كتَّاب إيلاف

شرعية الحداثة أقوى من شرعية "الديموقراطية"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الأولىالحلقة الثانية "أطروحتي عن نهاية التاريخ لا زالت راهنة (...) رؤيتي للتاريخ ماركسية: الديموقراطية تنتج من عملية تحديث واسعة تحدث داخل كل بلد." (فرانسيس فوكوياما) الحداثة وفي مقدمتها تحديث الإسلام، هي أولوية الأوليات. قلب الأولويات، كما طالبتكم كونداليزا رايس، هو وضع للمحراث أمام الجمل لتكسير المحراث وكسر الجمل: لإجهاض الديموقراطية، وشرطها الشارط، الحداثة. الفعل المؤسس للديموقراطية هو الاقتراع العام الذي يعطي لجميع المواطنين الحق في أن يكونوا ناخبين ومُنتخَبين لجميع المناصب بما في ذلك "الإمامة العظمى". وهو شرط لم يتوفر بعد في الخليج والعالم الإسلامي حيث ما زالت المرأة في 9 على 10 من 57 دولة إسلامية قاصرة مدى الحياة. بالمثل، ما زال غير المسلم عمليا ذمّيا محروما من حقوق المواطنة الكاملة. وذلك لغياب مفهوم الفصل بين المؤمن والمواطن، بين الانتماء للدين والانتماء للوطن، بين الهُوية الدينية والهوية الوطنية كما في باقي بلدان العالم.
لنبدأ من البداية لفهم مسار الديموقراطية عبر التاريخ. وُلدت الديموقراطية، كما وُلد العقل، في يونان القرنين الـ5 والـ4. كانت ديموقراطية مباشرة يشارك فيها جميع المواطنين. أما العبيد والنساء والغرباء، أو بالمصطلح الكويتي، "البدون" فلم يكونوا في عِداد المواطنين! فقط حوالي 800 رجل بالغين كانوا يتمتعون بالمواطنة الكاملة. الديموقراطية الحديثة التي ظهرت في بريطانيا وفرنسا في القرن 18 لم تكن مباشرة بل نيابية. استثنت من المواطنة الكاملة "الطبقات الخطِرة" على الاستقرار، أي الطبقات الشعبية التي تغلب عليها الأمية والفقر وأشكال النضال العنيفة. لم يتمتع بالديموقراطية إلا الأغنياء، "دافعو الضرائب". أما "مَن لا يملك شيئا فلا يملك شيئا يقوله" كما كان يقول المثل! فرنسا لم تعترف بالاقتراع العام إلا في 1848 وللرجال فقط. النساء لم يحصلن عليه إلا سنة 1944. بريطانيا لم تعط حق الاقتراع العام إلا في 1918. عندما كفت الطبقات الشعبية، بالتعليم وتحسن قوتها الشرائية، عن أن تكون "خطِرة" على النظام الرأسمالي. الإسلاميون هم اليوم أشد خطرا على السلم الاجتماعية وعلى الاستقرار وعلى التنمية، الرهان الأول لكل بلد نام، من "الطبقات الخطِرة". وكما تشهد على ذلك المعاينة - وهي في السياسة كما التجربة في العلوم الطبيعية صاحبة القول الفصل -. آخذ كل من افلاطون وأرسطو الديموقراطية الأثينية على ديماغوجيتها وفوضاها. ديماغوجية. لأن الخطباء كانوا يستخدمون الريطوريقا (= فن الخطابة) لانتزاع القرار بدلا من البحث البرهاني على الحقيقة. فوضوية. لأن العامة غير الواعية بمصالحها الحقيقية، كما قال افلاطون، كانت تنقاد وراء أهوائها والمتلاعبين بها من الخطباء. الديماغوجية والفوضى ما زالتا تهددان الديموقراطية حيث يشارك الإسلاميون في البرلمان، في مصر والمغرب والكويت. في الكويت غادر 9 نواب قاعة المجلس احتجاجا على تعيين وزيرتين غير محجبتين! المحافظة على الاستقرار كانت تتطلب بالأمس في اوروبا وتتطلب اليوم في كثير من الدول العربية والإسلامية التدرج في التقدم إلى الديموقراطية عبر التقدم أولا إلى الحداثة الدينية والتربوية والتشريعية والتنموية لخلق الشروط الضرورية للانتقال إلى الحداثة السياسية: الديموقراطية. (انظر: ما مزايا تدريس الفلسفة). ما زال المجتمع المدني الحديث، القائم على الفرد الذي يتصرف سياسيا حسب مصالحه وقناعاته الخاصة ويفكر بنفسه باستقلال عن عائلته وعشيرته وقبيلته وطائفته وتنظيمه السلفي، مسحوقا تحت وطأة المجتمع الأهلي ذي المشروع الطالباني.
تحديث الكويت ومجتمعات مجلس التعاون الخليجي يتطلب خلايا تفكير من الاخصائيين في كل بلد وخلية تفكير جماعية في مجلس التعاون للقيام بتشخيص مشترك للمهام والتحديات التي تواجه كل بلد وتواجه الجميع للخروج من الأزمة المزمنة التي تتخبط فيها المجتمعات العربية والإسلامية منذ أن انتصرت القراءة الحرفية للنص على التفكير فيه. مواجهة التحديات بنجاعة تتطلب البراغماتية والضوابط. البراغماتية هي هنا تغليب التحقيق والمعاينة الميدانية على لوْك المبادئ الميتة. الضوابط هي العمل المدروس لضبط التوازن بين الفعل ورد الفعل للابقاء على الممارسات البراغماتية تحت السيطرة وإلا تحولت إلى "تَعلّم الحجامة في رؤوس اليتامى". التحرر البراغماتي من الأحكام المسبقة يجب أن يواكبه تفكير سنتيتيكي (= تركيبي، مُحوصل، تأليفي) لا يرى الوقائع مشتتة بل في ديناميتها الخاصة وخيطها الناظم. وهذا ضروري اليوم لمحاولة الإفلات من لعنة "خليها على الله"، من كسلنا الذهني الأسطوري، من فكر المعجزة المبرمج في جينيات دماغنا المعرفي قليل الدُربة: 43 % من الأميين، وتعليم ديني يحشوه بالعوائق المعرفية وتعليم عام هو، بالمعايير الدولية، أسوأ تعليم في العالم. وهكذا صرنا نرى الله في حيث كان يجب أن نرى قوانين العقل، وقوانين الطبيعة، وقوانين التاريخ واتجاهاته، وقوانين الاقتصاد، وقوانين السياسة وقوانين النفس البشرية المعقدة التي هي جميعا الصانع الوحيد للتاريخ.
مجلس الأمة الكويتي، الخاضع للتيارين القبلي والسلفي المعاديين للمرأة والحداثة والسلم الاجتماعية والتنمية، يشكل إعلانا مضادا للديموقراطية. لقد حلّه الأمير 5 مرات خلال نصف قرن. مصدر الشرعية الحقيقي، كما برهنت تجربة تونس منذ الاستقلال، ليس مسرحية الانتخابات التي تأتي أحيانا بأعداء الديموقراطية، لويس بونابارت وهتلر جاءا للحكم بالانتخابات الديموقراطية، بل بالانجازات الحديثة. تحديث البلاد المتسارع والعميق، والاعتماد على الكفاءة لا على الولاء القبلي والطائفي... المجتمع المدني التونسي يتكون من 9 آلاف جمعية والمجتمع المدني الفرنسي من 12 الف جمعية يشارك فيها 8 على 10 من الفرنسيين بينما لا يشارك إلا 1% منهم في الأحزاب السياسية. تحققت من خلال المجتمع المدني رقابة شعبية، ذكية وتقدمية غالبا، على العمل الحكومي ضدا على الرقابة الديماغوجية والفوضوية لمجلس الأمة الكويتي الذي تساءل رئيسه جاسم الخرافي: "عما إذا كان قد أصبح عائقا لتطور الكويت وللتنمية"!
هذا التساؤل لا يقارن، سورياليا، إلا بكتابة شيخ الأزهر مقدمة تقريظية لرواية سلمان رشدي "آيات شيطانية" أو إعلان البابا في "سي ان أن" أن الله قد مات!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ريطوريقا الخطباء
كركوك أوغلوا -

هو لسان حالنا المأساوي اليوم!!.. (الفقهاء)؟؟!!..

الحداثة والمكاسب
خوليو -

تمسك الحكام الذكور في بلادنا بمنع الحداثة له خلفية مصالح وهبهم إياها إله ذكر تحيز أيضاً بالكامل لهم، وهم يتمسكون بحدوده ويدافعون عنها حتى الموت، حصتهم من الموجودات ضعف حصة من خرجت من ضلوعهم، ونكاحهم منهن نكاح الذكر المتسلط الذي يشعر بأنه ملك زمانه، بحدود إلههم يجدون ترجمة عملية لجيناتهم الساديةالتي تشعرهم بأنهم أمراء دون تعب للحصول على الإمارة، كل ذلك يجعلنا نفهم لماذا يقاومون الحداثة والمساواة مع المرأة، لأنهم سيفقدون كراسيهم العاجية التسلطية التي منحهم إياها إله يقولون أنه عرشه في السماء، حداثة تعني مساواة، والمساواة بالنسبة لهم تنازل عن المكاسب وهذا لايطيقونه، أما المرأة فأكبر نصر عليها كان إقناعها بأن هذا هو مصيرها.

الحداثة استبداد آخر؟
اوس العربي -

يقول الكاتب ان بتونس عدة الاف من الجمعيات لكننا لم نلاحظ ان لها حضورا في مقارعة الاستبداد ؟!! من جهة ثانية الحقيقة اننا مع الحداثة لان الاسلام بذاته حداثه لانه اعلن الحرب على القديم على الجاهلية وشرائعها وتقاليدها وثقافتها وعباداتها ودعى الناس الى ترك عبادة الاوثان والاصنام والاقانيم والصور والتماثيل وجرد العبادة لله الواحد الاحد ، لكن الحداثة التي يدعونا اليها الكاتب هي القطيعة مع ديننا الاسلامي مع تراثنا العظيم انه التماهي مع المشروع الصهيوني والمشروع الامريكي والتغريبي الذي يقبل باللصوص والمحتلين والمجرمين اخوانا واصدقاء يأكلون ويشربون معنا على مائدة واحدة ؟!! انه يدعونا الى الحداثة التي تذيبنا في الاخر فنغدو ظلا باهتا ازاءه انه مشروع ارغامي استبدادي يفرض كما فرضت الشيوعية والماركسية على الشعوب العربية المسلمة رغما عنها بالحديدوالنار اقول للكاتب ان زمن الفرض قد انتهى الى غير رجعة وانتم زمرة ثقافية شاردة لا تملاء حتى باص مواصلات في كل عاصمة عربية وانكم منبوذون ومطرودون اذ تبشرون بالامركة والصهينة وتعادون الله ورسوله والمؤمنين لا تستطيعون التبشير بافكاركم هذه في الجماهير الشعبية لانها ساعتها سترجمكم بما تطاله الايدي وبما في الاقدام .

التحديث غير ممكن
جاسم -

كيف يمكن تحديث الإسلام يا أخانا العفيف؟ الإسلام هو الذي جاء به محمد ولا يحق لأحد أن يحدثه. التحديث يعني الإتيان بجديد وهذا سيكون مرفوضا. الأفضل في رأيي هو أن يُترك الإسلام لمن يؤمن به شريطة أن لا يتعارض هذا الإيمان مع حرية الآخرين وحقهم في الإيمان بما يريدون من أفكار ومعتقدات قد لا تكون متفقة مع الإسلام. الإسلام ومعه كافة الأديان تنتمي إلى الماضي السحيق وعلى من يؤمن به أن يعترف بحق الآخرين أيضا في عدم الإيمان به أو بأي شيء آخر، فإن لجأ المؤمن بالإسلام إلى العنف لإجبار الآخر على الرضوخ لأفكاره فإن من حق الآخرين أن يلجأوا إلى العنف أيضا لحماية أنفسهم.