كتَّاب إيلاف

بنّي ليفي: من ماوتسي تونغ إلى التّلمود!

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مطلع خريف عام 2013، صدرت ثلاثة كتب لليهودي بنّي ليفي الذي توفّي عام 2003 بالسّكتة القلبيّة، وهو في السّابعة والخمسين من عمره. وثمّة صورتان تحرص وسائل الإعلام في فرنسا على نشرهما كلّما تعلّق به أمر مّا. والهدف من ذلك هو إبراز التّحوّل الهائل الذي شهدته مسيرته في السّنوات الأخيرة من شبابه. في الأولى هو في ريعان الشباب، يقرأ في مقاطعة "بروتاني"، بشمال فرنسا، بيانا لماوتسي تونغ في بداية الثورة الثقافية. وفي الثانية هو في هيئة اليهود المتطرّفين غارق في قراءة "التّلمود" في بيته بالقدس!

ولد بنّي ليفي في القاهرة عام 1946. وكان أفراد عائلته يتكلّمون العربيّة في البيت، ولا يمارسون العبادات، والطقوس الدينيّة اليهوديّة. وفي المعهد الفرنسيّ الذي انتسب إليه،أظهر الطفل بنّي ليفي ما لفت له أنظار أساتذته، ورفاقه لما تميّز به من فطنة وذكاء. وكان شديد الإعجاب بأخيه الذي كان من أنصار الحزب الشيوعي المصري،والذي كان مطّلعا جيّدا على الثقافة العربيّة، وعلى تاريخ الإسلام ليصبح في ما بعد أحد كبار المختصّين في هذين المجالين. وفي عام 1956، أي في نفس السنة التي دعا فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى تأميم قناة السويس، ترك بنّي ليفي القاهرة، وبصحبة عائلته هاجر إلى فرنس. ا وفي باريس انتسب إلى معهد "لوي لوغران"الرّاقي. وعقب حصوله على شهادة الباكلوريا، تمّ قبوله في المدرسة العليا للمعلمين التي تخرّج منها العديد من العباقرة الفرنسييّن في مجال الفكر،والفلسفة،والأدب من أمثال جان بول سارتر، ورايمون أرون، وسيمون دي بوفوار، وميشال فوكو، ولاكان، ولوي ألتسير وغيرهم. ومنذ البداية، انجذب بنّي ليفي إلى الدروس،والمحاضرات التي كان يلقيها لوي ألتوسير الذي كان قد أصدر كتابا يحتوي على قراءة جديدة للماركسيّة. وقد أثار ذلك الكتاب إعجاب عدد وفير من اليساريّين ليصبح "إنجيلهم"، ومرجعهم الأساسي لفهم الفلسفة الماركسيّة. وغالبا ما كان بنّي ليفي يدخل قاعة المحاضرات مصحوبا بالأعمال الكاملة لفلاديمير ايليتش لينين. وعندما اندلعت الثورة الثقافيّة في الصين أواسط الستينات من القرن الماضي، أصبح بنّي ليفي من أشدّ المعجبين بالزعيم الصيني ماوتسي تونغ، ومن المتعلّقين بأفكاره، وأطروحاته في كلّ ما يتعلّق بالثورة الإشتراكيّة. ولكي يربط بين النظريّة والتّطبيق، قام بتأسيس تنظيم سرّيّ يدعو إلى الثورة المسلّحة ضدّ البورجوازيّة والإمبرياليّة. وكان يردّد أمام رفاقه المنبهرين بفصاحته، وبلغته الثوريّة الأخّاذة، بأنّ المكان الحقيقي للمثقّف هو المعمل أو الحقل حتى يتعلّم من العمّال والفلاّحين معنى الحياة، ومعنى العمل، ومعنى التّضحية، ومعنى التّضامن. وكان باآستطاعته مواصلة الكلام على مدى ساعات طويلة من دون أن يرتكب خطأ لغويّا واحدا، ومن دون أن يتلعثم، أو يفقد تسلسل أفكاره، ومن دون أن يعتريه إعياء أو ملل. وقد قام التنظيم السريّ الذي يشرف عليه بنّي ليفي بتنظيم تظاهرات لمساندة العمّال المهاجرين، والمساجين السياسيّين، وضحايا العنصريّة، والحركات الثوريّة، والثورات الوطنيّة في أسيا، وافريقيا، وأمريكا اللاّتينيّة، مبرّرا أعمال العنف ضد البورجوازيّة. وفي ذلك كتب يقول:”لكي تتمّ الإطاحة بالطبقة البورجوازيّة، سيكون من حقّ البشر فرض فترة قصيرة من الرّعب، وتشريع الإعتداء على كمشة من الأفراد الكريهين والحقراء". وخلال هذه الفترة لم يتمكّن بنّي ليفي من مغادرة فرنسا لعدم امتلاكه أوراق إقامة. ولن يحصل على ذلك إلاّ بتدخّل من سارتر لدى الرئيس جيسكار ديستان مطلع السبعينات. وبإسم مستعار، هو بيار فيكتور،كان يتحرّك، وينشط، ويقود المظاهرات الصّاخبة التي شهدتها باريس في ربيع عام 1968. كما أطلق نشريّة بعنوان "قضيّة الشعب"، وفيها دافع بحماس عن أفكار الزعيم الصيني ماوتسي تونغ الثوريّة. وقد أعجب سارتر بتلك النشريّة،وصعد فوق برميل ليقرأ المقالات الصّادرة فيها أمام العمال والطلبة. لكن إنطلاقا من عام 1972،شرع بنّي ليفي في تغييرأفكاره، ومساره رافضا بعض أعمال العنف التي ارتكبها"الرفاق"، ومصدرا بيانا يدين فيه بشدّة قتل رياضييّن اسرائيلييّن في ميونيخ خلال الألعاب الأولوبيّة التي جرت هناك في صيف العام المذكور. وفي خريف عام 1973، قام بنّي ليفي بحلّ التّنظيم الثوري السريّ الذي كان يشرف عليه، والذي كان يحمل اسم"اليسار البروليتاري". ومجيبا عن استفسارات الرفاق بخصوص هذا القرار، أطلق بنّي ليفي تنهيدة عميقة، ثمّ قال: "علينا أن نضع حدّا للحلم الثوري".

