كتَّاب إيلاف

يناير... الثورة والمؤامرة

مئات آلاف المصريين في شوارع القاهرة تلبية لنداء الثورة في 8 كانون الثاني (يناير) 2011
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ولنا أسبابنا التي نستند إليها في هذه التوصيفات ونعتقد بوجاهتها، وربما يشاركنا في هذا جزء من القراء. لكن قبل أن نخوض فى هذه الأسباب، يجدر بنا أن نذكر القارئ أولاً أنَّ الأحداث الكبيرة تولد كأجنة لا تتضح ملامحها إلا بالتقادم الزمني، وعليه، فلسنا بصدد إصدار أحكام على أحداث، لكنها محاولة للإدلاء بدلونا كاجتهاد متواضع في تفسير هذا الطلسم المحير للجميع، وخصوصاً وقد كنا فى قلب الحدث.

ثانياً، لنا تعريف بسيط للثورة، قد يشاركنا بعض القراء فى الاتفاق عليه، مؤداه أنَّ "الثورة هي الفعل الجماهيري الكثيف الذي ينتج عنه تغيير أشخاص أو أنظمة ثبت فسادها، ويكون لهذا التغيير أثر مجتمعي إيجابي على المدى الطويل". وما دام الطرح يتناول هذا الحدث بشقيه المتلازمين الثورة والمؤامرة، فعلينا محاولة الاتفاق على تعريف المؤامرة أيضاً، ونقترح هذا التعريف للمؤامرة ربما يوافقنا بعض القراء عليه: "المؤامرة هي فعل مزور مخطط له وممول مسبقاً من أشخاص أو كيانات من الخارج أو من الداخل لتحويل مسارات الأحداث لتصب في صالحها".

مما سبق، يتضح أننا نبحث في فعل لم تظهر بعد ملامحه الحقيقية، بالرغم من مرور هذه السنين، وأن هذا الفعل اختلف كثيرون في وصفه وتقييمه وتحليله. البعض قال بثورة، والبعض قال بمؤامرة، وآخرون، وأنا منهم، يعتقدون أنه في لحظة ما ــ سنتطرق إليها ــ تقاطع خط الثورة بخط المؤامرة، ونشأت لحظة فارقة حولت الحدث في مرحلة من مراحله إلى مركب شديد التمازج من الفعلين، بحيث لم يعد بالإمكان الفصل بينهما وقتها.

ونبدأ بالحديث عن الثورة، ونعود إلى الميدان الشهير الذي أصبح أيقونة الثورة كأكبر وعاء احتجاجي عرفته المنطقة، حيث توافد عليه، وبعفوية ودون سابق تدبير، جحافل بشرية تتألف بمعظمهم من الشباب، وبكل المقاييس لم يكن هؤلاء قطيعاً من الجياع هبوا من أجل ملء فراغ البطون، لكن هؤلاء كانوا شباباً من مستخدمي هذه الوسائل التقنية الحديثة ـ المكلفة نسبياً ـ وكانوا على الأقل من الطبقة الوسطى أو ربما هم الشريحة الأعلى منها. ونظرة سريعة على مظهرهم (مع ملاحظة مهمة وهي أنني هنا أتكلم عن الموجات الأولى لهذا التسونامي العجيب) ربما تعزز المقولة.

شيئ آخر أنهم لم يكونوا فوضويين أو سفهاء، بل كانوا منظمين واعين (لا زلت أتحدث عن الموجات الأولى)، وفي هذا السياق لا أجد حرجاً من أن ألوم نفسي، ففي مرحلة العقد الأول من الألفية، عندما كنت أرى تجمعاتهم فى أي مكان وأستطلع مظهرهم وأزياءهم وأسمع أحاديثم، كان اليأس يتسرب إلى قلبي. فهؤلاء احتشدوا بهدف واضح ومحدد وهو إسقاط نظام، ولو تمت الأمور فى هذا السياق العفوي، لكان لهذه الثورة شأن آخر مغاير تماماً لما آلت إليه الأمور. نعود لنؤكد أنَّ كل من يدعي أنه نظم أو جيش أو حشد لهذا الحدث الجلل فهو كاذب. كل ما في الموضوع أنَّ شرارة اندلعت وسط كومة هشيم مبللة بسائل سريع الاشتعال.

أما عن المؤامرة، وبعد أن ظهر للعيان أن ما يحدث ليس مجرد مظاهرة ستفرقها الشرطة بخراطيم المياه، وأن ثماراً أينعت حان قطافها، عندئذ خرج سكان السراديب، أصحاب مذهب التقية الخبيث، وكعادتهم تخلوا عن حليفهم النظام عندما رأوا أنه على وشك السقوط، ولحقوا بالقطار في محطته الأخيرة، وركبوه بأسلوبهم الاحترافي، وصدق بعض السذج خبثهم العميق، والبعض الآخر تحالف معهم بمبدأ عدو عدوي صديقي، في الوقت الذي كان كل طرف يبيت للآخر إقصاءً عند أول فرصة.

إقرأ أيضاً: طوفان الأقصى أم طوفان سليماني؟

هذا عن المؤامرة... ونعود إلى المركب الناتج عن امتزاجهما، أي امتزاج الثورة بالمؤامرة، أو لحظة تقاطع خط الثورة بخط المؤامرة؛ فقد بدأ هؤلاء الذين لحقوا بقطار الثورة في محطته الأخيرة بإلقاء ركابه الأصليين من النوافذ، وبدأ العنف يطفو على السطح، وبدأت مؤامرات الإقصاء، وحانت لحظة الاستيلاء على الثورة بالكامل حين استقدموا أحد مشايخهم من المنفى، في استدعاء لمشهد قدوم الخميني من باريس، ليلقى خطبة تدشين ومباركة عملية السطو، وهنا بدأ المصريون الذين خارج الميدان استشراف الصورة، لأنَّ الثوار داخل الميدان ربما، وبسبب الصخب، لم يعوا حجم المؤامرة، بالإضافة لتدخلات وتحالفات خارجية بدأت مظاهرها تطفو على السطح بقوة، حيث بدأ الرعاة في الخارج التدخل كل لحساب رعيته فى الداخل، وبدأت الخلايا النائمة المسلحة تنشط فى سيناء استعداداً لساعة الصفر التي بدا أنها قد اقتربت.

إقرأ أيضاً: هل يستحق الكردي الموت؟

وعندما فشلت عملية السطو الخبيث، تحولت لعملية سطو مسلح، وجرت في النهر دماء كثيرة، وجرى إجهاض جنين الثورة حفاظاً على حياة الأم التي تسمم حملها بسبب هؤلاء، ولنفس السبب أجهض جنين الثورة فى تونس، حيث لم يتوقعوا سيناريو الأحداث، واستفاق الرعاة على خطر ضياع أموالهم، فعدلوا خططهم فى بقية الأقطار، وسلحوا مفارزهم ورؤوس جسورهم ليقتنصوا أي غنيمة تحفظ ماء وجوههم الذى أريق، ودمرت سوريا واليمن وليبيا والسودان، ولم يقتربوا من الجزائر لخبرة جيشها في تجربة مشابهة سبقت فى التسعينيَّات، وإن كانوا قد حاولوا، ولم يحاولوا مع لبنان لأسباب خاصة نعد بمحاولة شرحها في طرح مستقل.

بالطبع، لا يمكن استيعاب ما يمكن أن يشغل مجلدات في مقال، لكنها محاولة للإجابة عن السؤال المحير: هل هي ثورة؟ أنا شخصياً أقول بملء الفم: نعم. وهل هي مؤامرة؟ وأجيب أيضاً بملء الفم وأكررهها: نعم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
قولوا نعم تزيد النعم
حدوقه -

قولوا نعم للانقلاب العسكري على الشرعية المنتخبة في خمسة استحقاقات صحيحة قولوا نعم تزيد النعم ، لكي لا تتحرروا أبداً

الاسلام دين الرحمة
حدوقه -

يقول الكاتب يعقوب نخلة روفيلة :في كتابه تاريخ الأمة القبطية ؛-كان أينما حل الحاكم الروماني "دقلديانوس" يوقع بالمسيحيين ويقتلهم ويهدم كنائسهم ويخرب معابدهم ويعذب رؤسائهم ويسبي نساءهم وأولادهم .وممن قتل في هذا الإضطهاد "البابا بطرس" وكان معه امرأة وبنتان قتلن معه .وقد شارك بابا القسطنطينية مع الحاكم الروماني في الإيقاع بــ بابا المسيحيين بمصر الأنبا بنيامين الأول قبل دخول الإسلام مصر بقليل .فهرب بنيامين إلى صعيد مصر وعمل خادما في حظيرة حيوانات عند أحد الأهالي وهو متنكرا . فحرض بابا القسطنطينية الحاكم الروماني بالقبض على شقيق البابا بنيامين وكان اسمه "مينا" وقام بتعذيبه ليعترف على مكان شقيقه ثم حرقه بالنار ورماه في النيل ليموت غريقا محروقا في نفس الوقت .وُلد بنيامين في قرية بيرشوط (كفر مساعد التابعة لإيتاي البارود بالبحيرة) كل هذه الأفاعيل في تاريخ المسيحيين المصريين ولا نراهم الا يسمون فتح الاسلام لمصر إحتلال مع انه خلصهم من العبودية . وهم يعلمون أن الإسلام هو دين الرحمة والعدل ويعلمون ان الصحابة والفاتحين كانوا خير الناس

لماذا ذم ثورة يناير المجيدة وثورات الربيع العربي هل لانها لم تأت على هواكم ؟!
فؤاد حديد -

لماذا ذم ثورة يناير المجيدة وثورات الربيع العربي السلمية التي قامت ضد الاستبداد والفساد ؟ هل لانها لم تأت على هواكم ؟!

لا توجد تقية لدى المسلمين السُنة
حدوقه -

يا مثقفي الأقباط لا يوجد لدى المسلمين السنة تقية التقية دي عندكم وعند اخوانكم اليهود و الشيعة والنصيرية والدروز وعموم الاقليات ،،

شهادة ناشطة قبطية أصيلة في بتوع التقية المزعومة ،،
حدوقه -

نقول ان الاتجاه نحو شيطنة وابلسة فرد او جماعة من الناس هذا اسلوب قذر معروف إعلاميا لكنه اُسلوب فاشل في الغالب وخاصة في زمن السموات المفتوحة ولذلك لا يخلو زمان من أناس منصفين وحقانيين وسط الذين لم تهذبهم وصايا ولا تعاليم ولا طول إقامتهم في الغرب ، فهذه الناشطه المسيحية المصرية ماچي مجدي تشهد شهادة حق في الاخوان فتقول من حقك ان ترفض الاخوان فهم ليسوا انبياء وحسن البنا ليس نبيا ايضا لكن من الحق أيضا ان تعترف انه لا يوجد في الاخوان مرتشي ولا مزور ولا بلطجى ومن الحق ايضا ان تعرف انه لم يتهم احد من الاخوان يوما بالاغتصاب او تجارة الاثار او المخدرات بل انهم لا يدخنون وايضا هم اكبر فصيل سياسي يحتوي على اكبر عدد من حملة الدكتوراة وأنهم اكبر كتلة سياسية مثقفة في المجتمع المصري وأنهم وصلوا للحكم – جزئيا – بإرادة شعبية وأنهم تعرضوا لاكبر حملة اكاذيب وتشويه شارك فيها عصابة من أناس لا يتصفون بالشرف ولا الحياد والإخوان في فترة حكمهم لم تمتد اياديهم الى مال الشعب كما انهم حملوا امانة العمل النقابي والطلابي عشرات السنين بدون انحراف او تربح صحيح هم ليسوا ملائكة ولكنهم حسب ما اعتقد انظف فصيل سياسي وحركة دعوية في المجتمع العربي حتى لو كان من عيوبهم ان حضرتك مش راضي عنهم.

الاخوان العمود الفقري للثورة وجاؤوا للسلطة بالانتخاب وليس بالسطو
حدوقه -

الاخوان العمود الفقري لثورة يناير المجيدة وجاؤوا للسلطة بالانتخاب وليس بالسطو ، كصاحبكم العسكري الانقلابي مسيح الكنيسة ،، انتوا مش حتبطلوا حقد كنسي ونفسي وتاريخي يا اعباط ؟حتى ولو الواحد فيكم ادعى انه تعلمن وبقى مخه غربي ، انتوا بتوع الكهن و الخيانة والثورة المضادة و أخدان العسكر وبتوع قولوا نعم تزيد النعم ،،

تعهير مصطلح الربيع العربي لن يغير حقيقته كأجمل ربيع
فؤاد حديد -

تعهير مصطلح الربيع العربي لن يغير حقيقته كأجمل ربيع ، الربيع العربي او ثورات الربيع العربي لن يهون من امرها ولا من شأن من قام بها لانها ببساطة تم توثيقها ودخلت قاموس السياسة العالمي مثل ربيع براغ والانتفاضة ودخل المصطلح في المؤلفات وفي رسائل الماجستير والدكتوراه والاعلام العالمي ..نور الشمس لا يخفيه الغربال .ولا هذيان طائفي حاقد ،،

مافيش حد احسن من حد
عابر سبيل -

اشارة الى تعليق حدوقة ادناه. انا اعتقد ان الخلفاء المسلمين العثمانيين تأثروا بالحاكم الروماني دقلديانوس لأنهم كانوا يفعلون نفس الشيئ في البلدان العربية التي احتلوها فكانوا يقتلون وينهبون كل من تقع ايديهم عليه من اهل هذه البلدان. ومافيش حد احسن من حد يا حدوقة.

المؤامرة لما الجيش انقلب على الثورة وأيده العلمانيون ،،
صلاح -

المصريون لما ، خرجوا الى الشوارع والميادين ،في ثورتهم المجيدة ذُبحوا ذبحًا، حتى أُحرقوا أحياءً وتفحمت جثثهم، وهذه ليست هولوكست ندّعيها، وإنما صور وفيديوهات وحقائق كانت ذات يوم بالبث المباشر أيضًا..المفاجأة أنني حضرت ذلك بنفسي، شهدت على مذبحتنا، رأيت -أقسم بالله- بأم عيني الأمخاخ المتفجرة خارج الرؤوس، ورأيت -أقسم بالله- الأطفال يموتون اختناقًا بالغاز، ورأيت -أقسم بالله- من يُدهسون ويسحلون ويشتعلون في خيامهم، ومن يسقطون برصاص الجرينوف الذي يخترقهم ومن في خلفهم، وشرب جسمي -أقسم بالله- دماءً صبغت بطني لوقت طويل حتى ذهب أثرها، من شهداء سقطوا على صدري!