قراءة في كتاب
الثورة والقابلية للثورة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الجزء الاول:
يقدم المفكر الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة دراسةً عن الثورات، في قراءة منه لمفهوم الثورة والبعد الاجتماعي والديني والسياسي لها، فهو يسلط الضوء على متغّير اجتماعي في غاية الاهمية في حياة الشعوب والانظمة (الثورة).
يستهل الدكتور بشارة كتابه بقول لأرسطو " كل اشكال الحكم معرضة للثورة بما فيها من حكم الاقلية (الاوليغاركية) والديمقراطية " ويضيف اذا يصنّف ارسطو الثورات الى نوعين : نوع يغير الدستور ونوع يغير الحكام.
ويقول المفكر العربي في بحثه المتعّمق : قد تسبق الثورة تحولات ثقافية وايديولوجية لدى فئات واسعة من المجتمع، مثل هذه التغيرات التي تؤدي الى تصور نمط الحياة كظلم لا يُحتمل وتصور الافراد لذاتهم الجماعية كشعب، ورؤية السلطة كحالة منفصلة عن الدولة او كمسخٍّرة الدولة لخدمة مصالح الاوليغاريكية اي الاقلية الخاصة بها، او رؤية الحرية كحاجة والحاجات كمطالب والمطالب كحقوق وغيرها، اذا ان الجماهير تقوم بالثورات عندما تتملكها فكرة انها لا تتعامل بشكل عادل وتتملكها هذه الفكرة لأنها تحمل تصور مسبق انها ولدت متساوية، فيما تنتفض الطبقة الارستقراطية او النبلاء لأنها ترى في نفسها التميّز عن باقي الشعب وتأخذ حصة مساوية لمن يفترض ان يتفوقوا عليهم بالفضيلة والاهلية , ومن جهة اخرى لا يمكن تصور جماهير واسعة مدفوعة بالرغبة في اقامة نظام حكم بناء على ايديولوجية حزب من الاحزاب.
ومردّ ذلك نابعٌ من تفسير الجماهير بين قيام الجماعة والانتساب اليها والعضوية المتساوية فيها. هذه العضوية المعنوية المتساوية في الجماعة المتخيلة انتقلت الى الهُوية الوطنية او القومية.
يضيف المفكر الفلسطيني اذ يقول، لكن المشكلة في البلدان التي لا تنجح من تحويل توقها للحرية الى ديمقراطية فتنهار الكيانات الوطنية ولا تنشئ امة مواطنية ولا سيما في البلدان المتعددة الهويات كحالة العراق.
يقتبس من كلام حنة أرندت قولها، ان طغاة العصور القديمة وصلوا الى الحكم شأنهم في ذلك شأن امثالهم في العصر الحديث بدعم من الفقراء، هنا يقول بشارة ربما هي كتبت هذا تحت تأثير وصول الفاشيين والنازيين والشيوعيين الى الحكم في النصف الاول من القرن العشرين، كما ان الفرصة الكبرى لهم بالاحتفاظ بالسلطة تنبع من رغبة الناس في المساوة في الظروف الاجتماعية.
ينتقل د. عزمي بشارة الى مبحث تحديد علمي لمفهوم الثورة، يقول في ذلك انها كانت تطلق على كل تحرك مسلح او غير مسلح ضد نظام ما، الى التحركات التي تطرح اسقاط النظام او استبداله.
في اللغة العربية استخدم التعبير لوصف تحركات شعبية كثورة القرامطة والزنوج، بينما كان المؤرخون الاوربيون يضعونها في خانة الاصلاح.
اما المؤرخون العرب القدماء فلم يستخدموا مصطلح ثورة، بل كلمات مثل خروج القرامطة وفتنة الزنج , والفتنة في الواقع هي الصراع الاهلي الذي يمس بالعنف التوازن السياسي والاجتماعي القائم بين جماعات اهلية وربما يرتبط ذلك مرجعيا بالمفهوم الاسلامي لوحدة الجماعة واستقرارها مقابل نمط الاجتماع البدوي الاعرابي المنقسم والمضطرب، لذا كان يوصف بالخروج على الجماعة تقويضا للعمران.
اما الخروج على السلطان الغاشم فقد اختلف بشأنه، ففيما اعتبره البعض خروجاً على الجماعة، اعتبره اخرون مشروعاً بل واجباً في بعض الحالات.
اقرب كلمة لمفهوم الثورة المعاصرة هي الخروج بمعنى الخروج الى المجال العام طلباً لإحقاق الحق او دفع الظلم.
اي الخروج من البيت الى الشارع او الميدان ومغادرة الصبر والشكوى والتذمر من الحيز الخاص الى العام. وهذا هو المشترك بين الخروج بالمعنى المستخدم في التاريخ الاسلامي والثورة بالمعنى الحديث.
واشتهر خروج ابي ذر الغفاري : عجبت من لا يجد القوت في بيته ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه. الا انه قد يأخذ مضموناً دلالياً مختلفاً، يحمل البعض على العصيان المسلح ضد السلطة القائمة.
على النقيض من ذلك يستعمل الفقهاء مصطلح التغلّب لإضفاء الشرعية الواقعية في اطار الخلافة الاسلامية (ابن خلدون , الماوردي )، واذ يقول ابن خلدون على بدر الدين: ان خلا الوقت عن امام فتصدى لها من هو ليس من اهلها وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة او استخلاف، انعقدت بيعته ولزمت طاعته لينتظم شمل المسلمين وتجتمع كلمتهم، ولا يفدح في ذلك كونه جاهلاً او فاسقاً، واذا انعقدت الامامة بالشوكة والغلبة لواحد ثم قام اخر فقهر الاول بشوكته وجنوده، انعزل الاول وصار الثاني اماماً لما قدمه من مصلحة المسلمين وجمع كلمتهم.
ويتفق في ذلك ابن تيمية اذا اعتبر ما تلى فترة الخلافة الراشدة هو ملك وليس خلافة وهو ما يعرف بالملك العضوض، ويجمع فقهاء تلك المرحلة حرصهم على وحدة الامامة ورفضهم لاستمرار الانقسامات حتى ولو كان الثمن تبرير السلطان الجائر.
كان فقهاء المسلمين يقدمون فقهاً لا علاقة له بواقع الحال، فيقولون ان الخلافة تعقد بالشورى بين اهل الحل والعقد، الامر الذي تحول الى مقولات نقدية في بعض الحالات ضد واقع الخلاقة التي صارت ملكاً.
الى ان جاء الامام احمد ابن حنبل وبرر الخلاقة نفسها بالغلبة بقوله: ان من غلبهم صار خليفة وسمي امير المؤمنين ولا يحل لاحد يؤمن بالله واليوم الاخر ان يبيت ولا يراه اماما عليه، براً كان او فاجراً فهو امير المؤمنين. اي ان الغلبة تتبعها المبايعة كما في حال الاستفتاء على رئيس الجمهورية في عصرنا بعد ان يصل الى السلطة بالطرق الانقلابية غير الديمقراطية فتضفي نتيجة الاستفتاء عليه الشرعية الدستورية
واللافت ان الاعلام الرسمي يسمي الاستفتاء مبايعة في محاولة لاستثمار الرمزية الاسلامية في شرعية الحكم.
ويعكس ذلك فلسفة استقرار الجماعة الاسلامية وحددتها في صيغة :(( سلطان غشوم خير من فتنة تدوم)).
الا ان ابن حزم الظاهري تصدى لهذه الظاهرة واستشهد بخروج افاضل الصحابة على معاوية وخروج التابعين على الحجاج.
ان اللافت في خطاب سلفيّ العصر الحاضر، انه لم يأخذ الا جانباً من خطاب المؤسسين ( ابن حنبل وابن تيمية ) وهو منع الخروج على السلطان، ولكن بالتدقيق نجد ان من حرم الخروج على السلطان الجائر هو بنفسه خرج على من سبقه ثم تشرّعن بالغلبة التي صارت اجماعاً وصار الخروج عليه خروج على الاجماع!.
كان ابن تيمية يعتقد ان الامامة تقوم على اساسين هما القوة والامانة بناء على نصوص قرآنية وكان ابن حنبل يقول اما الفاجر القوي ففجوره لنفسه وقوته للمسلمين واما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه للمسلمين، الا ان لابن تيمية رأي يجيز الخروج على اي حاكم بشرط الالتزام الشريعة الاسلامية مع تأكيده ان الخروج قد يجلب مفاسد اعظم من مفسدة الحكم الظالم ومن هنا استندت الحركات الاسلامية التي اجازت الخروج على الحاكم المسلم اذ كان مرتداً او ان خالف الشريعة، الا ان ابن تيمية كان يرفض الخروج على الحكام المستبدين، فقد رأى ان المشهور في مذهب اهل السنة انهم لا يرون الخروج على الائمة وقتالهم بالسيف وان كان فيهم ظلم مستندا الى احاديث صحيحة.
كذلك نهج ابن عبد الوهاب الذي كان سلوكه تجاه المسلمين اشبه بسلوك نبي او صاحب رسالة تجاه كفار ولأنه من وجهة نظره كان على حق مطلق يقول: ارى وجوب السمع والطاعة لائمة المسلمين برهم وفاجرهم مالم يأمر بمعصية الله ومن اجتمع الناس عليه ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه، مع انه خرج على حكام زمانه الا انه حرم حتى توجيه النقد والنصح علناً للولاة في ظل الحكم الذي سانده وامر ان يكون توجيه النصح خفية وجعل طاعة ولي الامر امراً مطلقا، وصورت القوى المحافظة المؤيدة لأي نظام قائم، اي خروج انه فتنة بمعنى حرب اهلية في زماننا اي تعتبر اي ثورة هي فتنة بالضرورة.