ثقافات

قصة قصيرة

السياف

لقطة من فيلم The Stoning of Soraya المأخوذ عن قصة حقيقية
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

صباح نديّ تبتسم شمسه خلف ستر من الخجل، تتوارى النسمات أحيانًا تحت لفحات الأنفاس المتحفزة. طوفان من البشر جلس ينتظر، ورجل ضخم وقف متكئًا على سيف وساحة فسيحة تشهد كل يوم أرواحًا تزهق وأطرافًا تقطع نشدانًا لمجتمع فاضل لا يوجد سوى بمخيلات الفلاسفة.

مقيدة بأغلال الحب أم بأغلال التقاليد ـ لا أدري ـ ترجلت من السيارة منكسة الرأس تجرجر ما تبقى منها بعد طول معارك في ساحات الحب المضنية تارة، وفي ساحات المحاكم تارة أخرى.

حكموا عليها بالموت بعد أن تضع طفلها الذي سيأتي بلا أب.

بالأمس، خذلها الجسد وناء بحمل ذلك الوليد الذي سيمنحها الحياة عدة أشهر إضافية، فتخلى عنه ولم يدرك أن بذاك التخلي سينتهي.

كوم من الحصى تمدد جانبًا ينتظر أياد تزعم أنها تقية تمتد إليه لتقذفها وتحرر جسدًا آثمًا من الروح.

بدت تحت ضوء الشمس ترتجف، ربما تفكر، ربما تهفو لرؤية من أحبته حتى الهلاك وغدر بها. معصوبة العينين لا ترى سوى ظلمة الخوف لكنها حتمًا تراه، فترفع يدها إلى صدرها في رقة وهي تنتظر منهم إشارة البدء.

لو أدركت أن الحب يقتل لما استسلمت لحبيب، لو تفهمت أن عالمنا لا يرحم من تهب جسدها لمن تحب لما أهدته، لو علمت أن لمجتمعنا قوانين تسامح الرجال وتقتل لنفس الأسباب ضحاياهم من النساء لما تساهلت.

ألم يدرك هؤلاء أن لميزان الحب طرفين؟ وها هم يعاقبون الطرف الأرق بلا عدل وكأن الكون مالت موازينه.

قرأوا عليها جرمها ليقتصوا منها ولتعتبر لنهايتها كل النساء. ما إن انتهوا حتى انبرت الأيدي تقبض على الحصى لترجمها.

"من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر".

ورماها الجميع كأنهم بطهر الملائكة. كم يدًا خاطئة عاقبتها، وكم قلبًا حين رؤيتها تتلوى تناسى أحقاده وانفطر، وكم دمعة سالت خوفًا من مصيرها وكم قلبًا تناثرت نبضاته غضبًا لما اقترفت.

أين ذلك الذي منحته حياتها فأهدرها ولم يأتِ ليشاهد الفصل الأخير في مسرحية الحب البائس تلك؟ أم تراه أمسك كالجميع حجرًا ليكمل ما بدأ فيه؟

ترتجف أعماق الإنسانية حين تشاهدها ترجم كشيطان لم يفعل بحياته سوى جرم الحب. يرتطم بجسدها الحجر فيسيل دمها دون أن تموت، وكأنما يستحق جسدها كل ذلك العذاب حتى يتطهر.

كفت عن التلوي بعد ثلاث ساعات. اقترب منها الطبيب، تحسس نبضها، أشار إلى السياف الذي اتخذ من سيفه عصا يتوكأ عليها: ما زالت حية.. أكملوا.. رجمًا وسبًا.

نفد الحجر، وأشار الطبيب ثانية: لم تمت. جاءوا بحجر جديد أكثر، فنفد، وأشار الطبيب: ما زال القلب ينبض.. لم تمت.

تحول الجسد المستسلم إلى بحر من دماء وما زال الطبيب يشير: لم تمت. ساعات وأحجار ودماء ثم حيرة وبشر. كيف يتحدى ذلك النبض كل ذاك الحجر؟

انبرى السيف يسطر حرف القضية الأخير. لم يدرك أن للأحجار قلبًا يتفاعل. لم يفهم السياف أن حتى السيوف لم تنتصر يومًا على نبض أحب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
احسنتِ
متابع -

احسنتِ. ولكن ما كتبته: " وساحة فسيحة تشهد كل يوم أرواحًا تزهق وأطرافًا تقطع نشدانًا لمجتمع فاضل لا يوجد سوى بمخيلات الفلاسفة" خطأ...لأن الذين يقتلون النساء لا يحاولون الوصول الى مجتمع فاضل، بل هم يريدون السيطرة فقط, السيطرة لأنهم ضعفاء مهزوزون وفارغين.