ثقافات

في كتابه عن استراتيجيات التفكيك والخطاب العربي..

مدحت صفوت: جلّ الدراسات التطبيقية التفكيكية تطبق ما يناقض التفكيك ولا ينتمى إليه

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

&&

قليلة هي الدراسات العربية التي تتناول استراتيجيات التفكيك، بالتحليل أو التطبيق على النصوص الإبداعية، وبطبيعة الحال، تبدو الدراسات التي تنطلق من دراسة "الخطاب التفكيكي العربي" شبه نادرة، فمنذ كتاب "دريدا عربيا / قراءة في الفكر النقدي العربي" 2005، للراحل البحريني محمد أحمد البنكي، ولا نعرف عملًا بحثيًا توقف أمام الخطاب العربي المستند للتفكيك بالمساءلة واللاستنطاق، الأمر الذي يكسب كتاب "السلطة والمصلحة، استراتيجيات التفكيك والخطاب العربي" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للناقد والباحث المصري مدحت صفوت أهمية تضاعف منها رصانة الكتابة وجديتها، وموقف الباحث النقدي والمعرفي من مفاهيم يتلاعب بها أغلب النقاد دون دراية بالخلفيات المعرفية والفلسفية المنتجة لها.ويقول صفوت "منذ مؤتمر "لغات النقد وعلوم الإنسان" والذي أقامه مركز الدراسات الإنسانية في جامعة جونز هوبكنز في أكتوبر 1966، وأفكار جاك دريدا بدأت "في الهيمنة على الساحة الأدبية" بخاصة على النقاد الرومانسيين والناقمين على موجة النقد الجديد، ويمثل بحث دريدا "البنية، العلامة، اللعب في خطاب العلوم الإنسانية" علامة التحول عن أحلام البنيوية، وسرعان ما لفت دريدا الأنظار، كما لفتت أسماء تفكيكية أخرى الأنظار داخل فرنسا كـ"رولان بارت" بكتاباته التفكيكية؛ حيث كان معروفًا بكتاباته البنيوية، أو خارج فرنسا "الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا"، ومنها، بول دي مان، وهيلز ميللر، وجيفري هارتمان، وكريستوفر نوريس وغيرهم".يتكون الكتاب من مدخل وبابين، جاء المدخل بعنوان "التفكيك.. خيانة مؤقتة وخطأ ضروري"، انتهى فيه المؤلف إلى أن "التناقض سمة ملازمة للتفكيك ومصاحبة له دومًا لذا يؤمن البعض بأن أية محاولة لتلخيص ما يقوله دريدا، هي "تزييف لمشروعه"، لكنه التزييف الذي لا محيد عنه، بتعبير جوناثان كلر، لأن مجرد تحديد معناه يعني ارتكاب خطأ "الخطأ الضروري" الذي يحول المرء عن تحديد معالمه"، فلا مهرب من أن نقول مع التفكيكيين بأنها غير قابلة للتعريف، ولا مفر من أن نقول - معهم- أيضًا: إن عملية المفهمة حتمية، حتى إن كانت خطأً، فلابد أن نرتكب الخطأ الضروري، وكما يرى دريدا أن أية محاولة لإبطال مفهوم من المفاهيم محكوم عليها بالوقوع في شراك المصطلحات التي يعتمد عليها هذا المفهوم".وعُنون صفوت الباب الأول بـ"التلقي النظرى لإجراءات التفكيك ومقولاته، التعريف، الترجمة والمساءلة"، موضحًا فيه "أن النقاد العرب، الذين حملوا على كاهلهم تقديم استراتيجية التفكيك في شقها النظري، عبر التعريف بأعلامها ومفاهيمها وأسسها الفلسفية والمعرفية، ومدى تقاطعها وتداخلها مع حقول معرفية أخرى، لا يمكن حصر عددهم بسهولة، نظرًا لغياب الببلوجرافيات والفهارس الخاصة بالدراسات النقدية والأدبية. ورغم كثرة الكتابات التي تدور في هذا الفلك، ، فإنّ تأثير الاستراتيجيات التي اقترحها لا تزال مثار نزاع بين النقاد والمفكرين العرب الذي ينحاز بعضهم إلى إبراز قيمة مبالغ فيها لهذه التأثيرات، بينما يؤكد البعض الآخر، بما لا يخلو من المبالغة أيضًا، احتشام وجود مثل هذه التأثيرات".وفي اختيار صفوت لعرض ومناقشة الجهود العربية في تقديم "التفكيك" نظريًا، اعتمد على نماذج من الدراسات التي وضع أصحابها مناقشة الاستراتيجية في وجوهها المختلفة ضمن أهدافهم، معنيّ أولًا بجدية الدراسة وبتأثيرها في الحركة النقدية التطبيقية، مقسمًا الجهود إلى: القراءة المدخل، محاور وملفات بالدوريات، التفكيك والمولات، والتقديم عبر جاك دريدا. وفي مبحث المساءلة بين أن النقد، والنقض، شكلان من أشكال التلقي، وإن نبعا من زاوية معكوسة، وكلاهما عملية متأخرة زمنيًا، حيث يستوجبان أولًا التلقي التقليدي المعتمد على النقل والترجمة والفهم "تلقي سلبي" ثم الانتقال إلى التلقي عبر المساءلة وإقامة علاقات جدلية بين الوافد والمستقر "تلقى إيجابى". وانطلاقًا من مساءلة الوافد، ومحاورته، قدم بعض النقاد والمفكرين العرب وجهات نظرهم في استراتيجية التفكيك وما تطرحه من إجراءات جديدة وبديلة لما سبق من أطروحات ونظريات. كما "شمر" النقاد العرب سواعدهم لمساءلة، وأحيانًا، لمصارعة، رواد وأعلام التفكيك في العالم الغربى. وبالطبع، من الصعب على أي دارسٍ أن يلمّ "بكل" ما كُتب في هذا المضمار، ومن ثمّ فإنّه اكتفى بمناقشة أطروحات عبد العزيز حمودة، عبد الوهاب المسيرى، إدوارد سعيد، عزيز عدمان، ومحمود إسماعيل، ولن نعدم في أن نستأنس بوجهات نظر آخرين، اتفقوا أو اختلفوا من النقاد سابقي الذكر".ويضيف "في سياق تأطير الكيفية العربية في معارضة التفكيك، يمكن القول إن الكتابات العربية بدأت بجاك دريدا، "بتوثينه"، أي جعله وثنَا، لا للتبجيل أو التقدير قطعًا، وإنما للتحطيم والتكسير، كذلك انتهت الكيفية العربية تلك بدريدا أيضًا، لكن عبر مساءلته السياسية في هذه المرة. وبين البداية للكتابات العربية والحد الذي توقفت عنده هذه الدراسة، لا نقول النهاية، اتخذت الكتابات العربية عددًا من المسارات في نقد التفكيك".أمّا المبحث الأخير في الباب الأول فتناول صفوت قضية ترجمة التفكيك، والأخير ارتكز على رفضه لفكرة النظرية، في شكلها التقليدي، ومن هنا حين يتناول التفكيكيون "الترجمة" كمبحث مستقل، وقائم بذاته، لا يقدمون نظرية خاصة بهم في الترجمة؛ بل لا تعادل التفكيكية في الدوائر الأنجلو &- أمريكية مقاربة تقترن عادة بنظرية الترجمة سواء لدى مترجمي الأدب أو اللسانيين، ومع ذلك لا يمكن تجاهل أطروحات ومقاربات التفكيكيين في مبحث الترجمة.&وسجل جملة من الملاحظات على الأطروحات العربية في ترجمة "مقولات التفكيك"، أولها: اعتماد كثير من المترجمين والباحثين على ما يُعرف بـالترجمة المفرطة، وهي تصف "ما يحدث عندما يتم إدراك وحدتي الترجمة، في حين أنه هناك وحدة واحدة في الواقع". ويضرب فينيه وداربلنيه مثالًا على ذلك بترجمة العبارة الفرنسيةallerchercher ، "يخرج للبحث" بالعبارة الإنجليزية go and search for، "يذهب ويبحث عن" بدلًامن Fetch "يستجلب/ يستحضر"، فهنا تعامل المترجم مع تعبير اللغة الأصلية كما لو كان دمجًا عشوائيًا لكلمتين، وليس تعبيرًا له مكافئ إلزامي يتكون من كلمة واحدة في اللغة المستهدفة. ومثالًا على ذلك، ترجمة difference "الإرجاء" بالاختلاف والإرجاء، وغيرها من التراكيب المكونة من أكثر من كلمة، وهو ما اعترضت عليه منى طلبة.والملاحظة الثانية متعلقة بما سبق، وتعد نتيجة للملاحظة الأولى، وتتمثل في شيوع "الترجمات الشارحة" عند ترجمة المقولات والمصطلحات، وقد استلزم ذلك إدراج هوامش عديدة بغية جعل النص مفهومًا لقارئ اللغة المستهدفة. وهو ما نلاحظه في جلّ ترجمات حسام نايل مثلًا. كما كتب كاظم جهاد الكثير من التعليقات/ الشارحة في ترجمته لكتاب دريدا "صيدلية أفلاطون"؛ فضلا عن "كشاف المصطلحات" وهو كشاف شارح أيضًا، ولا يكتفي بترجمة الكلمة بكلمة Word-For-Word. وهو الشيء ذاته، الذي قام به كل من صفاء فتحي وعز الدين الخطيبي في ترجمة كتابي "ماذا حدث في 11 سبتمبر؟"، و"عن الحق في الفلسفة" على الترتيب.ثالثًا: اعتمد بعض المترجمين والباحثين الترجمة المستعجمة، وهي نوع من الترجمة القاصر، أو المقصورة، وشاع هذا النوع عند ترجمة Logocentrism بمركزية اللوجوس أو مركزية العقل.. إلخ.&ورابعًا: تجاوز البعض الترجمة المستعجمة ليعتمد الترجمة الفونولوجية، ويتم فيها إبدال فونولوجيا اللغة الأصلية للنص بفونولوجيا مكافئة في اللغة المستهدفة. وعلى الرغم من أنه قد لا يوجد التوافق الشكلي بين سمات فونولوجية معينة للغتين مختلفتين؛ فإنه يمكن بوجه عام تكوين تكافؤات ترجمة، تقوم على علاقة الوحدات الفونولوجية للغة الأصلية واللغة المستهدفة بنفس المادة الصوتية، أو تتابع الأصوات، وهو ما ينطبق على علاقة اللغة العربية باللغتين الإنجليزية والفرنسية.خامسًا: حرصًا على الوصول إلى "أدق" ترجمة، وأنسب تعريب، يعدل بعض الباحثين عن أرائهم وترشيحاتهم "الترجمية"، إلى ترجمات أخرى بديلة، سواء بعدم تقديم أسباب للعدول، أو بتوضيح الأسباب، ومثالًا على ذلك الباحثين سعد البازعي وحسام نايل. بيد أن صفوت حسب على الأخير انحيازه الشديد إلى ما يعتقد في صحته في وقت ما، ثم يعود بعد العدول ليكون أكثر انحيازًا وتشددًا إلى الاعتقاد الجديد، ويبدو ذلك واضحًا في انحيازه إلى مستوى من اللغة ينتمي إلى الاستغراب في تراكيبها، في بداية ترجماته، بالتحديد في "صور دريدا"، ثم التحول نحو التقعير العربي، وإيراد مفردات مهملة، حتى إن أوقعه ذلك في بعض الأخطاء اللغوية. كما نتبين ذلك بشكل جلي، في موقف نايل من ترجمة هدى شكري عياد لمقالة دريدا "الاختلاف المرجأ"، والتي نعتها بالترجمة الممتازة، وبسؤال الباحث لنايل عن سبب ترجمته للمقالة نفسها، أوضح أنه لم "يفهم" شيئًا من ترجمة عياد، وبالتالي عمد إلى ترجمة المقالة، وهي إجابة أخف مما كتبه نايل عن ترجمة عياد في مقدمة كتابه "استراتيجيات التفكيك"؛ حيث قال: وهي معذورة "يقصد هدى شكري" لأن حر الشمس قد اشتد عليها، ولم تتزود له بطول التمرس على الوهج، فجاءت ترجمتها نوعًا عجيبًا من التخليط المسرف لم نلق له مثيلًا. ومن الجدير أن نشير إلى أن هدى شكري وحسام نايل قد ترجما من لغة وسيطة "الإنجليزية" والأخير اعتمد على ترجمة آلن باس لمقالة دريدا.