ثقافات

"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

عشرة آلاف سنة منسية من تاريخ البشر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

غالبًا ما يهمل الإنسان الحديث فترة طويلة امتدت لعشرة آلاف عام حدثت فيها تطورات عديدة كاختراع الزراعة وترويض الحيوانات وتأسيس مفاهيم الحرب والسلطة والحكم والتملك والهرمية الإجتماعية. وقد أسست تلك الفترة لتاريخنا المعاصر من دون أن ندري. 
 
إيلاف: أمضى الإنسان 99% من تاريخه وهو يصطاد الحيوانات ويجمع الثمار. ومنذ 12 ألف عام، بلغ عدد البشر، حسب ما هو معتقد، مئات عدة من الآلاف، كانوا يتنقلون بين المناطق المختلفة في شكل مجموعات صغيرة. 

أما اليوم فأصبحت الأرض مكتظة بسكانها، الذين تجاوز عددهم 7 مليارات إنسان، يعيش معظمهم في مناطق حضرية وضمن مجتمعات تخلو من المساواة، لأن 1% فقط منهم يملكون نصف ثروات العالم.

لكن ماذا حدث على مدى عشرة آلاف عام؟.. هذه الفترة المنسية التي غالبًا ما يهملها تأمل الإنسان الحديث... وما الأشياء المهمة التي أسست لتاريخنا المعاصر من دون أن ندرك ذلك؟.. ترى من اخترع الزراعة والأدوات والحكم والحكام والحروب والآلهة والمجتمعات والمجازر والهيمنة والتسلط الذكوري والهجرات وأمورًا أخرى عديدة تبدو بديهية للغاية بالنسبة إلى إنساننا المعاصر؟.  

أسئلة عديدة يحاول الآثاري والمؤرخ المعروف جون بول دومول الإجابة عنها في كتابه "الألفيات العشر المنسية التي صنعت التاريخ"، وهو كتاب ممتع وسهل القراءة يقع في 317 صفحة، ويغطي عصورًا امتدت آلاف السنين، ويحاول تفسير أصول مجتمعنا الحديث، ملاحظًا أن أمورًا عديدة ظلت كما هي، ولم تتغير منذ أن اخترعها إنساننا الأول.

فقراء وأغنياء
يشير الكاتب إلى أن علم الآثار يكشف عن أن الناس ظلوا وعلى مدى قرون عديدة وربما لآلاف السنين يعيشون في ظل مجتمعات خالية من فئات متسلطة تفرض انعدام المساواة وتحتكر موارد الثروة. لكن الأمور سرعان ما تغيرت، ما أن اخترع أحدهم الزراعة التي يعتبر الكاتب أنها هي التي كرّست الهرمية الاجتماعية والفروقات بين الأغنياء والفقراء.

ويرى الكاتب أن الشواهد الحجرية الضخمة المنتشرة في منطقة بريتانيا وفي بريطانيا وأماكن أخرى في غرب أوروبا كانت إشارة إلى بدء الفوارق الطبقية في المجتمع، فيما يلاحظ أن مقابر يعود تاريخها إلى عصور أبعد، لا سيما فترات الاعتماد على الصيد وجمع الثمار، تكشف عن حالة مساواة داخل المجتمعات. ثم بدأت الأمور تتغير لاحقًا في أوروبا الغربية ما أن بدأت هجرة مزارعين من الشرق الأوسط نحو سواحل الأطلسي، والتي تواصلت بين ثمانية آلاف وأربعة آلاف عام قبل الميلاد.

إن لم يعجبك غادر!
يشير الكاتب إلى أن هذه الهجرات لم تأت نتيجة سعي المزارعين إلى إيجاد أراض جديدة للحراثة في أماكن بدأ عدد السكان يتضخم فيها، بل كان من أسبابها ظهور طبقة من الحكام وانتشار توترات اجتماعية "إن كنت غير راض عن الحاكم غادر القرية، وتوجه غربًا أو نحو الشمال، حيث توجد غابات وأراض يمكن زراعتها، وحيث يسكن صيادون وجامعو ثمار". 

يكرّس جزءًا مهمًا من كتابه لدراسة التوترات الاجتماعية التي برزت مع ظهور مفهوم الملكية والاحتكار، وما أعقبها من خلق هرمية وتسلط إلخ... ويتوصل إلى أن موجات الهجرة في تلك العصور جاءت للتخلص من الصراعات الاجتماعية، وليس بحثًا عن الثروة، ولا بسبب الرغبة في استكشاف مناطق جديدة.

ويعتقد دومول أن ثورة العصر الحجري الحديث هي التي خلقت مفاهيم وواقعًا لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا، مثل العمل والحروب والمعتقدات الدينية، ويرى أن حماية المكتسبات تطلبت خلق نوع من الخوف ومن الترويع لدى عامة الناس، الذين كان عددهم أكبر بكثير من عدد أصحاب المال والسلطة، وذلك من خلال طرح علاقة مع عالم غيبي بعيد.  

لماذا بدأت الزراعة؟
يتطرق الكاتب إلى قضايا عديدة في كتابه، منها الأسباب التي أدت إلى قيام ثورة العصر الحجري الحديث واختراع الزراعة، حيث يتساءل عن سبب تفكير الإنسان بحراثة الأرض وزرع البذور وحماية الحصاد من الحشرات ومن التلف. 

ثم يرى أن الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن تكون واضحة تمامًا، ولكنه يعتقد أيضًا بأن حتمية التطور التي يقول الكثيرون إنها ترافق حياة البشر ليست مقنعة هي الأخرى. 

وبحسب الكاتب فإن اختراع الزراعة يتطلب شروطًا مسبقة، مثل أن يكون الإنسان مستقرًا في مكان محدد يعيش فيه ضمن تجمع سكاني، وأن تكون هناك بيئة تساعد على تحقيق الزيادة السكانية، ثم بعد ذلك يجب توفير تقنيات خاصة للحفاظ على المحاصيل الزراعية وحمايتها من التلف، كما من الضروري أيضًا توافر أساليب الدفاع عن المنطقة التي يقيم فيها تجمع سكاني معين أمام الطامعين. 

ويعتقد الكاتب أن هذه التطورات حدثت على مدى قرون طويلة لتشكل مسيرة متسلسلة لا مجال لوقفها أو الرجوع عنها، ولكنه يرى أن البداية جاءت مع ارتفاع عدد السكان، ثم بعدها فقط بدأت الزراعة لغرض توفير ما يكفي لإطعامهم، وهذا ما أدى إلى ازدهار مدن عديدة في منطقة الشرق الأوسط، في حين أن المزارعين الذين غادروا هذه المدن، بسبب توترات اجتماعية، وتوجّهوا شمالًا أو غربًا، أنشأوا قرى صغيرة في أوروبا والمناطق المحيطة بها، وهي تجمعات حافظت على حجمها من دون تطور كبير على مدى عصور.
 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف