صناعة الأصنام البشرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ورثت النخب السياسية التي تولت الحكم في العراق بعد 2003 تراكماً سلوكياً وفكرياً وأنماطاً من الممارسات كان يمارسها الرئيس السابق صدام حسين ويستخدمها مع تمتعه بكاريزما عالية مدعمة بقوة وشدة في التعامل وإفراط في الإنفاق من المال العام، حتى أصبح بنظر العراقيين وغالبية الشعوب العربية إمبراطوراً يمتلك كل مقدرات العراق وله حق التصرف بها لوحده دون غيره.
هذا الإرث وغيره من الموروثات التاريخية تحول بدراية أو بدونها إلى سلوك لدى كثير من الزعامات السياسية التي تبلورت خلال العقدين الماضيين، وأصبح جزءاً من ممارساتها اليومية في تقليد شخصية صدام حسين أو غيره بوعي أو كشعور انعكاسي وتحصيل حاصل لتراكم تاريخي من الحكم الفردي والشمولي المتكلس في الذاكرة الفردية والاجتماعية. ورغم أن صدام حسين في تاريخنا المعاصر يكاد أن يكون الأكثر تميزاً في هذا السلوك الطاغي في الفردية المطلقة، إلا أن جولة سريعة في دهاليز التاريخ القريب والبعيد نجد فيها المئات من أمثاله في مجتمعات مثقلة بالتخلف وغياب الوعي، إلى درجة أن كل ما حدث في العراق وفي العديد من البلدان المتشابهة معه من تغييرات ترقيعية في النظام السياسي لم تزل تلك المتكلسات المتوارثة في التفكير والسلوك، بل ربما زادت أكثر في توالدها منذ تحطيم الأصنام الحجرية التي صنعها الإنسان قبل آلاف السنين بديلة لرب يعبده أو قوة يخشاها أو مرجع يعود إليه في انكساراته وهزائمه حتى يومنا هذا، حيث تم استبدال الحجارة بالإنسان في صناعة الأصنام!
هذه الصناعة بحد ذاتها هي عملية بحث عن ملاذ أو ملجأ يهرب إليه الفرد والمجتمع من حالة الانكسار للخلاص من التردي المتراكم، ولعلنا نتذكر قصة الحذاء الذي قذفه أحد الصحفيين بوجه الرئيس الأميركي في بغداد وتهافت كل وسائل الاعلام العربية على ذلك الحذاء الحدث الذي حولته خلال ساعات إلى رمز من رموز المقاومة والوطنية، وحولت الصحفي إلى شخصية تكاد تنافس عنترة بن شداد في ذاكرة التراكم الإنكساري!
بجولة سريعة في تاريخ منطقتنا المعاصر نرى أن هزائم الحروب في أربعينات القرن الماضي أفرزت ثورة مصر وزعيمها الرئيس جمال عبد الناصر، كما أنتجت هزائم حزيران عام 1967 صدام حسين وحافظ الأسد والقذافي، وأخيراً انتجت ماكينة الهزائم بعد اجتياح لبنان وسقوط بغداد العشرات من المنظمات المتطرفة والميليشيات وزعماءها تعمل ليل نهار على تخدير شعوب المنطقة وسوقها الى أتون حروب مدمرة وانتكاسات جديدة كما حصل في هزيمة حزيران وحرب الخليج الثانية وسقوط بغداد وتدمير لبنان وأخيراً ذبح غزة من الوريد إلى الوريد تحت شعارات وعنتريات فارغة جاءت كالعادة صدى لتلك الماكينة الإعلامية العوراء التي تستهين بعقول الناس كي تحول تلك الهزائم المخزية إلى انتصارات وهمية تشبه ذلك الانتصار البائس في حرب الخليج الثانية وجعله "أم المعارك" بعد تدمير العراق بالكامل، واعتبار تدمير غزة وقبلها لبنان انتصاراً لفرسان الأمة ومجاهديها.
إنَّ إطلاق وتداول تسمية الرئيس أو القائد على رؤساء مجموعات مسلحة وميليشيات وأحزاب واختزال الشعب أو الأمة فيها، هو بحد ذاته انعكاس لشعور داخلي متأثر جداً بسلوك صدام حسين وأمثاله في التاريخ، وهي أيضاً بداية عملية تصنيع أصنام بشرية وإدامة ثقافتها في بيئة نفسية واجتماعية لم تتغير بإسقاط نظام صدام حسين، وما زالت تعاني من تراكمات نفسية واجتماعية أدت إلى الفشل في تكوين دولة ونظام سياسي معاصر تسوده القوانين وأسس الدستور تحت مظلة المواطنة، حيث بدلاً من إحداث تغيير جذري في بنية المجتمع والدولة، لجأت تلك الأحزاب والمجموعات والأفراد تحت مطرقة تلك الأنظمة الفاسدة وتراكماتها وبغياب الوعي وتسيّد النظام القبلي والمذهبي وانتشار الفساد المالي والإداري إلى تقزيم الدولة بمجموعات مسلحة وميليشيات تتزعمها شخصيات مافياوية تحولت إلى حيتان للفساد الذي ينخر مفاصل الدولة والمجتمع.
لقد أثبتت تجارب الشعوب أن إقحام الدين ورجالاته والقبيلة ورموزها وأنظمتها في تكوين وإدارة الدولة سينتهي إلى الكوارث التي تعيشها اليوم كثير من الدول، ولعل في تجارب دول أوروبا وأميركا واليابان وكوريا دروس تؤكِّد أنَّ طريق الخلاص يبدأ بالعلم والمعرفة والتربية الحقة وبناء دولة السلام والعدالة والعلم بعيداً عن هذا الإرث المتكلس في ذاكرة وسيكولوجية هذه الشعوب.
التعليقات
فكر صعب محوه
يوسف سرحوكى -الشعوب العربية اعتادت على فكرة البطل والمخلص يخلصهم من ما يعانون من ظلم وتبعياته دينية كانت أو مناطقية لدولهم ولا يعلمون أن الظلم الحقيقي من أيدي حكامها أو رموزها المتسلطين على مقدراتهم والذين لا يهمهم سوى المصلحة الشخصية ولعائلاتهم دون أي التفاتة تذكر لمصلحة شعوبهم لهذا كان لزاما على تلك الرموز والحكام ايجاد ألية لأجل بقائهم على دفة الحكم و توريثه لابنائهم أو احفادهم بشعارات بعيدة عن الواقع مما أدت إلى عدم الالتحاق بركب الحضارة المتطور وبما أن ذلك الفكر متكلس بشكل كبير يبقى ذلك النهج مسيطرا على الأحداث و مجرياته وبقاء فكرة الرمز بأعين المتكلسة عقولهم وما حدثت ومازال يحدث في العراق ولبنان خير مثال لذلك . دام نبضك أستاذ كفاح
وفي كوردستان العراق
ناصر كركووكي -لاول مرة اشاركك الراى استاذ كفاح. هكذا الحال او وربما اسوا في الاقليم حيث العبودية للعوائل الحاكمة اصبح ولاء وطنيا وقوميا ودينيا. إن صناعة العبودية ومنذ ٣٤ عاما يتم توجيه في كل القنوات المؤثرة على الشعب وتشمل جميع طبقات المجتمع ، فلهذا اصبح المواطن الكوردي في اربيل بالذات معرض للاعتقال او الطرد من الوظيفة او انتهاك حرمته باشكال متعددة لو أيد او نقرة على اي مقال معارض للسلطة الفاسدة في اربيل . نعم الذين فشلوا لمدة ٣٤ عاما من توفير الرواتب للموظفين و الديون بمقدار ٣٤ مليار دولار امريكي و الفشل حتى في الانتخابات الاخيرة في كركوك وعدم التوافق على محافظ كوردي وتفضيل عربي شوفيني على الكوردي يا للعار..!!!!!وللاسف هناك من كانوا مستشارين لما يسمى بالمرجع المزيف..! للسلطة الظالمة والفاسدة والان اصبحوا يكتبون ويحاضرون عن مبادئ الحرية وانتقاد العبودية ..!!!!