حزب الله من حرب إلى حرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لبنان لن يعرف هدوءاً ... في السياسة على الأقل
"حزب الله" من حرب إلى حرب
مبارك يبحث مع السنيورة العلاقات اللبنانية السورية
منظمة العفو الدولية تتهم حزب الله بارتكاب جرائم حرب ضد الاسرائيليين
روسيا سترسل 400 عسكري الى لبنان
بيرتس: سمير القنطار يجب أن يكون في حسباننا
دمار الضاحية يصب في بحر الأوزاعي
براميرتز لن يسمي المتهمين هذه المرة أيضاً
الحوري لإيلاف: النظام السوري يتخبط في توجهاته
اليونيفيل تنشر السلام وتساعد في الاعمار
تراجعت بيروت عن شرطها فقبلت ألمانيا إرسال بحريتها
إيلي الحاج من بيروت: ليس مقدراً للبنان أن يهدأ ولو ليوم . فبعدما تعطل سلاح "حزب الله" القتالي نتيجة لحربه مع إسرائيل والقرارالدولي 1701 الذي قبل به الحزب ارتد على الداخل اللبناني مفتتحاً مواجهة سياسية ستتخذ طابع المنازلة مع الوقت. هل هو على حق في ما يذهب إليه أم على خطأ موضوع آخر. المهم من الآن يمكن التقدير بناء على كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أن السنة الآتية ستكون شديدة الصعوبة، والرجل عندما يقول أن حزبه لن يتعاون في المستقبل مع أحد على حساب "القوى التي ساندتنا" يقصد بوضوح النائب الجنرال ميشال عون وعقدة رئاسة الجمهورية التي لن يتوافر نصاب الثلثين لحلها انتخابياً من دون كتل "حزب الله- حركة أمل"- عون.أما حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ففي منأى عن خطر إسقاطهاما دامت الغالبية غالبية فيها وفي البرلمان. لكن الكلام الذي ساقه السيد نصرالله في مقابلته المتفجرة مع غسان بن جدو على قناة "الجزيرة" أمس ليس إلا مظهراً لأسلوب صراخي يعتمده أركان في "حزب الله"ويتصاعد منذ أيام في المناسبات وعبر الشاشات ، موحياً أن ثمة ما أفقد الحزب أعصابه، وقد لا تكون أسبابه في مواقف "قوى 14 آذار" وحدها.
في أي حال، من التطورات المتدافعة في الأيام الأخيرة، من بيان "14 آذار (مارس)" الذي دعا الحزب الشيعي إلى الإلتحاق بالدولة اللبنانية، الى نداء المطارنة الموارنة الذي حضه على التخلي عن الأحلاف الخارجية والتفرد بالرأي، إلى بيان تكتل نواب عون المنذر والمتوعد للحكومة ، إلى بيان "حزب الله" الذي رد على "14 آذار/ مارس" بتخوينهم، وأخيراً كلام السيد نصرالله المدوّي، يتبيّنأن الوضع الداخلي في لبنان يدخل مرحلة ساخنة يسودها التوتر والتحدي، في حين تتجه خطوط المواجهة مع إسرائيل في الجنوب- يا للمفارقة!- إلى الهدوء التام بفضل القرار 1701. قرارضمن أمن حدود الدولة العبرية كما أنهى عملياً التهديد الذي كان يشكله لها سلاح "حزب الله"، لكنه أحال معالجة الشق الداخلي من هذا السلاح على عاتق الحكومة اللبنانية مما أشعل شياطين الحذر والتوتر في البيئة السياسية اللبنانية، حيث يتشبث الحزب الشيعي بسلاحه وإن متعطلاً ربما "لغدرات الزمن" أو لأنه "زينة الرجال".
وفي المطلق ليس أصعب على ميليشيا من أن تسلم سلاحها ، خصوصاً إذا لم تكن هُزمت عسكرياً ، أو إذا لم تشعر وتقتنع بأنها هُزمت. وقد عرف لبنان قبل بروز معضلة "حزب الله" ترددات ميليشيات مشابهة قبل تخليها عن السلاح واقتناعها بأن الدولة الضامنة للجميع تبقى أفضل لها وللكل . وما يمكن استخلاصه من كلام السيد نصرالله أن حزبه قرر القطيعة مع "قوى ١٤ آذار/ مارس" والافتراق عنها، والمقصود تحديدا وخصوصاً "تيار المستقبل" الذي يقوده النائب سعد رفيق الحريري، ووقف كل أشكال العلاقة السياسية معه وما كان موجودا من حد أدنى من التنسيق والاتصال، باعتبار ان علاقة "حزب الله" مع قوى وفصائل أخرى في" ١٤ آذار/مارس" وأبرزها الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب "القوات اللبنانية" مقطوعة أصلاً بسبب دعواتها الحادة إلى نزع سلاح الحزب، وقد زادتها تدهورا الحرب الأخيرة وأخذ هذه الأحزاب والقوى على نصرالله أنه أخطأ في حساباته عندما تسبب بها ، باعترافه الشخصي والعلني.
لكن الموقف الأبعد الذي وصل إليه الأمين العام للحزب الشيعي هو اتهامه بالأمس القوى التي لا تشاركه النظرة إلى سلاحه بالخيانة والعمالة لاسرائيل والطعن في الظهر خلال الحرب بسكاكين سياسية واعلامية. وأكثر من ذلك حكى عن شراكة في الحرب بين هؤلاء واسرائيل، مهددا ب"فضح" ما كان" يُقال" في الغرف المغلقة.
مقابل هذه النظرة الشديدة التجهم، قرر السيد نصرالله توثيق تحالفاته مع "القوى السياسية الصديقة وتحديدا التي ساندت حزبه في الحرب وإن بالموقف: "هؤلاء ليسوا شركاء في النصر فقط بل لهم علينا دين يبقى في رقابنا الى يوم القيامة" على ما قال . والأرجح ان تكون الترجمة العملية لهذا التوجه نشوء جبهة سياسية موازية ل" قوى 14 آذار/مارس" بقيادة الثنائي السيد نصرالله والجنرال عون.أما أولى مهمات هذه الجبهة فستكون السعي إلى إسقاط حكومة الرئيس السنيورة .
ويبدو أن السيد نصرالله اتخذ قراره المبدئي بسحب وزرائه من الحكومة، لكنه ينتظر التوقيت المناسب لتنفيذه وتوافر بعض شروط ، أبرزها ألا يتمكن فريق الغالبية من السير بالحكومة بمن حضر من الشيعة، باعتبار أن وزراء "الكتلة الشيعية"-إذا كانتلا تزال كتلة بعد دفاع الرئيس نبيه بري مراراً عن الحكومة- وحليفها الرئيس إميل لحود، لا يشكلون الثلث الذي يفرض باستقالته استقالة الحكومة .
كذلك ينتظر نصرالله توافر ظروف ملائمة منها تصفية آثار الحرب العميقة والتأكد من ثبات الهدنة واكتمال وصول القوة الدولية المعززة وانطلاق مسيرة إعادة الإعمار من أجل التثبت من تلاشي احتمالات اندلاع الحرب مجدداً، لأنه في هذه الحال سيكون مضطراٌ للجوء إلى السنيورة كما فعل في الحرب الأخيرة كي يوقف بأي وسيلة الهجمات الإسرائيلية من خلال اتصالاته الدولية والعربية. ويحتاج الأمين العام كذلك إلى التفاهم مع الرئيس بري على الخطوة التالية وعلى ظروف التغيير الحكومي وكيفية حصوله ، باعتبار أن للقطب الآخر في الثنائية الشيعية موقعه المهم والمرجح وحساباته الخاصة التي لا مكان فيها حالياً لاحتمال إسقاط حكومة السنيورة . حسابات كان يهملها في المرحلة السابقة ، وعادت إلى البروز خصوصاً بعدما جرّ "حزب الله" الطائفة الشهر الماضي إلى نكبة حقيقية على كل الأصعدة.
ويمكن القول بإيجاز في ضوء هذا الواقع إن "حزب الله" ينتقل بخطابه الجديد بقفزة واحدة من حرب عسكرية الى حرب سياسية،وإنه قرر مغادرة المنطقة الرمادية او الوسطية الملتبسة التي كان يقف فيها طيلة الأشهر الماضية، ولم يعد في امكانه الاستمرار داخل الحكومة وضدها، في علاقة تحالف مع الجنرال عون من جهة، والإرتباط باعتبارات وحسابات في العلاقة مع " تيار المستقبل" من جهة.
جنبلاط والشعور بالخديعة
ولا شك في أن خطاب نصرالله الجديد أشاع ارتياحاً في أوساط حلفائه، لا سيما من العونيين وحلفاء آخرين للنظام السوري اعتبروا انه حسم خياراته السياسية أخيرا بعدما كانوا يأخذون عليه تحالفه مع " قوى ١٤ آذار/مارس" في الانتخابات النيابية ومهادنة الحكومة ومسايرة رئيسها والانفتاح على النائب الحريري ومحاورته وعقد لقاءات طويلة معه لم تصل الى نتيجة، لا بل استعملت ضده ، على غرار اللقاء الذي عقداه قبل أيام من 12 تموز/ يوليو ووعد فيه نصرالله الحريري بألا يُقدم مسلحو حزبه على عمليات عسكرية تثير ردود فعل إسرائيلية وتؤدي إلى تخريب محاولات النهوض باقتصاد لبنان المرهق ( لا بأس في السياق في إشارة إلى قول أوساط قريبة من رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط إنه شعر بشيء من "الخديعة" تماماً مثل النائب الحريري ، وإن الرجلين صدما بخطف الجنديين الإسرائيليين ونشوب الحرب ، خصوصا ان طاولة الحوار كانت لا تزال قائمة في مجلس النواب، والتطمينات إلى "صيف هادىء" كانت تكررت من " حزب الله" ).
في أي حال ، مع إعلان الحزب الشيعي عزمه على المواجهة السياسية المفتوحة، يتهيأ أركان في قوى الغالبية لنمط جديد من التعامل مع الحزب والتخلي عن كل الاعتبارات السابقة التي كانت تدفع الى مسايرته ومراعاة موقعه الخاص. والمواجهة سيقودها عمليا النائب جنبلاط الذي كان السباق الى فتح ملف "حزب الله" المعرقل، من وجهة نظر الغالبية، لقيام الدولة في لبنان، تماما كما كان السباق الى فتح ملف الوجود العسكري السوري في لبنان.
وستدور المواجهة تحت عنوان "الحكومة"، فيما مفاعيلها وآفاقها تمتد الى انتخابات رئاسة الجمهورية ، مما يضع لبنان على مشارف مرحلة حساسة ودقيقة جدا ووسط احتمالين واتجاهين: إما الدخول في مواجهة شاملة ومفتوحة وشرسة، تستخدم فيها كل الأسلحة السياسية والاعلامية والشعبية المتاحة، وهذا وضع يوصل إلى أخطار اندلاع أزمة سياسية كبيرة تتجلى في أزمة حكومة وحكم، فوضى في الشارع، وتوترات أمنية واغتيالات جديدة... وإما العودة الى "مؤتمر الحوار الوطني" بصيغة وعناوين جديدة كإطار لتسوية سياسية شاملة تتضمن كل المواضيع الداخلية، مثل رئاسة الجمهورية ووضع الحكومة وقانون الانتخابات، وفق مبدأ السلة الواحدة، وكوسيلة لمنع انتقال الأزمة الى الشارع الذي لم يكن ينقصه إلا صراخ سياسي بعد الصراخ الحربي لتكتمل الفاجعة في الوطن الصغير.