وفي أواسط السبعينات من القرن الماضي، آنضمّ بنّي ليفي إلى أسرة تحرير جريدة"ليبيراسيون" اليساريّة. وفي هذه الفترة توطّدت علاقته بسارتر ليصبح سكرتيره الخاص. وكان يصحبه كظلّه، ومعه يتعامل تعامل الندّ للندّ، بل لن يلبث أن يقع صاحب "الوجود والعدم" في شباك سكرتيره، ويتبنّى أفكاره الجديدة التي تمجّد تعاليم الديانة اليهوديّة، وتدعو إلى التعمّق في قراءة "التّلمود". وقد استشاطت سيمون د بوفورا غضبا بعد أن عاينت أن رفيق حياتها العجوز بات "عبدا "لسكرتيره،،له يخضع فكريّا خضوعا مرعبا، ومثيرا للشكوك. ولم يلبث بنّي ليفي أن اعتنق تعاليم الديانة اليهودية ملتزما بطقوسها التزاما كلّيا، فلا يتناول غير الوجبات المعدّة حسب التقاليد اليهوديّة الصّارمة(الكاشر)، ولا يقرأ كتبا أخرى غير "التّلمود". وفي كتابه "إغتيال القسّ" هو يشنّ هجوما عنيفا على الفلاسفة التنويرييّن اعتمادا على التعاليم اليهوديّة التي يعتبرها مرجعا أساسيّا وكونيّا للفكر الإنساني برمّته. وفي القدس التي اختار الإستقرار فيها،كان يردّد:”وحدها صخرة القدس تسكّن روحي،وتطمإن خاطري!”.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
درس للملحدين
لا يصح الا الصحيح -

لعل هذا يكون درساً جيدا للمسلمين عرب وغير عرب من الملحدين واليساريين والعلمانيين الكارهين لدينهم ، انه بالنهاية لا يصح الا الصحيح . لقد عايشنا مثقفين عرب وغير عرب صدعونا بعدائهم للإسلام وتبنيهم للإلحاد والعلمانية ثم بِنَا بعد حين نكتشف عودتهم الى جذورهم الأصلية الدينية والطائفية والعنصرية وتكشيرهم عن أنيابهم وانطلاق السنتهم بالسوء على المسلمين المغفلين الذين طالما مجدوهم وصنعوا لهم تماثيل واقعية او رمزية ؟!!

انت فين والحب فين
جبار ياسين -

يا اخي يا مصباحي هذا الرجل منسي ، نسيته حتى الأبل فلماذا تذكر به وهو لم يكن يساوي عفطة عنز كما يقول علي بن ابي طالب . سارتر نفسه نسيه الناس في فرنسا وملحقاتها.انت تبحث في الدفاتر العتيقة التي بال عليها الدهر . بن ليفي مات ولم يخلف بنات. هل تذكر يوم دخل بضعة جنود من الجيش الأسرائيلي ال المسجد الأقصى في حزيران من عام 68 وهم يصرخون محمد مات وخلف بنات ، نكاية بالعرب ؟ بن ليفي منهم تلموذي لا يهضمه حتى اليهود . سارتر كان اعمى حين اختاره سكرتيرا له فهو قد خرب علاقاته مع الجميع وجعل الناس تضحك وتصاب " بالغثيان" وتنسى دروب الحرية والكلمات والجلسة السرية وما بقي حسب الذباب .

إنتقام المقهورين و الجهلة
محمد الشعري -

يبدو أن بني ليفي Benny Lévy قد غير مواقفه من الماوية إلى اليهودية بسبب خداع أو ضغوط سرية أو عمليات إبتزاز أو شيء آخر من هذا القبيل ، و ليس بسبب حوارات حرة أو بملء إرادته أو بفضل قراءاته و بحوثه . إنه مضطر تحت الضغط . و يبدو أنه كما تعرض للقهر فإنه فرض نفس الشيء تقريبا على جون بول سارتر Jean-Paul Sartre . لقد كان سارتر موشكا على الموت ، فتمكن سكريتيره النذل هذا من إستغلال الفرصة لإرغام فيلسوف الوجودية على أقوال يعرف الجميع أنها لم تكن لتصدر لولا حالة المرض الشديد و الموت الوشيك . أعتقد أن المسألة مسألة حرب نفسية و دوافع تعويضية و تنفيسية عن أحقاد معينة أو عن عقد محددة . إنه سلوك إنتقامي حيث المهان يهين غيره و حيث الجهلة يجهّلون غيرهم . إنه إنتقام متمثل في فرض الجهل على المثقفين تماما كما تفرض المافيات الفساد على الناس لتضمن صمتهم و خضوعهم و ليتحولوا إلى عبيد في خدمتها و إلى أتباع يقدسونها . يوجد ، سبيل المثال ، في موقع ميديا بارت مقال موجز و طيب للفيلسوف Daniel Salvatore Schiffer حول هذا الموضوع الذي زاده الوغد برنار هنري ليفي Bernard-Henri Lévy إمعانا في التضليل و في الشماتة بفرض الغيبيات على المثقفين العقلانيين : De Bernard-Henri Lévy à Benny Lévy, via Sartre: imposture intellectuelle et manipulation idéologique -------https://blogs.mediapart.fr/daniel-salvatore-schiffer/blog/311013/de-bernard-henri-levy-benny-levy-sartre-imposture-intellectuelle-et-manipulation-ideo

الى رقم 1
زعبوطو -

الاسلام عدو نفسة وعدو البشرية وعدو الحياة وعدو الزرع والضرع ..لا يشجع بل ينفر من العمل بالزراعة ....كفاكم تهريج واقرأوا دينكم جيدا .

الملحد المسلم
والملحد اليهودي -

الملحد اليهودي عندما يكبر في السن ويظن انه صار مطلوباً لربه يعود الى جذوره التوراتية والتلمودية ويموت موسوياً إسرائيلياً يهودياً .. الا الملحد المسلم فتقدمه في السن يزيده كفراً وطغياناً وعلى ذلك يموت ؟! شوفتم الخيبه ؟!!

انت لا تعرف الاسلام
كفاك تهريج -

نقول لمحمد الشعري
آمن او غير اسمك -

الغيبيات جزء اصيل في عقيدة كل ذي دين يقول الله عن المسلمين " و الذين يؤمنون بالغيب ً والإيمان بالغيب احد أركان الاسلام الستة ومن أنكر الغيبيات كفر ، فإذا كنت يا محمد الشعري لا تؤمن بالغيب فغير اسمك على الأقل اختر لك اسم ملحد يناسبك توقع به تعليقاتك .

إلى المتأسلم رقم 1
عبود العبد -

كي تعرف الإسلام على حقيقته عليك أن تقرأ أمل عبدالله في الرابط التالي http://www......

الأوساخ مشكلة مقرفة
محمد الشعري -

الأوساخ مشكلة مقرفة . فالديموقراطية الراهنة قد يستغلها الأوساخ لنشر عقائدهم الهمجية و غيبياتهم الغبية و فسادهم المقنن . إن حرية التعبير مضمونة للجميع . و قد يحاول الجهلة و الأوغاد توظيف هذه الحرية لترويج معتقداتهم المضادة للعقلانية و للمنهج العلمي و لفسلفة الأخلاق . لكن لا يستحسن كثيرا و بشكل دائم منع أحد من التعبير عن أي رأي . فالمنع ليس حلا كافيا رغم ضرورته أحيانا . إن الإحترام يقتضي الإمتناع عن التحاور مع الأنذال و يستوجب الإبتعاد عن أساليبهم البذيئة و مواضيعهم الحقيرة إبتعادا تاما و نهائيا . يجب إعتبارهم مجرد حالة وبائية مشابهة للتلوث أو لأمراض معدية و إعتبار أن الحل هو القضاء على أسباب المشكلة و ليس الإكتفاء بمعالجة بعض نتائجها . إن الحل المنطقي لهذه المفارقة المؤسفة هو الإكتفاء بتهميش الأوساخ و تجاوز هرائهم و هذيانهم و أكاذيبهم الجماعية المتوارثة جيلا بعد جيل ، من جهة ، و تقديم القدوة الفعلية و الميدانية و توفير البدائل أكثر صدقا و حكمة و كرامة و فائدة للمجتمع و للبشرية جمعاء ، من جهة مقابلة . أرجو النزاهة و الإحترام للجميع .

هذا اناءك وهذا نضحك
متابع -

كل إناء بما فيه ينضح