. كما أن حالة من الانفلات الإداري حدثت داخل التنظيم في الفترة من 95 - 98 وتفاقمت بواقعة القبض علي أحمد سلامة مبروك أحد أبرز العناصر المعاونة للظواهري ومعه جهاز كومبيوتر شخصي ضم أسماء لعناصر التنظيم داخل مصر مما مكّن أجهزة الأمن القبض علي أعداد كبيرة منهم ومحاكمة أكثر من مئة. لكن أسرة الظواهري تري - بلسان الأستاذ عزام - أنه لم يرتكب أي جريمة في حياته سواء قبل 1981 وحتي عام 1999 وأن الحكم الذي صدر ضده في قضية العائدون من ألبانيا صادر من محكمة عسكرية أحكامها منعدمة بالنسبة الي اي مدني، والحكم غيابي ولم يُسمع فيه الي اي دفاع، ولا تعترف به الدول الأوروبية التي أعطت حق اللجوء السياسي لكثيرين ممن اصدرت المحكمة العسكرية احكاماً بمعاقبتهم فهي لا تعد محكمة معتبرة وفقاً لمعايير القانون الدولية.
ظلت نظرة أسرة الظواهري إليه تقوم علي أنه صاحب فكر وعقيدة وتري في اشتراكه وتحريضه علي أعمال مقاومة العدوان والاعتداء والاحتلال والاستعمار في أفغانستان وفلسطين واجباً شرعياً وركناً من أركان الجهاد والدين... ولكنها - أي أسرته - لم تسلم أبداً بأنه مسؤول عن الهجمات ضد أميركا لأن الظواهري حسبما يشير عزام ليس قائداً عسكرياً ولم يحصل علي أي دراسات متعلقة بالطيران تخول له القدرة علي التخطيط والمتابعة والإشراف علي عملية بحجم ما حدث في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001.
الخروج عن أفغانستان
بعدما أكمل الظواهري بناء تنظيمه في أفغانستان كانت الأوضاع هناك تتلاحق سريعاً بعد دخول المجاهدين الي كابول فاتحين عام 1992 حيث تم تنصيب صبغة الله مجددي كأول رئيس موقت لحكومة المجاهدين وسعي مجددي إلي تحويل مهمته الموقتة إلي حكومة دائمة، لكن محاولاته لاقت معارضة عنيفة من بقية المجاهدين وعلي رأسهم برهان الدين رباني وحليفه القوي أحمد شاه مسعود وكذلك قلب الدين حكمتيار. وفي ذلك الوقت بدأ مجددي يبعث رسائل ذات مغزي إلي العالم الخارجي خصوصاً الي بعض الدول العربية وباكستان عن عدم قبوله ببقاء الأفغان العرب علي أراضي أفغانستان بعد انتهاء مهمتهم. كان هدفه طمأنة الدول العربية التي تعاني من قلاقل داخلية وازداد لديها القلق من وجود مواطنين لها بين الأفغان العرب الذين اتخذوا من أفغانستان نقطة ارتكاز وانطلاق ضدها، مثل مصر والجزائر. وبدأت هذه الدول تتخذ تدابير أمنية ضدهم علي النحو الذي حدث في مصر حيث بوشرت محاكمة مجموعات منهم أمام القضاء العسكري غيابياً وصدرت أحكام مشددة بالإعدام ضد صفوة من قيادات الجماعات الإسلامية وأخري بالسجن المؤبد لعدد آخر من القيادات الإسلامية الموجودة في أفغانستان.
وزادت أزمة الأفغان العرب بعد تولي برهان الدين رباني رئاسة الدولة نظراً الي استمرار القتال بين فصائل المجاهدين. رفض العرب الدخول كطرف في القتال ولزموا الحياد لأنهم لم يأمنوا لكل زعماء الجماعات الأفغانية المتصارعة وقلقوا من نواياهم تجاههم وخشوا من أن يستخدموا كورقة في ذلك الصراع أو بمعني أوضح توجسوا من أن يصبحوا قربان هذه الحرب الداخلية. واستبد القلق بزعماء الأفغان العرب عندما بدأت باكستان تسليم مصر اعداد من الأصوليين كان من أبرزهم المهندس محمد عبدالرحيم الشرقاوي، زميل الظواهري في تأسيس أول خلية سرية لـ الجهاد عام 1968 الذي اتهم معه في قضية تنظيم الجهاد وقضي ثلاث سنوات في سجن طره، ثم سافر مع الظواهري بعد خروجهما من السجن أواخر عام 1984.
اليمن والسودان محطات موقتة
حكم تطور الأوضاع وتحول قادة الأفغان من مجاهدين الي أمراء حرب علي الظواهري وبن لادن وغيرهما من قادة الأفغان العرب بسرعة الخروج من أفغانستان وكانت المحطة التي خرجوا جميعاً إليها واستقروا فيها هي السودان. وتنقل عدد منهم بين السودان واليمن، واستثمر بن لادن أمواله في مشاريع اقتصادية وزراعية ضخمة مختلفة في السودان التي كانت تعاني وقتها أزمة اقتصادية طاحنة، وأعطت أموال بن لادن واستثماراته هناك ثقلاً سياسياً أتاح له أن يستضيف المقربين إليه من الأفغان العرب وعلي رأسهم أيمن الظواهري وثروت صلاح شحاتة وأبو عبيدة البنشيري الذي غرق فيما بعد أواخر عام 1995 في بحيرة فيكتوريا.
ويحكي القيادي أحمد إبراهيم النجار رحمه الله الذي نفذ فيه حكم الإعدام عام 2000 قصة هروبه من مصر عام 1993 وتدبير قيادات الجماعات في الخارج كل الإمكانات لإخراجه من مصر بعدما ضبطت السلطات المصرية مجموعة تابعة لجماعة الجهاد أطلق عليها تنظيم طلائع الفتح نسبة إلي نشرة كانت تصدر لجماعة الجهاد في ذلك الوقت، يقول: قال لي عادل السوداني (نفذ فيه حكم الإعدام عام 1998 في قضية خان الخليلي) سأخرجك بجواز سفر بإسم واحد تاني وفعلاً جاب لي جواز سفر بعدما أخذ صوري بإسم عبدالرحيم محمد حسين واشتري لي تذكرة عبّارة من نويبع وقاللي هتطلع علي الأردن وهتركب أتوبيس لعمان وهتنزل في فندق اسمه نهر الأردن بعمان وهتتلقي اتصال وأنت في الفندق من ناس هناك. وسافرت يوم 18/10/1993 وفعلاً وصلت إلي فندق نهر الأردن لكن مكنش عندي أي علم مين اللي هيتصل بي وتاني يوم لوصولي اتصل بي في الفندق محمود الديب (من قيادات الجهاد في منطقة كرداسة في محافظة الجيزة وهو قتل في معركة مع الشرطة المصرية بعد عودته من أفغانستان عام 1997) كان الديب يتصل بي من اليمن وقاللي في الهاتف إنزل إحجز تذكرة طيارة علي اليمن وحددت له ميعاد السفر والوصول وسافرت يوم 23/10/93 ولما وصلت في مطار صنعاء لقيت محمود الديب مستنيني وخدني علي منطقة اسمها (السواد) بصنعاء بالمنطقة الجنوبية وأخذني علي بيت من دور واحد مستقل ولما دخلت عرفت إن البيت خاص بشباب الجماعة المقيمين في اليمن وترددت عليّ قيادات الجماعة في هذا البيت وشفت مرجان سالم ومحمد الظواهري وأحمد سلامة مبروك وثروت صلاح شحاتة وكانوا جميعهم بيترددوا علي البيت للاطمئنان علي أعضاء التنظيم وللترحيب بي، ومن خلال إقامتي بالبيت عرفت إن الشباب اللي موجودين هم شباب من عناصر التنظيم التي شاركت في حرب أفغانستان وتم تأهيلهم عسكرياً باليمن، كما علمت بأن قيادات التنظيم قد اتخذت من اليمن مكاناً لإيواء عناصرها ومتابعة نشاطها التنظيمي وكان كل نشاط المجموعة اللي أنا قعدت معاها هو مجرد تلقي الدروس الفقهية من محمد شرف وممارسة الحياة الطبيعية. ومن خلال وجودي في اليمن وبعد فترة من إقامتي بهذا المسكن عرفت من محمود الديب إن الجماعة تتخذ من صنعاء مكاناً لوجودها وإيواء العناصر والتي يتم تجهيزها التي سيتم الدفع بها إلي مصر لتنفيذ العمليات الجهادية بينما تتخذ مدينة تعز اليمنية مكاناً للعناصر الجاهزة فعلاً والتي يدفع بها إلي داخل مصر .
ويذهب النجار إلي تأكيد خروج العرب من أفغانستان بعد فتح كابول عام 1992 فيقول في الصفحة 20 من أقواله: واللي فهمته أثناء وجودي في الفترة الأولي باليمن أن اليمن كانت محطة بعدما بدأت الأمور تهدأ فيها نسبياً وبعدما بدأت باكستان ترفض الوجود العربي فسعي أعضاء التنظيم وقيادته في البحث عن مكان مناسب للوجود وممارسة النشاط فكان من ضمن البلاد المطروحة في المنطقة المحيطة بمصر اليمن والسودان والأردن لكن أحسن ظروف هي في اليمن لأن الوجود المصري فيها كبير والظروف المعيشية رخيصة واليمن بصفة عامة في هذا الوقت كانت تعاني الخلاف بين الشمال والجنوب، أما السودان ففرص العمل فيها منعدمة تقريباً ومستوي المعيشة مرتفع ومكلف، ومع أن السودان عرف أن فيها عناصر من التنظيم كان فيه صعوبة في أن تتواجد بها العناصر لكن هذا لم يمنع من وجود بعض القيادات بالسودان ومنها الدكتور أيمن الظواهري .
ورغم أن أحمد النجار رأي أن مناخ الحياة الاجتماعية والقبلية في اليمن كان أكثر توافقاً مع إمكان تواجد عناصر تنظيم الجهاد هناك وممارستهم نشاطهم بحرية في الوقت الذي يقول أن السودان لم تكن مهيأة لذات الدور رغم وجود أعلي مستويات التنظيم بها مثل الظواهري. لكنّ النجار يعود ليكشف معلومة مهمة تؤكد ما خلصنا إليه في رصدنا لتطورات حركة الظواهري وطريقة تفكيره، يقول: خلال فترة وجودي باليمن لا أستطيع القول بوجود تنسيق بين النظام اليمني وقيادات الجماعة علي خلاف ما هو موجود بالسودان من وجود تنسيق بين الحكومة السودانية وقتها وعناصر قيادات التنظيم .
ورغم تفضيل الظواهري اتخاذ اليمن كنقطة انطلاق في نشاطات تنظيمه والدفع بعناصره من خلالها للقيام بعمليات مسلحة داخل مصر إلا أنه اضطر إلي إجلاء أفراد تنظيمه من اليمن ونقل نشاطه إلي السودان بعد فشل عملية محاولة اغتيال الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق.
يقول أحمد النجار عن انتقاله إلي السودان: في شهر 01 سنة 1994 اتصل بي مرجان سالم وبلغني أن فيه تكليفات أني أحضر للسودان وفعلاً قطعت تذكرة طيران وسافرت إلي السودان وفي مطار الخرطوم استقبلني مرجان سالم ونصر فهمي - قتل في القصف الأميركي لأفغانستان في كانون الأول (ديسمبر) 2001 بمدينة خوست - وأخذوني بسيارة خاصة وتوجهنا إلي مسكن في العاصمة الخرطوم بمنطقة الرياض وهو بيت من ثلاث طوابق أقمت في الطابق الأرضي مع الشباب ومكثت لمدة يوم وفي اليوم التالي حضر مرجان سالم وأخذوني في سيارة خاصة ومعي ثروت صلاح شحاتة وتوجهنا لمقابلة الدكتور أيمن الظواهري في بيت بالعاصمة الخرطوم لا أعلم مكانه تحديداً ولكن هو بيت من طابق واحد بناء قديم والمكان ده مكنش بيت لكن مكان زي مكتب والتقينا احنا الثلاثة وفي خلال اللقاء تحدث معي الدكتور أيمن الظواهري بوجود مرجان سالم عن تصوره للجنة التنظيم المدني وكيفية وأسلوب عملها في المستقبل وقال لازم يكون فيه أسلوب جديد بعد قضية طلائع الفتح وهنعتبر المعلومات السابقة كأن لم تكن .
العودة إلي أفغانستان
بعد سيطرة حركة طالبان علي العاصمة الأفغانية كابول وطرد الرئيس رباني كانت الفرصة سانحة أمام الظواهري للعودة مرة أخري إلي الأرض التي أحبها ووجد داخلها الأمن عبر تضاريس جغرافية بالغة التعقيد، والتي كانت أتاحت له كما قدمنا فرصة وضع برامجه وتصوراته علي أرض الواقع بالتدريب المكثف وتأهيل الأفراد عسكرياً وسياسياً وتثقيفياً. ويؤكد أحمد النجار أن الظواهري وشقيقه محمد وأحمد أبو الخير وأحمد سلامة مبروك وثروت صلاح شحاتة توجهوا إلي أفغانستان عن طريق أذريبجان بعد أن فتحت حركة طالبان أراضيها للمجاهدين العرب. وقد سبق أن أصدرت اللجنة الإعلامية لجماعة الجهاد نشرة خاصة استعرضت فيها التعريف بحركة طالبان وتناولت مناقبها والإشادة بها من كل جوانبها، وذكرت أنها حركة دينية سلفية تقودها مجموعة من الطلاب في العلوم الشرعية. وبدا واضحاً في وقت مبكر من عام 1996 أن جماعة الجهاد تؤيد حركة طالبان شكلاً وموضوعاً وحينما استقرت الأوضاع تماماً في يد طالبان وسيطرت علي 59 في المئة من أراضي أفغانستان استطاع أسامة بن لادن أن يتوصل إلي اتفاق مع قيادات الحركة وعلي رأسهم الملا محمد عمر الذي وصف في نشرات جماعة الجهاد بأنه أمير المؤمنين، فأتاحت له الحركة أن يقيم في أراضيها ويتولي إعاشة المجاهدين العرب ومن هنا بدأت قيادات جماعة الجهاد التي سارعت بالذهاب إلي أفغانستان في إبلاغ أفرادها وعناصرها سواء من الصف الأول أو الثاني بالتوجه إلي أفغانستان للإقامة فيها ولم يكن هذا التصرف قاصراً علي جماعة الجهاد فحسب ولكن أيضاً علي الجماعة الإسلامية المصرية وغيرها من الجماعات الإسلامية الأخري من مختلف الدول العربية أو الإسلامية وإن لم تكن للجماعات الأخيرة الامتيازات نفسها التي تمتعت بها جماعة الجهاد التي وقعت لاحقاً وثيقة تحالف مع أسامة بن لادن.
ولكن يحسب لحركة طالبان أنها لم تكن تجبر أحداً من العرب علي القتال معها ضد الفصائل الأفغانية المعارضة، فكان كثير من الأفغان العرب يقيمون في أفغانستان من دون أن يكونوا طرفاً في تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن أو ينضموا إلي الجبهة التي أعلن عن تأسيسها في شباط (فبراير) 1998.
عن "الحياة" اللندنية ، و"القبس" الكويتية ، و"أخبار العرب" الإماراتية