ويشير صفوت إلى أنه على كثرة الدراسات النظرية والتنظرية الخاصة باستراتيجية التفكيك وإجراءاتها، فإن عدد الدراسات النقدية التطبيقية التى أشارت إلى اعتمادها على "التفكيك"- سواء حدث ذلك أم لم يحدث، وسواء بالاتفاق مع ما طرحته التفكيكية من إجراءات ومقولات أو بالابتعاد عنها &- قليل جدًا، ولا يتناسب مع حجم الدراسات النظرية والترجمات المتعلقة بالتفكيك. ناهيك عن أن جلّ الدراسات التطبيقية التفكيكية تطبق ما يناقض التفكيك ولا ينتمى إليه، كأن يحلل "الناقد" ويشرح ويفكك ثم يبنى في إطار هو أدنى إلى التصور البنيوي منه إلى التفكيك". وفى إطار أطروحة صفوت، فقد تخير للدراسة والمناقشة والمساءلة في الباب الثالث، دراسات عبدالله الغذامي، في دراسات: "الخطيئة والتكفير.. من البنيوية إلى التشريحية"، "القصيدة والنص المضاد"، "تشريح النص.. مقاربات تشريحية لنصوص شعرية معاصرة"، "المشاكلة والاختلاف.. قراءة في النظرية النقدية العربية"، "الكتابة ضد الكتابة". كذلك عبد الملك مرتاض: "ألف- ياء.. تحليل مركب لقصيدة أين ليلاي لمحمد العيد"، "تحليل الخطاب السردي.. معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية زقاق المدق"، "ألف ليلة وليلة"، وفاطمة قنديل شعرية الكتابة النثرية عند جبران خليل جبران، وسلمان كاصد "قصيدة النثر، دراسة تفكيكية بنيوية"، وحسام نايل "أرشيف النص.. درس في البصيرة الضالة"، وسهام أبو العمرين: "الخطاب الروائي النسوي.. دراسة في تقنيات التشكيل السردي"، موسى إبراهيم أبو دقة "مصابيح أورشليم بين تفكيك الخطابات وإشكالية التناص"، مقيمًا المؤلف اختياره على أساسيين: الأول الإشارة الفعلية والصريحة لاستخدام التفكيك وإجراءاته في العنوان أو المقدمة، والآخر هو الاعتماد الفعلي على استخدام التفكيك حتى وإن لم يشر إلى ذلك في عنوان الدراسة أو مقدمتها، وهو ما نجده فقط في دراسة فاطمة قنديل.&وفي مقدمة الباب الأخير استوضح صفوت الفارق بين التفكيك كخطاب وممارسة، منتقلًا إلى فوارق التفكيك والتأويل، والتباين بين المقاربة والقراءة. وفي المبحث الثاني توقف أمام إشكالية التقديم النظري. في المبحث الثالث، ودرة الكتاب، وقمة النتاج البحثي، اعتنى الباحث فيه بـ"الشبكة المفاهيمية والفضاء السسيوثقافي للخطاب"، ولم يعن بتحديد الشبكة المفاهيمية للخطاب رصد المقولات و"المفاهيم" التفكيكية داخل ثنايا الخطاب، وإنما يتعلق البحث بدراسة منظومة وشبكة المفاهيم التي ينطلق منها الخطاب في صياغة روءاه وتحديد آفاقه، وترسيم مجال العلاقات بين العناصر المختلفة.بالتالي لن يضع المؤلف يديه بالشرح أو التحليل على مواضع تواجد المقولات التفكيكية، بقدر البحث عن كيفية اشتغال الخطابات النقدية والفكرية، وهو ما ساهم في كشف مواضع الإيديولوجيا المستوطنة للخطاب، فليس من خطاب إلا ويحمل أيديولوجيا بعينها، سواء بشكل صريح أو بشكل ضمني ومضمر، مؤكدًا أن معالجة "الشبكة المفاهيمية" لأي خطاب يمكن أن يفيد في عملية قياس مدى ملاءمة هذه الشبكة وقدرتها على الإسهام في تقوية الامتلاك النقدي والفكري للمواقف التي انطلق منها الخطاب. وفي إطار تحليل الشبكة المفاهيمية، رصد صفوت عشرة مفاهيم، وهي: الاستبدال/ الإحلال والإزاحة، إرادة العودة، إصدار الأحكام، إعادة الإنتاج، إبعاد واستبعاد، إنتاج المعنى، التعميم، التناقض، اللغة المقفلة، المزاوجة، والمصادرة. وتوقف أمام كل مفهوم بالتعريف والاكتفاء بضرب مثال أو مثالين للتوضيح.ويرى صفوت أن "الخطاب التفكيكي في شقه النظري نجح ـ إلى حد ما - في تأسيس تساؤلات جديدة في مجال الدراسات النقدية، وذلك بتقديم تصورات جديدة عن علاقة اللغة بالأدب، وخلخلة السائد والنمطي من الإجراءات المنهجية والنقدية، كذلك مقاومة استيطان "الميتافيزيقا" في الخطاب الأدبي وغير الأدبي، طارحًا حزمًا استراتيجية من الإجراءات والمقولات، التي تطرح نفسها كخيار نقدي وإجرائى بديلا عن المناهج التى احتلت فيها "اللوجوس" مركزًا مقدسًا، وحل "المعنى" ماضيًا وقديمًا. فيما لا يزال الخطاب التفكيكي ـ في جانبه التطبيقي ـ محدود التأثير في خارطة النقد الأدبي العربي، ولم تزل الممارسة النقدية للتفكيك مجرد "فلتان" بحثي، أو مغامرة "نقدية" من قبل باحث أو ناقد، ولم تتحول الممارسة النقدية التفكيكية إلى جزءٍ رئيس من طوبولوجية المجال النقدي العربي. وربما يعود ذلك إلى عدم الإلمام بالسياقات المعرفية والفلسفية والإجراءئية لاستراتيجيات التفكيك. ونظرًا لعدم تراكم التطبيقات النقدية التفكيكية، بما يشكل تيارًا نقديًا عامًا، فإن الخطاب التفكيكي عجز عن أن يستحوذ على مساحات كبيرة من الفضاء الاجتماعي والثقافي في العالم العربي، ويتصل ذلك بآليات إنتاج الخطاب وشكله الذى اتخذ شكل الأطروحات الأكاديمية "ماجيستسر ـ دكتوراه - بحث أكاديمي"، كذلك يتصل الأمر بديناميات تلقي الخطاب ووسائل نشره، فبعض هذه الدراسات لا يزال في أسر أرفف المكتبات الأكاديمية والجامعية، ولم ينشر بعد. وبعضها نُشر في حدود ضيقة وبطبعات محدودة. حتى الدراسات التى أتيح لها قدرًا من الانتشار واتساع رقعة التلقى، كدراسات عبد الله الغذامي، التي أتاحها عبر النشر الإلكتروني، فلم تستطع أن تتجاوز حدود الدراسات الثقافية، وتراجعت عن "المشهد الغذامي" المقولات التفكيكية، فيما تصدرت بدلا عنها المقولات والإجراءات المتعلقة بالنقد الثقافي".وفي إطار استجلائه حدود وآفاق الفضاءات السيسوثقافية للخطابات التفكيكية، بحثَ صفوت "عن آليات مفهومين داخل الخطاب التفكيكى وهما: المصلحة والسلطة؛ مصلحة الباحث التفكيكي وخطابه معًا، والسلطة التي تقاوم أو تساند تلك المصالح، مؤكدًا أن المصلحة قد تكون هدفًا ماديًا أو معنويًا، خطابيًا أو واقعيًا، ومشيرًا إلى إمكانية تحديد طبيعة الأهداف "المرامي" وتصنيفها من الناحية القانونية والأخلاقية، إلى مصالح مشروعة وأخرى غير مشروعة، إلا أنه يتعذر بشكل كبير مثل هذا التحديد/ التصنيف في مجال الدراسات النقدية واللغوية".