ثقافات

أنفال عبدالباسط الكندري: بمن تؤمنين؟

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مد يده نحوي لأنهض بعد أن أسقطتني عثرتي أمام المارة في طريق السوق المزدحم , و من حولي لا يبالون بمن تعثرت وكادت أن تكون تحت أقدامهم , أعطيته يدي وعدت إلى وضعي قبل مروره واقفة وعيني تتحدث مع الأحجار الصغيرة التي تمددت بجانب بعضها لتكون أرضاً مفروشة لأي قدم حتى ولو كانت غريبة عن هذه الديار .سألني : " من أنت ؟ " , فأجبته : " أنا ما تبقى من ذلك النور الذي وجد نفسه في قلب العذرا ." , فسأل عن حلم يغزو قلب أي أنثى : " و أين وليدك ؟ " . . فقلت : " في فم الغيب .. فلم ينطق بأمره بعد " . فرفع رأسه ونظر إلى السماء وقد كانت الشمس لا تترك مكاناً لغيرها و لا دليل لظهور القمر كي يلمع في صدر سماء مدينتنا , ثم قال : " هل يمكن ملامسة النجوم ؟ " . فأدرت وجهي لأخفي ابتسامتي عنه , ثم أجبته : " إن تمكنت من الصعود إليها بقلبك .. فستتمكن من ضمها إلى صدرك أيضاً " .أعاد غطائي الذي حاول التمرد بالسقوط إلى مكانه فوق رأسي وهو يسمي ظننت للحظه بأنه عابد متصوف , ثوبه الأبيض وحزامه الأحمر الذي يظهر من تحت ردائه وتلك العمامة البيضاء التي يخفي تحتها شعره , همس بإذني إن كان بإمكاني أن اتبعه بصمت , ولم يوضح لي سبب ذلك , ولم يذكر لي كم سيطول بنا الطريق , لكنني تبعته و أنا أعد أحجار الطريق الذي طال و أقرأ ما كتب على جدران الممرات الضيقة التي أدخلني بها , يدخل حارة بعد أخرى و يخرج دون أن يفعل شيء يمر كالعابر لكنه لا يترك أثراً خلفه كي يذكر به , تضيق تلك الممرات بطولها و تكبر تخطفني ابتسامة طفل و يسرق مني أحد المارة نظرة , و يفزعني صراخ أحد العاملين الصغار في دكان خاو من بضاعته , أنادي عليه ولا يجيب , يضرب الطفل ولا يلتفت .. يساق بدمه نحو نهايته ولا يقف , من هذا الذي أتبعه ؟أكملت لاتبعه نحو ما يأخذني إليه علني أفهم شيئاً , وأنا لا أرى منه سوى رداءه , يسير أماي وكأنه يفتح لي الطريق بخطوة سريعة , قابض على كفه , صمته حاضر يقلب أفكاري على راحتيه , و صبري يمسك بيدي حتى لا أحمل نفسي نحو طريق آخر , ردائي الأبيض أصبح يمرر نوراً من حولي لا اعرف مصدره , وعيني لازالت عليه لم أعد أبالي بضيق الممرات و رائحتها و ظلامها , و لم تعد تضايقني زحمة السكك و كلمات المارة , فقط أريد أن اعرف إلى أين أيها العابد الذي لا اعرف من أي سماء هبط لاتبع خطوته , حتى توقف بين مسجد رفع فيه الآذان للتو و بين الكنيسة التي توقفت أجراسها احتراماً للصوت الذي جاء ينادي حي على الصلاة , التفت نحوي سائلاً على ماذا يفز قلبي على الصوت الذي جاء من المئذنة أم على صوت أجراس الكنائس ؟فوضعت يدي على غطائي ارتباكاً ثم قلت له : " ستجدني تحت تلك النخلة التي توسطت الدارين انتظرك ." فأمسك بكفي سائلاً وخلف عينيه سماءاً تسقط بردها على ذلك الجمر في صدره : " بمن تؤمنين ؟ " . فاقتربت منه و وضعت كفي على صدره لألامس ذلك النبض الفزع بقلبه قائلة : " بنور قلبك .. فأنا فتاة تؤمن بكل خيط نور ".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف