ثقافات

سبعون سنة على إصدار رائعة بزرك علوي

"عيناها" إيرانية وشهرتها عالمية

الروائي الإيراني بزرك علوي
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من بغداد: منذ أن طبعت رواية "عيناها" عام 1952 في إيران للكاتب الإيراني بزرك علوي، وهي مثار حديث النقاد كما تحصد مبيعات مرتفعة بانتظام، حتى بعد 71 سنة من إصدارها، وذلك لما تحمله من أفكار وقيم مهمة، ولما تمثله من خصوصية في الأدب الإيراني المعاصر. تتمحور الرواية حول قصة حب، وتظهِّر الأحداث السياسية التي شهدتها البيئة الطهرانية في تلك الفترة، حيث التيارات السياسية والثقافية المختلفة وتنوع الطبقات الاجتماعية في زمن استبداد الشاه، والأحداث الكبيرة المتسارعة آنذاك والتي كانت البذرة لما هو عليه الآن المجتمع الإيراني، بعد صراع كبير مع نظام الحكم الوراثي ذو التوجهات الغربية.

طريقة السرد
يعتمد الكاتب على صوتين للسرد في الرواية، الصوت الأول هو الراوي العارف بكل شيء وهو "ناظم المدرسة"، والذي في البداية يطرح سؤالاً عن سر ورمز لوحة تحمل اسم الرواية للرسام "ماكان"، والصوت الثاني في السرد يعود للبطلة "فرنكيس"، وأن تعطى مساحة كامرأة في رواية تتحدث عن المرأة ميزة مهمة، فالرواية تخص المرأة وكتبت بقلم رجل، حتى وإن كان الرجل في النهاية من سيحظى بالمديح والتبجيل. فالمرأة هي الأسطورة في الرواية، وهي التي تضحي بنفسها وتتحطم حياتها في سبيل نجاة حبيبها.
وبالرغم من أنَّ بطلة القصة امرأة، لكن اشتهرت الرواية باعتبارها رواية عن رجل مناضل يكافح الاستبداد والدكتاتورية. وهنا يستشعر القارئ الواعي قدرة الكاتب العميقة على الكتابة بلسان امرأة، وإظهار قصة حبها، والتعبير عن مشاعرها وأحاسيسها وأفكارها، والتنقل مع فارق الزمن بين البطلة الشابة العاشقة المتوهجة، ثم السيدة الأربعينية الخاسرة أغلب معاركها في الحياة.

تشابه موضوعي
لا يغيب عن المتابع التشابه بين حياة الكتاب والبيئة التي نشأ فيها، وبين بيئة شخصية بطلة روايته، التي يجب أن تكون مرفهة مادياً وتعليماً في أوروبا، فهذا يحتاج أدوات وفهماً واسعاً قبل الشروع في الكتابة، وهذا ما ظهر في النص. فالكاتب بزرك والشخصية فرنكيس كلاهما نشأ في بيئة مترفة ومتعلمة، وكلاهما قدم تضحيات كبيرة في سبيل حركة النضال اليساري في إيران في تلك الفترة من حكم الشاه. ويمكن القول إنَّ الكاتب اقتبس من حياته الشخصية بعضاً مما ورد في هذه الرواية، وكان مبدعاً في إضافاته وتلميحاته.

نضال الأغنياء غير مقنع
تطرح الرواية فكرة المناضل من أسرة غنية مرفهة! وهو أمر قد يكون غير مقنع، خصوصاً أن الطبقة المترفة عموماً كانت تناصر الشاه وتؤيد بقاء نظامه، لأن مصالحها مرتبطة باستمرار حكمه، وأي تغيير يجعل مستقبلها غير واضح. لكن من يقرأ حياة الروائي علوي يفهم الأمر جيداً، فهو أحد مؤسسي حزب توده اليساري في إيران، وقد ناضل من أجله مبتعداً حتى عن الأدب في كثير من فترات حياته، وهاجر ليخسر الكثير، وأظهر في النهاية أسفه عن تلك الرحلة والمرحلة.

لذلك، جاء خط الرواية مرسوماً بعناية ليعبر عن الكاتب، فالبطلة غنية مرفهة كما الكاتب، وتحصل على كل ما تريد، لكنها تحب رساماً (ماكان) وترغب في البداية بجذبه، لكنه لا يعيرها أي اهتمام، وتصمم على القبض على قلبه، فتتحول إلى مناضلة وتنخرط في صفوف حركته، فيرحب بها لأنها دخلت عالمه، ويعطيها كل الاهتمام، ثم تصبح مجرد أداة بيد المناضل لتنفيذ مهماته؛ فهدفها الحب وهدفه استغلالها لإنجاح نضاله.


غلاف الترجمة العربية من رواية "عيناها" الصادرة عن دار المدى في عام 2016

ينجح الكاتب علوي في تحريك القارئ ضد المناضل، ويجعله يصرخ بالبطلة فرنكيس قائلاً لها: "توقفي، فأنت مجرد أداة لهذا الأناني..."، حيث يتعاطف مع الفتاة التي تمثل الطبقة الغنية والتي يتم استغلالها من قبل المناضلين دون أن يظهروا لها أي احترام أو تقدير أو ثقة.

الحب والمرأة
الحب يختلف من الرجل إلى المراة، فكل منهما يعبر عنه بشكل مختلف ومن زاوية مغايرة. ينجح الكاتب علوي في تصوير هذا الاختلاف، وكيف تفكر المرأة وما تقدمه وما تنتظره في الحب، في المقابل ما يفكر به الرجل وبما يريد من المرأة في الحب. هذا التصوير الواقعي لم يحظَ بإعجاب الكثير من النقاد، فقد اعتبروا رؤية علوي للمرأة سلبيةً كبقية أقرانه من كتاب تلك الفترة، لا سيَّما حين يصور أنانيّتها بتملّك المناضل، فيما يجيب هو أنه لا يرغب بالسعادة الفردية بل يبحث عن النوع الشعبي منها. وقد صوّر الكاتب علوي الواقعية بشكل جيد في ما يمكن لمناضلٍ محروم أن يفعله أمام سيدةٍ حسناء ثرية، فهو استغل مالها وجمالها وجسدها أيضاً، طبعاً لصالح القضية، أما هي كعاشقةٍ فقدمت عُمرها لأجله لتنقذه من الموت المحتم في السجون.

الرمزية في الرواية
رمزية الشخصيات في رواية "عيناها" ذكيةُ جداً، فمثلاً الرسام المناضل لم يفهم الشابة العاشقة أبداً، فرسم عينيها كأنهما فخٌ له؛ هكذا عبر الكاتب بشكل رمزي عن رؤية البطل للعاشقة! ولتعقد الأحداث، كان يجب استخدام الرمزية أحياناً، أما واقعية بعض الأحداث والتواريخ التي مرت بها طهران وتم نقلها بين سطور الرواية، فهي أيضاً قيمةٌ مضافة للرواية المكتوبة بقلم أحد المناضلين والأدباء المميزين في القرن العشرين. من دون شكٍ فإن رواية "عيناها" من أفضل الأعمال الأدبية المعاصرة في إيران، ولا بد لقراءتها من المرور على تاريخ حقبةٍ مميزةٍ من نضالِ اليساريين في إيران وخسائرهم لاحقاً.

سيرة حياة الكاتب
ولد بزرك علوي في عام 1904 في طهران، وهو روائي وكاتب وسياسي إيراني شهير. من مؤسسي حزب توده الإيراني في أربعينيات القرن الماضي، ويعتبر من أشهر الكُتاب اليساريين الإيرانيين، ويشتهر بروايته "عيناها" موضوع هذا المقال، التي تحكي قصة أبناء إيران في ظل حكم الشاه، وكان والده، أبو الحسن، ثورياً شارك في الثورة الدستورية في بدايات القرن العشرين، وكان جده عضواً في البرلمان.

في عام 1923، بُعِث الكاتب مع شقيقه مرتضى إلى ألمانيا لاستكمال تعليمهما، وعاد إلى إيران بعد التخرج في بدايات الثلاثينيات، وبدأ التدريس في شيراز، وخلال إقامته في ألمانيا اطلع على الأدب والشعر الأوروبي، وبدأ بترجمة كتب مشهورة إلى الفارسية.

تم إلقاء القبض عليه عام 1937 لانتهاك القانون المضاد للشيوعية، وقد ظل في السجن حتى احتلال التحالف لإيران في خريف عام 1941، وقد قبض عليه وحُكِم بالسجن لمدة سبع سنوات.

خلال الحرب العالمية الثانية، كان علوي واحداً من مؤسسي حزب توده الشيوعي بإيران، وحرر جريدة الحزب "مردم". وفي عام 1952، نشر "عيناها"، ومجموعة قصصية عنوانها "الرسائل وقصص أخرى". وتوفي الكاتب في عام 1997 في برلين إثر نوبة قلبية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف