قصة قصيرة
عُمَر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في فناء الحديقة الخلفية لحضانة دار الرعاية، يركب دراجته مبعداً نفسه عن أجواء المرح واللعب داخل القاعة؛ طفل ربما لم يتجاوز الحادية عشر من عمره، يتوشح الصمت، ويفرط بالاستفزاز والعدائية كلما حاولت إشراكه مع زملائه في اللعب، وحين وجد أنني لا أبدي أي اهتمام أو تفاعل مع طريقته، خرج بهدوء دون أن ينظر خلفه!
تفاعل جميع الأطفال مع الأنشطة الترفيهية، دخلوا أجواء من التحدي والمنافسة، ضحك البعض وحزن بعضهم أثناء خسارة جولاتهم التنافسية. كان هذا اللقاء فرصة لأن يحتفوا بالود والاهتمام، لكنه لم يكن من بينهم! حين هممنا بالخروج من الدار، تبعنا أحد الأطفال وقام باحتضان إحدى المتطوعات طالباً منها ألا تغادر، وحين طمأنته أنها ستعود في زيارة قريبة، عاد وجهه مبتسماً. التفتنا إلى ذلك الطفل وهو فوق دراجته وسألناه إن كان يريد عودتنا هو الآخر فقال: " انقلعي".
لم تكن تلك الكلمة هي حقيقة ما يقصده، فقد كان فعل صاحبه كافياً لأن أدرك واقعه المؤلم؛ كم وجه تعلق به ثم غاب عنه؟ كم حضن شعر بدفئه ثم اختفى صاحبه؟ كم اسم حفظه ولم يناد به منذ آخر لقاء؟ كم هو مؤلم أن نحتفظ بالأسماء والوجوه في ذاكرتنا، دون أن ندفأ بعناق أو نكمل تبادل الضحكات... أن تحفظ اسماً لا يمكنك أن تنادي به، أو تنادي بصوت يرجوه ذلك الغائب، وتعلم أنه لن يرد عليك بسؤال عن حالك!
نظرت إليه وهو يذهب بدراجته وصوت قلبي يسأله:
- ما اسمك؟
خيالاً يجيب:
- عُمَر.
- كيف سأذكر اسمك؟
- تذكري عُمْر من الوحشة، عُمْر من البرد وعُمْر من الخوف، عُمْر قصير أظلمته القسوة.
قطعت تلك الصورة وعدت إلى الواقع أنادي عليه، لكنه لم يلتفت، وكأن لسان حاله يقول: لن تعودوا لزيارتنا مرة ثانية.
لا يمكن للبعض تقبل الحب بعد أن اعتاد الفقد، ولا يمكن أن يثق بقبول الآخر بعد أن رفضه من ينتمي إلى ذات الجذور التي ينتي إليها.