اقتصاد

سلاح استراتيجي ما كان في الحسبان

الزيت الصخري الأميركي يقلّص سيطرة "أوبك"

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من لندن: ارتفعت أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة إلى أعلى المستويات منذ أواسط عام 2014، واخترقت حاجز 70 دولارًا للبرميل في الثلث الأخير من يناير، إلا أن الأسعار تراجعت الأربعاء لليوم الثالث على التوالي لتسجل 68.97 دولارًا للبرميل للعقود الآجلة لخام برنت القياس العالمي. وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 70 سنتًا أو 1.1 في المئة، إلى 64.86 دولارًا.

فرصة المنافسة

حفّز انتعاش الأسعار في عام 2017 رفع وتيرة إنتاج الزيت الصخري، وتوفير الفرصة للولايات المتحدة كي تنافس كبار المنتجين في العالم، مثل روسيا والسعودية، وفي الوقت نفسه كبح وتيرة ارتفاع الأسعار.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز في 28 يناير، تصاعد إنتاج الزيت الصخري وبدأ صعود الدور الأميركي في مجال النفط بوصفه قوة نفطية مؤثرة على الرغم من محاولات منظمة "أوبك" تهميش صناعة الزيت الصخري. لكن هذه الاستراتيجية لم تنجح مما جلب في النهاية فوائد للأسواق والصناعة النفطية.

بعد مرور ثلاثة أعوام على أسعار نفطية منخضة، صمد الزيت الصخري وكافح من أجل البقاء على الرغم من انهيار الأسعار والاضطرابات في السوق ومناورات "أوبك". وساعد في الصمود تطوير تكنولوجيا متقدمة تقلل من تكاليف التنقيب واستخراج الزيت من الصخور.

لا يمكن إنكار أن عددًا كبيرًا من الشركات الصغيرة أفلس، وتم تسريح آلاف العاملين في قطاعات إنتاج النفط الصخري، لكن صناعة الحفر والإنتاج لم تتوقف كليًا.

منتج كبير

مع ارتفاع معدل سعر مزيج غرب تكساس الوسيط لأكثر من 65 دولارًا للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ 2014، باتت الولايات المتحدة منتجًا كبيرًا يستطيع منافسة كبار اللاعبين في السوق النفطي وفي تزويد الأسواق العالمية مع تخفيض الاستيراد من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومما لا شك فيه، إن اتفاق خفض الإنتاج بين "أوبك" وشركاء خارج المنظومة وعلى رأسها روسيا أدى دورًا هامًا في خلق حالة من التوازن في الأسواق. وتم تمديد صفقة التخفيض في أواخر عام 2017 حتى نهاية عام 2018، حيث تبقى الحافز الأهم لارتفاع الأسعار.

من المتوقع أن يرتفع الإنتاج النفطي الأميركي إلى 10.3 مليون برميل يوميًا، وهذا يضاهي ما تنتجه السعودية وما تنتجه روسيا بحسب مصادر وكالة الطاقة الدولية.

يرى بعض الخبراء أن الإنتاج الأميركي ربما يتجاوز الإنتاج السعودي البالغ 10 ملايين برميل يوميًا. واللافت للانتباه وبحسب مصادر إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أصبحت الولايات المتحدة منتجًا كبيرًا ومصدرًا للغاز الطبيعي، ما يهدد سيطرة روسيا على أسواق الغاز الطبيعي في أوروبا الشرقية.

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالسماح لنشاطات حفرية جديدة في البحار المقابلة للسواحل الأميركية وتخفيف القيود والأنظمة التي تتحكم وتعرقل تطوير الصناعة الأحفورية عامل مساعد.

سلاح استراتيجي

يجب القول إن طفرة إنتاج الغاز والزيت الصخري التي حدثت في إثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لا علاقة لها بواشنطن والبيت الأبيض، بل هي نتيجة جهود الشركات الخاصة التي استجابت لاحتياجات الأسواق العالمية.

مقارنة بمشروعات النفط الضخمة التي تقوم بها شركات الطاقة العملاقة، فإن حقول النفط الصخري صغيرة ويمكن تطويرها وتشغيلها بتكلفة متواضعة وفي وقت قصير نسبيًا، الأمر الذي يجعل من توقيف هذه الحقول وإعادة تنشيطها أمرًا سهلًا بحسب التغيرات في السوق.

هذا يفسر الاهتمام الزائد الذي تبديه شركات كبيرة مثل شيفرون وأكسون موبيل في الزيت الصخري حاليًا، ولا سيما في مناطق غرب تكساس ونيومكسيكو.

في هذا السياق، علّقت نيويورك تايمز بالقول إن ارتفاع إنتاج الغاز والنفط أعطى واشنطن سلاحًا استراتيجيًا اضافيًا لم يكن في الحسبان، وهذا يعني أن للولايات المتحدة وحلفاءها قدرة إضافية من الطاقة يمكن الاعتماد عليها في الحالات الطارئة. قبل سنوات، كانت الأسعار تصعد بسرعة نتيجة أي تهديد، لكن يبقى السعر الآن زهاء 70 دولارًا للبرميل، بغض النظر عن أي عوامل أخرى.

ثورة الزيت الصخري

لا بدّ من الاعتراف أن ثورة الزيت الصخري غيرت الصورة في أسواق الطاقة. الاستيراد الأميركي من أعضاء "أوبك" تراجع بنسبة 20 في المئة في الفترة الممتدة بين أواخر عام 2016 ونهاية عام 2017، وارتفعت صادرات الولايات المتحدة مئات الألاف من البراميل يوميًا. لم يتنبأ احد ذلك في عام 2014.

آنذاك، اتخذت منظمة "أوبك" بقيادة السعودية تكتيكًا جديدًا بوصفه بديلًا للتدخل المباشر في السوق للتأثير على الأسعار، تركت السوق وحده تحت رحمة معادلة العرض والطلب لتلعب دورًا هامًا في تقرير الأسعار.

في عام 2014، هبطت الأسعار إلى أقل من 40 دولارًا للبرميل، وكان ثمة أمل في أن هذا السعر سيقود صناعة الزيت الصخري إلى الهاوية، نظرًا إلى تكلفة الإنتاج العالية، ونجحت هذه الاستراتيجيا موقتًا في خفض عمليات التنقيب والإنتاج، لكن أيضًا رافق ذلك تطوير تكنولوجيا جديدة لتخفيض التكلفة ورفع الانتاج.

أفلست الشركات الصغيرة بالعشرات، لكن الصامدين استثمروا في تكنولوجيا الحفر الأفقي لزيادة الانتاج حتى في أثناء هبوط الأسعار.

استجابة لهذا التطور، غيّرت "أوبك" وروسيا الاستراتيجية وقررتا خفض إنتاجهما في أواخر 2016 بواقع 1.8 مليون برميل يوميًا، وهذا ساري المفعول حتى اليوم. والآن، يُنظر في تمديد اتفاق خفض الانتاج حتى عام 2019 لدعم الأسعار.

سيتغير المشهد النفطي

التكنولوجيا التي ساعدت في استخراج النفط من الصخر خلقت حالة من الهيجان في عمليات الحفر، ما ضاعف حجم وكميات الانتاج خلال عقد من الزمان، وحوّل ولايات أميركية مثل داكوتا الشمالية ونيومكسيكو إلى مراكز نفطية هامة.

تبنى الآن خطوط أنابيب في ولاية تكساس لتوصيلها إلى موانيء على خليج المكسيك لضخ النفط في ناقلات متوجهة إلى الصين والهند وغيرها. فضلًا عن ذلك، بلغ الانتاج النفطي الأميركي 9.3 ملايين برميل يوميًا في عام 2017، وهذا الرقم سيرتفع إلى 10.3 ملايين برميل يوميًا في هذا العام. ومنذ رفع الحظر المفروض على تصدير النفط الأميركي، ارتفعت الصادارت الأميركية مليوني برميل يوميًا تقريبًا، وهذا يزيد عن صادرات عدد من أعضاء "أوبك".

تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية ارتفاع الإنتاج المحلي بواقع 500 ألف برميل يوميًا في عام 2019. لكن، في مقابل ذلك، ثمة كوابح مثل القلق بشأن حماية البيئة وازدياد شعبية السيارات الكهربائية التي قد تؤدي إلى خفض الإنتاج والطلب على النفط في الولايات المتحدة. لكن، على المدى القصير، سيتغير المشهد النفطي.

تتوقع إدارة الطاقة أن يتراجع سعر مزيج برنت القياسي إلى 60 دولارًا للبرميل في عام 2018، لكن قلة تتوقع أن تعود الأسعار إلى مستوى 100 دولار، إلا في حالة حرب كبيرة أو تعطيل كبير للإمدا النفطي.

ارتفاع عدد الحفارات

يعتقد الخبراء أنه عندما تصعد الأسعار إلى 60 دولارًا للبرميل وما فوق، نشاهد اندفاعًا كبيرًا لزيادة أعمال التنقيب والإنتاج وارتفاع عدد الحفارات وفعلًا ارتفع عدد الحفارات بنسبة الثلث في العام الماضي.

قالت شركة "بيكر هيوز" للخدمات النفطية الجمعة إن عدد الحفارات النفطية الناشطة ارتفع إلى 759 حفارة في الأسبوع المنتهي في 26 يناير، وهذا أعلى مستوى منذ سبتمبر أيلول.

أكثر من نصف تلك الحفارات تقع في حوض برميان في غرب تكساس وشرق نيومكسيكو، حيث زاد عدد الحفارات الناشطة بمقدار 18 حفارة إلى 427، وهو الأعلى منذ يناير 2015. وهذه أكبر زيادة في أسبوع واحد في عدد الحفارات في برميان منذ نوفمبر 2013.

قال تقرير بيكر هيوز إن إجمالي عدد حفارات النفط والغاز الطبيعي بلغ 947 في 26 يناير، في مقابل 876 حفارة في عام 2017 و509 حفارات في عام 2015. وينتج معظم الحفارات النفط والغاز. فهل فقدت "أوبك" السيطرة على أسواق النفط؟ وما استراتيجية "أوبك" للتصدي لتصاعد الدور الأميركي بوصفه لاعبًا قويًا ومنافسًا؟

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف