غزة وعقدة غوردون المركبة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
العقدة الغوردية أسطورة يونانية تتعلق بالإسكندر الأكبر المقدوني، ويستخدم المصطلح دلالة على وجود مشكلة يصعب حلها أو فك عقدها عقدة عقدة، وتحتاج إلى حل جرئ يستأصل العقدة الأساس من جذورها فتنفك كل العقد. غزة اليوم أشبه بهذه العقدة المركبة، التي تحتاج إلى سيف الإسكندر لاستئصال هذه العقدة. وابتداء ما هي هذه العقدة المركبة؟
تواجه غزة ثلاث عقد مركبة متداخلة لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى، أولها العقدة الأمنية الإسرائيلية، والثانية العقدة السياسية الأيدولوجية الفلسطينية والصراع على الشرعية والتمثيل وعقدة الانقسام، والثالثة عقدة حماس والحكم. لا يمكن فهم وتفسير الحالة السياسية لغزة اليوم وحالة الحرب الدائمة دون فهم موقع غزة من العقدة الأمنية أو عقدة ثيوسيديدس الإسرائيلية. ولا يمكن تفسير الحرب الحالية، وهي أقرب إلى الحروب الشاملة والتي ترتب عليها حتى الآن تدميراً شاملاً لغزة، إلا في سياق هذه العقدة الأمنية الإسرائيلية، والتي ستظل تشكل حاكماً ومنظماً للعلاقة المستقبلية.
تقع غزة في قلب الدائرة الأمنية الإسرائيلية، أو ما يعرف بقلب منطقة المجال الحيوي، فهي ملاصقة لما يعرف بمنطقة الغلاف الجوي ولعدد كبير من المستوطنين والمدن الملاصقة لإسرائيل، فالمسافة تكاد تكون معدومة، ولذلك أي تطور عسكري لدى فصائل المقاومة، وخاصة حماس، يشكل تهديداً مباشراً، والمفارقة في هذه الحرب أو العقدة أنَّ حماس قد تجاوزت حدود الدور المطلوب منها إسرائيلياً؛ فإسرائيل، وتحقيقاً لهدف عدم قيام دولة فلسطينية، شجعت على وجود حماس في غزة وتغاضت عن تطور قدراتها العسكرية التي كانت تريد أن تكون قادره على حفظ الحدود مقابل الإقرار بحكم حماس في غزة، وهذا ما أدركته حماس، واستفادت منه في تطوير قدراتها العسكرية، لتصل التطورات للنقطة الحرجة في العقدة الأمنية، وهي تجاوز قدرات حماس العسكرية مسألة حماية الحدود إلى التهديد المباشر الذى جسدته عملية الطوفان أو السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، ليأتي الرد استعادة وتصحيحاً للعقدة الأمنية، ومحاولة استئصال القدرات العسكرية لحماس وتفكيك بنيتها العسكرية.
الخطأ الذي لم يتم إدراكه واستيعابه هو هذه العقدة الأمنية من قبل حركة حماس، التي أرادت بقوتها وعمليتها أن تثبت وجودها السياسي في غزة برفع الحصار وإطلاق سراح كل الأسرى، بما يضمن لها الشعبية الكاملة التي تمنحها شرعية كاملة، هذه هي العقدة الأولى وهي عقدة دائمة وليست مرتبطة بحرب واحدة، وستبقى تشكل أساس العلاقة مع غزة.
إقرأ أيضاً: غزة والانتخابات الأميركية
العقدة الثانية الكبرى هي العقدة الفلسطينية، والتي أساسها الفشل في تشكيل حكومة ونظام سياسي جامع حاضن لكل من حماس وفتح، وبالعودة للانتخابات التي فازت فيها حماس، كان الهدف التفرد بالحكم والسلطة، ومن مظاهر هذه العقدة الكبرى الفشل في بلورة رؤية وطنية فلسطينية جامعة لكل الخيارات الفلسطينية من مقاومة ومفاوضات. العقدة هنا تتمثل في تحول الانقسام لحالة بنيوية متجذرة وفشل كل محاولات الحوار والمصالحة، لأنَّ العقدة هنا عقدة فكرية سياسية وعقيدية، تصل لحد رفض كل طرف للطرف الأخر.
أمَّا العقدة الثالثة، ولها علاقة بالعقدتين السابقتين أي عقدة حماس وحكم غزة. والأصل في هذه العقدة مشاركة حماس في الانتخابات التي حققت فيها أغلبية لعام 2007، ولم يكن الهدف من هذه الانتخابات والمشاركة فيها تأصيل مبادئ الحكم الديموقراطي من مشاركة وتداول للسلطة ودورية للانتخابات، بقدر ما كان الهدف منها انتخابات لمرة واحدة لتحقيق هذه الحكم وبناء بنية حكم مستقلة في غزة، وهذا قد يفسر الانقلاب الذي حدث والتفرد بعده بالحكم والسلطة في غزة. والحكم بيئة سياسية شاملة داخلية وخارجية، ومحدداتها ومتغيراتها متناقضة ومتصارعة، ولا يمكن تجاهل أي منها: المحدد الإسرائيلي الأمني والمحدد الفلسطيني والمحدد الإقليمي وموقع غزة في الأمن المصري، وهناك المحددات المتعلقة بمستقبل الأخوان والحاجة لبناء كينونة سياسية عسكرية مستقبليَّة. وهذا ما نظرت إليه الكثير من الدول على أنه يشكل تهديداً مباشراً، ومن منظور الحكم والحرص على بقائه كان الهدف من عملية الطوفان رفع الحصار وتثبيت الحكم بمقايضة الأسرى، وهو ما لم يحدث، ولتتجاوز الحرب الحالية الأهداف المعلنة وتجسد العقدة المركبة التي تواجهها غزة.
إقرأ أيضاً: نتنياهو وأحلام اليقظة السياسة
إلى جانب هذه العقد الكبرى، هناك عقدة الفقر والبطالة والكثافة السكانية والحصار الجغرافي والخصائص الجيوسياسية التي ترفض خيار الحرب. هذه العقد المركبة التي تواجه غزة؛ والسؤال أي سيف يمكن أن يستأصل العقدة الكبرى لتنفك معها كل العقد الأخرى؟ الإجابة لا يمكن أن تكون إلا بالسيف الفلسطيني، والذي قد تمثله منظمة التحرير، بتفعيلها وتطويرها، لتكون الجامعة للكل الفلسطيني، وبتخلي حماس عن أولوياتها الخاصة بالتفرد بالحكم ورؤيتها للحل والدولة الفلسطينية، والعودة لخيار الشرعية الفلسطينية الشاملة التي تحكم إطار العمل الفلسطيني ببناء نظام سياسي واحد ورؤية وطنية واحدة ومقاربه فلسطينية تحقق أولوية الدولة الفلسطينية كإطار جامع شامل. هذا الخيار الذي من خلاله تتحول غزة لبنية مدنية تنموية وتقدم أنموذجاً للحكم الفلسطيني. وهنا يستحضرني سيف الإسكندر الأكبر المقدوني، وهو ما تحتاجه غزة: سيف الكل العربي الدولي الفلسطيني.