وفي سبيل تحديد المصلحة والسلطة انطلق من الخطاب نفسه إلى الشروط السياقية لإنتاجه، ما يعني الإشارة إلى أهمية الربط بين العلائق الخطابية والفضاءات غير الخطابية "السياقات الاجتماعية، السياسية، والثقافية". مع التركيز على كشف "النسق المضمر" للخطاب التفكيكي، وذلك بتحديد مواضع الإيديولوجية المضمرة، غير المعلن عنها في الخطاب، وهو ما تتطلب الاتكاء على قراءة البنية الداخلية للخطاب النقدي، ووضعها في إطار السياق الثقافي الاجتماعي؛ ذلك لأن أي خطاب معرفي يستمد عملية تواصله السيسوتاريخي من جملة المعطيات غير النصية، وتتوسع آفاق فضاءاته من المشاركة مع الخطابات الأخرى "التاريخية، السياسية، الاقتصادية .....الخ"؛ فالخطاب النقدي يتجاوز كونه "مرمى فكري"، وإنما يعد "فعالية" تمرر في الواقع، وتتبعها فعالية اجتماعية تطمح في التغيير.وبيّن صفوت أنه في دراسة "الخطاب الروائي النسوي" تبرز مصلحة سهام أبو العمرين، كمصلحة "جنسية" "نوعية" في إطار دراسات الجندر، فتكتشف الاستراتيجيات النظرية في النقد النسوي، "لقراءة" نصوص لكاتبات مصريات، متحسسة علامات الثورة المجتمعية على تيارات التهميش والإقصاء الذكوري للمرأة. وبالتالي تواجه هذه المصلحة "سلطةَ الرجل/ الذكر" التي عمدت الروائيات عبر التشكيل في سرودهن "إلى إسكات صوت الرجل" تغيب سلطته وهى خطوة لتقويضها، وتم الإسكات عبر "التوظيف الدلالي للضمير "أنت"، واعتباره مفعول القول وليس فاعله، وتحميله تشرذم الذات المؤنثة. وبعض الروائيات وإن أعطت الرجل ضمير "الأنا" ليتكلم في أجزاء من سرودهن، فهن يوظفن صوته لإبراز القطيعة المعرفية بينه وبين المرأة". وحتى لا يطالها مقص الرقيب "القانوني" أو "الأكاديمي" جاء خطاب أبو العمرين أشبه "بالحيادي"، معتبرة دراستها كاشفة لا مؤسسة.أما عند الغذامي فقد حافظ، من وجهة نظر &صفوت، على علاقته بالمؤسسة الرسمية، سواء الجامعة أو المؤسسات السلطوية، ليتمكن من تمرير خطابه، الذي يبدو شكليًا حداثيا، يدعو إلى التغيير المجتمعي، لكنه، وفي جوهره، ينتمي إلى الثقافة التقليدية السائدة في شبه الجزيرة العربية. ومتوافقة مع الرؤية الجماعية للمجتمع، وهو مجتمع "لابد أن نضع في اعتبارنا" أنه يقوم على تركيبة قبلية مدعمة بالعقيدة، وضيق في مساحة الوعى السياسى، توجه استهلاكي ترفي، ازدواجية أخلاقية، ذهنية الربيع، رعاية تمويل شكل تقليدى للثقافة الدينية، تستمد دعائمها من مقولات النقل والأتباع، ويركز على مظاهر شكلية للتدين. وبالتالي يقولب المجتمع مفاهيمَ كالعلمانية والمدنية والحداثة ضمن أطر "الكفر" في جانب أو في أطر "عدم الملائمة" للمجتمع العربى في جانب آخر. وسيسوق الغذامي محاولات عدة لتبرير قربه من المؤسسة، وهى تبريرات غير مباشرة، ستصل به إلى امتداح القرب أو التشابك الحميم مع المؤسسة، ففي تعليقه على قبول دريدا الدكتواره الفخرية من كمبريدج يقول: "فيلسوف الاختلاف جنح للسلم والمهادنة "المؤسساتية" ونظر إلى الأمر كله وكأنه يحمل مصلحة شخصية ويريه بأن ما جرى هو إدانة للمؤسسة وكشف لها، وأن أى اعتراف من الجامعة بفيلسوف الاختلاف هو تفكيك لها لأنها قبلت بنقيضها ومقوضها.&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف