أصداء

إيلاف والثقافة الإعلامية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

شكلت إيلاف، ومنذ انطلاقاتها، قبل ثماني سنوات من الآن، علامة فارقة في الإعلام الإليكتروني الذي بدأ يخطو خطوات وئيدة باتجاه فرض نفسه على فضاء الصحافة بشكل عام، نابذاً بذات الوقت، وبحركية منطقية، وجدلية تاريخية معروفة، الصحافة الورقية التي تعيش، باعتقادنا، آخر أيامها مع انفراط عقد كبريات الصحف في الغرب وعرضها للبيع، وتحولها للفضاء العنكبوتي الأثير، وإغلاق مكاتبها، وتسريح قسم كبير من موظفيها، وسط إقبال شعبي ورسمي عارم، وكاسح على تصفح المواقع الإنترنتية، غير عابئين بكل ما تقذفه المطابع من صحف ورقية.

في هذه الأجواء العولمية، ووسط هذه المناخات العابقة بأريج التغيير والمتغيرات الجذرية، رأت إيلاف النور لتبرز، لاحقاً، كواحدة من البدائل الإعلامية الكبرى في العالم الناطق بالعربية، وتشير غير إحصائية إليكترونية دقيقة على محركات البحث على تربع هذه العلامة الإعلامية على عرش الصحافة الإليكترونية، وبدون منازع، لسكان هذا الجزء من العالم.

وسأتناول في هذه الدراسة الموجزة، ما يمكن وصفه ببوادر تشكل لقاعدة تعمل على نشر وترويج الثقافة الشعبية، وربطها، بما تكلمنا عنه أعلاه من تهاو، وتقهقر في شعبية الصحافة الورقية في محيطنا الشرق أوسطي تحديداً، والذي نحن معنيون به، على الأقل، والتي تعتبر-الصحافة الرسمية الورقية- وتعكس، بالمجمل، وعلى الغالب وجهة النظر الرسمية للحكومات العربية بشكل عامل.

وسآخذكم في هذه العجالة الاحتفالية، إلى عامودين متقابلين، فيما نطلق عليه بالواجهة الرئيسية لإيلاف، وهي صفحة الآراء، التي أتشرف بكوني أحد كتابها شبه المياومين تقريبا، وبين العامود الآخر وهو صفحة جريدة الجرائد. وسنبدأ من الأخيرة، التي تنقل عادة مقالات يومية متنوعة هي غالباً لكتاب "كبار" ( مع بعض التحفظ هنا)، ومن جرائد رسمية ممولة بالغالب من دول المنطقة والتي تكون آراؤها، ومقالاتها، بشكل عام ذات قالب نمطي واحد، تمثل وجهة نظر رسمية، وتصب في طواحينها، وهي على الغالب مأجورة، ولكتاب إما "موظفين" دائمين في الصحيفة، أو يتم استكتابهم بشكل متقطع في تلك الجرائد. لكن الوجه الأبرز هنا، والمقصود من هذه الدراسة، هو مدى تفاعل القراء والمتصفحين الإيلافيين مع هذه المقالة، أو تلك، ومن المنشورة في هذه الزاوية تحديداً، إن لجهة قراءتها، أو لجهة التفاعل معها. وفي الحقيقة لا أملك أية إحصائيات عن عدد وحجم تلك القراءات، لأنها تظل مستورة، وملك لإدارة إيلاف، غير أنني أستطيع الخروج بحكمي ذاك من خلال الاطلاع على عدد التعليقات والتفاعلات مع تلك المقالات وكتابها، وهو الأهم هنا، مع استثناءات قليلة جداً في بعض الأحيان. ويظهر عرض المقالات، ولمدة تقارب الأربع وعشرين ساعة تقريباً، وعلى الواجهة الرئيسية لإيلاف، نتيجة "صفر من التعليقات"، وربما على افتتاحيات تكون رئيسية في المصدر وكتاب "كبار"، كما أسلفنا، ولا نرى تعليقاً أو حتى أي نوع من التفاعل مع ما ورد في المقال من معطيات وأفكار وآراء. ( هل يعني هذا أي شيء)؟ وتبقي تعليقات المقال صفر، حتى يتم استبداله بمقال "رسمي" آخر، لكاتب رسمي آخر، لا يلبث أن ينال هو الآخر، درجة الصفر بشرف، من حيث التعليقات التي تعكس، ومن دون أدنى شك درجة ما من التفاعل، وربما الاهتمام، مع المقال والكاتب.

وبالانتقال إلى العمود المقابل، أي عامود أو صفحة آراء، التي تنشر في الغالب مقالات مرسلة ، وبالمجان، لكتاب "غير معروفين"، تماماً، وبشكل عام، على الصعيد الرسمي، والورقي العربي، ( وربما مستبعدين ومستثنين منه عامداً متعمداً مع سبق الإصرار والترصد)، غير أن مقالاتهم وآراءهم بالمعظم، جريئة، ومنفتحة وأحياناً ألترا ليبرالية، وخارجة عن الطور الرسمي العربي المعروف، وتحظى باهتمام بالغ، فما إن يجد المقال طريقه إلى نور الواجهة في إيلاف، حتى تجد صدى غير معقول من التفاعل والاهتمام وتنهمر عليها، على الفور، التعليقات من كل حدب وصوب، وهذا بالطبع، إن كنا نعتقد أننا مصيبون، يعكس تلك القراءات العالية التي يطمح لها أي كاتب نتيجة لما يقدمه ويطرحه من آراء وأفكار قد لا تجدها، نهائياً، في الصحافة الرسمية والورقية الناطقة بالعربية. وليسمح لي القارئ الكريم، ها هنا، بممارسة نوع من الأنانية المقننة، لكن الهادفة والتي ترمي، فقط، إلى تدعيم وجهة نظري، وتعزيز رأيي، حيال الأمر، وليس بأي غرض آخر، وبغض النظر، دائماً، عن درجة الاتفاق أو الاختلاف في الطرح والقول، وهو بنظرنا الأمر الطبيعي والواجب، أي الاختلاف والاتفاق وتباين وجهات النظر.

فإنه من النادر جداً، ألا يستحوذ مقال ننشره عبر هذا الحيز على تفاعل طيب وكبير من جمهور القراء المحترمين الذين نحترم ونقدر ونتفهم ونثمن كل ما يأتون به من "مع وضد". ولا أزال أذكر ما فعله مثلاً مقال الخليج الفارسي، وهو موجود في إرشيف إيلاف ومن الممكن "استدعاؤه"، على الفور، عبر عملية الاستقصاء الغوغلية المعروفة، والذي حصد، في حينه، أكثر من مائة تعليق ناري، وبعضها تجاوز المائتي كلمة بين ناقد، وناقم، ومؤيد وبين بين، ناهيك عن تلك الرسائل التي وردت إلى عنواني البريدي والتي حملت، تقريباً، نفس المضامين. هذا الواقع بالطبع، ينطبق، تقريباً، على المجموعة العظمى من كتاب زاوية آراء، والذين "يستنفرون" تفاعلات مثيرة وكثيرة من قبل القراء، حين يتم نشر مقالاتهم في هذه الزاوية. لا بل تتمادى بعض الجهات في نقل ما يقولون وما يكتبون، ويحضرني هنا ما قامت به وزارة "الخارجية الإسرائيلية"، وبكل "تطفل"، بنقل مقالاتهم، ونسخها من هذه الزاوية، ولصقها وعرضها على صدر صفحتها الأولى، لتبدأ، بعد ذلك، سلسلة عابثة ولا مسؤولة من حملات الطعن والغدر والتخوين والافتراءات والتجني والتشكيك القومي المعهود، كان مصيرها ردهات المحاكم التي أنصفت حتى الآن بعضاً مما نالهم الحيف القومي البليد. ( بالمناسبة كان قد تم نشر مقال (هل أصبحت إسرائيل ضرورة قومية؟)، لكاتب هذه السطور في إيلاف، أيضاً، عبر هذه الزاوية، كما في مواقع أخرى ومنها جريدة السياسة التي أشارت لها وزارة الخارجية الصهيونية، وقد أخذ ما أخذ في حينه من شروح وتفسير ورد وتعليق ونقد وتقريع وتأييد، فيما لا يلتفت أحد، ولا ينقل ما تنشره الجرائد الرسمية العربية بافتتاحياتها النارية الشهيرة ولا يأبه، في الواقع، أحد لما يرغون ويزبدون ويلعلون به على حلباتهم الورقية، ولا نرى لهم أثراً، أواسماً إلا في الصحف). ومما يجدر ذكره، أنه يتم نقل مقالات من هذه الزاوية، وبشكل متواتر ويومي، إلى منابر ومواقع أخرى ورئيسية على الشبكة العنكبوتية، وهذا ما فعله موقع ميمري تي في Memri TV الذي أخذ مقتطفات بعينها، من هذا الموقع تصب في الرؤية الليبرالية، لمعظم تلك الدراسة القيمة باللغة الإنكليزية، والتي نشرها بالتزامن مع عرض مقتطفات "جريئة" من إحدى مشاركاتنا المتواضعة ببرنامج الاتجاه المعاكس للإعلامي البارز الصديق الدكتور فيصل القاسم.

وتجدر الملاحظة في هذا السياق، أيضاً، إلى أن زملاء أعزاء كثر، يحررون في هذه الزاوية، يعيشون نفس أوجه هذا التفاعل مع كتاباتهم وآرائهم ويواجهون سيلاً عرمرماً من التعليقات المتباينة، وبغض النظر دائماً، عن أهمية أو منطقية وموضوعية وواقعية ما يطرحون أو ما يقولون، لكن القاسم المشترك فيه هو الجرأة والإفلات من قبضة الرقيب والشاويش العربي الفظ وغليظ القلب والدماغ المعروف. غير أن الأهم في القضية أن الزاوية تمثل وبوجه ما، ركناً عريضاً من رأي الشارع المهمل والمنسي، في الصحافة الرسمية، وينطق باسم شرائح كبرى ومهمشة، وبعيدة جداً عن الوجه الرسمي الذي نصادفه في الجرائد أو الصحافة الورقية المملوكة للحكومات العربية التي تقذف في وجهنا صحافتها الورقية اليومية التي تعود إلى مستودعاتها بنفس الرزم، و"الصرة"، إياها، التي أخرجتها فجراً إلى الموزعين.

هذه هي إيلاف، اليوم، وبوجه واحد، فقط، من وجوهها الأخرى المتعددة، والتي ستكرّس، ولا بد للحوار، وللثقافة الشعبية والتفاعلات الحارة الشخصية، وتؤسس لحوار هادف وبنـّاء وجريء ومثير في مسيرة هذه الشعوب التواقة للتغيير والانعتاق من أسر الماضي وأغلاله المكبلة لإرادة شعوبه المغلوبة على أمرها.

وحتى إطفاء شمعة أخرى في ربيع إيلاف، نقول كل عام، وأنتم، وإيلاف، والجميع، بألف خير.

نضال نعيسة
Sami3x2000@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لاتملك اي
فاروق -

مخالف لشروط النشر .

تحية لايلاف
ايلاف دوت كوم -

نعم زاوية آراء ملتقى للفكر الليبرالي الحر والجريء ونتمنى مزيدا من التطوير