أزمة إيران الداخلية مقنعة بالأزمة الدولية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
منذ عام 2017، هزت سلسلة من الانتفاضات إيران، وازداد باطراد الزخم وتحول إلى قوة فاعلة تطالب بإقامة حكومة ديمقراطية. وتقود هذه المهمة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية ووحدات المقاومة التابعة لها داخل البلاد، حيث تقوم بتنسيق وتعبئة هذه الانتفاضات. وبالرغم من حملات القمع الوحشية التي يمارسها النظام على الاحتجاجات ووحدات المقاومة، إلا أنَّ الدعوة إلى التغيير أصبحت أعلى صوتًا. لم تتضخم كل موجة متتالية من المعارضة في الحجم فحسب، بل توسَّعت أيضًا على نطاق أوسع في جميع أنحاء البلاد، حيث حققت وحدات المقاومة مجاهدي خلق خطوات كبيرة على الصعيد الوطني.
وإدراكًا للتهديد الوشيك الذي تشكله هذه الانتفاضات، اتخذ النظام إجراءات محسوبة. وكان الهدف من تعيين إبراهيم رئيسي، وهو شخصية رئيسية متورطة في مذبحة السجناء السياسيين عام 1988، رئيساً للبلاد، هو تعزيز صفوف النظام وترسيخ وحدته الداخلية. علاوة على ذلك، اختار النظام تصعيد أنشطة تخصيب اليورانيوم، مما أدى عمداً إلى إثارة أزمة دولية في الساحة النووية. وفي الوقت ذاته، كثف النظام أنشطته الإرهابية العالمية.
في أيلول (سبتمبر) 2022، تكشفت لحظة محورية عندما نظم الشعب الإيراني أكبر انتفاضة وأكثرها استدامة في تاريخ البلاد، والتي استهدفت النظام بشكل مباشر. وفي تحد جريء لسلطة النظام، استهدف الشعب بشكل مباشر زعيمه علي خامنئي بهتافات مدوية مثل "الموت لخامنئي" و"الموت للديكتاتور". لقد شعر النظام بشدة بأنَّ الانتفاضة تمثل تهديدًا وجوديًا.
وبالرغم من الجهود الحثيثة لقمع الانتفاضة، بما في ذلك القتل الوحشي لأكثر من 750 متظاهرًا والسجن التعسفي والتعذيب لأكثر من 20 ألف شخص، فقد أدرك النظام أنَّ المجتمع الإيراني يغلي تحت السطح، وعلى استعداد للانفجار في أي لحظة.
ورداً على هذا الاضطراب الداخلي، تجسد رد خامنئي الاستراتيجي على شكل مفاقمة أزمة كبيرة خارج حدود إيران. وكانت الاضطرابات الإقليمية التي تم تصميمها بدقة، والتي بدأت في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، تهدف إلى خنق الانتفاضة المزدهرة داخل إيران. لقد كانت مناورة متعمدة لإحباط زخم الحركة الشعبية وإحباط أي احتمال للإطاحة بالنظام.
إنَّ التحليل بأثر رجعي للأحداث في الشرق الأوسط على مدى العقود الأربعة الماضية يصور النظام الإيراني باعتباره المصدر الرئيسي للأزمات والتحديات في المنطقة، ويعمل كعائق كبير أمام تحقيق السلام. وفي الأزمة الحالية يطرح سؤال محوري: هل ينبغي النظر إلى النظام الإيراني باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الحل أم باعتباره السبب الجذري للمشكلة؟ ويرى البعض أن إحجام النظام الإيراني عن الانخراط في حرب مباشرة ينبغي تفسيره على أنه استعداد للمساهمة في التوصل إلى حل.
وعلى العكس من ذلك، يؤكد آخرون أن التعامل مع النظام الإيراني بهذه الطريقة يتجاهل القضية الأساسية، ويهمل أجندة النظام الأساسية المتمثلة في فرض الهيمنة في المنطقة. ووفقاً لهذا المنظور، فإنَّ النظام ليس مجرد مؤثر، بل هو المنسق وراء القوات الوكيلة، حيث يمارس السيطرة المباشرة ويصدر التوجيهات لمواصلة الهجمات، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإقليمية.
ومن الممكن أن نعزو الأزمة السائدة في الشرق الأوسط إلى سياسة استرضاء الغرب تجاه إيران وإحجامه عن الاعتراف بالتصرفات المدمرة التي ارتكبها النظام الإيراني على مدى العقود الأربعة الماضية. وقد حرضت القوات الوكيلة لإيران، وخصوصاً في العراق وسوريا، على حروب طائفية، مما أدى إلى مقتل الآلاف. وتستمر دورة الحرب وسفك الدماء هذه في جميع أنحاء المنطقة، حيث تعمل مجموعات مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان على تعزيز نفوذ إيران المزعزع للاستقرار.
إنَّ الرواية التي تشير إلى أنَّ استفزاز النظام الإيراني يمكن أن يؤدي إلى حرب مع الولايات المتحدة تنبع من النظام ذاته. على مر السنين، روج النظام وجماعات الضغط الغربية التابعة له لهذه الرواية إلى الحد الذي أصبح يُنظر إليها على أنها حقيقة لا تقبل الجدل. ومع ذلك، فإن فهم دوافع النظام يكشف عن منظور أكثر دقة.
وخلافاً لسردية النظام، فإن المطلعين على تدخلاته يدركون أن الحرب المباشرة مع الولايات المتحدة تشكل تهديداً وجودياً. يقوم النظام بتصدير الأزمات الداخلية بشكل استراتيجي وينخرط في إثارة الحروب الخارجية لمنع الصراع داخل إيران ذاتها. والهدف النهائي هو حماية وجوده من خلال التدخل في بلدان أخرى من خلال وكلاء، وتجنب المسؤولية المباشرة.
وقد عبر المرشد الأعلى علي خامنئي بوضوح عن هذه الاستراتيجية خلال خطاب ألقاه وسط التوترات مع إدارة ترامب في 13 آب (أغسطس) 2018، مؤكداً أنه لن تكون هناك حرب ولا مفاوضات. وينبع هذا الاعتراف من إدراك أن كلاً من إيران والولايات المتحدة سيخسران بشكل كبير في أي صراع مسلح.
في جوهرها، تهدف تدخلات النظام من خلال وكلاء إلى الحفاظ على قبضته على السلطة، وإخفاء الأزمات الداخلية، واستباق الانتفاضات التي يمكن أن تهدد حكمه. إن غض الطرف واسترضاء النظام لن يؤدي إلا إلى تغذية أهدافه الاستراتيجية. إن فهم دوافع النظام أمر بالغ الأهمية لصياغة سياسات مستنيرة تعزز الاستقرار والمساءلة في المنطقة.
بالرغم من العلاقة التي لا يمكن إنكارها بين القوات الوكيلة للنظام الإيراني والنظام ذاته، فإنَّ بعض جماعات الضغط والمدافعين يقللون باستمرار من دور إيران في الأزمة، ويضعونها في إطار قضية فلسطينية إسرائيلية فقط. وهم يعارضون بشدة أي ذكر لإيران في هذا السياق، ويصفون أولئك الذين يشيرون إلى إيران بأنها محرضة على الحرب بأنهم يسعون إلى تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. ويهدف هذا التكتيك إلى إثارة الخوف من الحرب، وتثبيط التدقيق في تصرفات إيران وإدامة الاسترضاء المستمر.
لكن من الجدير بالذكر أن هناك رغبة واسعة النطاق بين 80 مليون إيراني في مقاطعة الانتخابات الصورية الحالية في إيران. وهذا يدل على مطالبتهم بالاحترام وتصميمهم على التغيير الديمقراطي.