قراءة متأنية في الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في ظل تضارب المعلومات حول الضربة الجوية الإسرائيلية للعمق الإيراني، والتي استهدفت إحدى وسائط الدفاع الجوي الإيراني بالقرب من مفاعل نطنز، وتباين الآراء حول طريقة تنفيذ الضربة وطبيعتها ونتائجها العسكرية والرسائل السياسية المراد إيصالها إلى الطرف الإيراني، لا بدَّ من دراسة الضربة من الناحية الفنية والتكتيكية، خاصة إذا عرفنا أنَّ مثل هذه الضربات لا بد من أن يتم التحضير لها بشكل متقن بما يتلاءم مع طبيعة المكان المستهدف وطبيعة الطرق المتبعة للوصل إلى الهدف، بما يؤمن سلامة الطاقم المنفذ للضربة، وبما يتلاءم مع الميزات الفنية والتعبوية للطائرات والصواريخ المستخدمة. من هنا، لا بد من إلقاء نظرة سريعة على طبيعة عمل سلاح الجو الإسرائيلي وأساليبه التكتيكية للوصول إلى مثل هذه الأهداف وتنفيذ المهمة الموكلة إليه دون خسائر تذكر.
إقرأ أيضاً: إيران وعشائر سورية
الجميع يعرف الفارق الكبير في الإمكانات القتالية بين الجيش الإسرائيلي ونظيره الإيراني، خاصة من الناحية التقنية والأساليب التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية، فالجيش الاسرائلي يملك الكثير من الأسلحة والذخائر المصنفة تحت بند الأسلحة ذات الدقة العالية "أطلق وأنسى"، لا بل يملك ذخائر ذكية يمكن اعتبارها من الجيل الخامس للمنظومات الإلكترونية، وهذا مكّن إسرائيل من تنفيذ ضرباتها الجوية والصاروخية بدقة متناهية دون خسائر تذكر، وخير مثال على ذلك استخدام صواريخ "النينجا &- هيلفاير R9X" والطائرات المسيرة "هيرون تي بي" في عمليات اغتيال الكثير من قادة الحرس الثوري الإيراني والفصائل الراديكالية الفلسطينية وحزب الله اللبناني في سوريا والعراق ولبنان، أما الطرف الإيراني، فمنظومته العسكرية تعتمد على الحرس الثوري الإيراني وأذرعه في الخارج، بالإضافة إلى الجيش الإيراني التقليدي والذي لا يمتلك أسلحة ذات دقة عالية باستثناء سلاح الطائرات المسيرة، وهو الوحيد الذي يمكن أن نصنفه تحت بند تلك الأسلحة، ويمكن أن نعتبر سلاح الصواريخ البالستية سلاحاً متطوراً، إلا أننا لا يمكن أن نعتبره من الأسلحة ذات الدقة العالية، بالرغم من وجود بعض أنواع الصواريخ الفرط صوتية كالصاروخ "خرمشهر 4" و"سجيل 2000"، التي لم يتم استخدامها حتى الآن في أي عمل قتالي، وهذا الفارق بين الجيشين صنع قوة توازن رعب لصالح السلاح الإسرائيلي، ولعل الضربة الإسرائيلية الأخيرة لمنظومة "إس 300" المكلفة بتغطية المفاعل النووي في مدينة نطنز خير دليل على ذلك، فالضربة بدأت باستخدام التشويش الإلكتروني لجميع محطات الاستطلاع المناوبة في خط سير الطائرات "أف 35 أدير" الثلاث الشبحية التي نفذت الضربة، والتي بدأت رحلتها من القاعدة الجوية الإسرائيلية نيفاتيم باتجاه الجولان المحتل، لتدخل المجال الجوي السوري من محافظة القنيطرة، ومن ثم عبر أجواء محافظة السويداء، حيث تم هناك، وكإجراء احترازي، تدمير محطات الاستطلاع المناوبة في الفوج 25 في مطار الثعلة، ومن ثم تابعت الطائرات الثلاث تحليقها باتجاه المجال الجوي العراقي الذي اخترقته بسهولة نتيجة عدم وجود وسائط دفاع جوي في خط سير تلك الطائرات، إلى أن اخترقت الأجواء الإيرانية حتى وصلت إلى مسافة 140 كيلومتراً بعيداً عن فوج الدفاع الجوي "إس 300" المخصص لحماية مفاعل نطنز في أصفهان، وتم إطلاق ثلاثة صواريخ من نوع Rampage الشبحي الفرط صوتي، استهدف الأول مقر عمليات الفوج والثاني الكتيبة النارية الأولى والثالث استهدف الكتيبة النارية الثانية وعادت الطائرات إلى قواعدها في إسرائيل دون خسائر.
إقرأ أيضاً: الفصائل الجهادية في الثورة السورية: الكتائب والألوية
من خلال هذا التكتيك الذي اتبعته إسرائيل في تلك الضربة نؤكد أن سلاح الجو الإسرائيلي اعتمد على أحد أهم الأسلحة ذات الدقة العالية التي يمتلكها ويمكن اعتبارها أسلحة من الجيل الخامس، وتجمع بين دقة الإصابة والتخفي عن الرادارات والسرعة الفرط صوتية، ناهيك عن استخدام طرق حديثة في التشويش الإلكتروني على محطات الرادار، كما حرصت إسرائيل على عدم إحراج المملكة الأردنية من خلال تجنب مرور الطيران فوق أجواء الأخيرة.
إقرأ أيضاً: هل يتجه العالم إلى حرب عالمية ثالثة؟
في الختام، ومن خلال ما تقدم من سرد للتكتيك المتبع في تلك الضربة، نستنتج أنَّ إسرائيل كان لها عدة أهداف من تلك الضربة، أهمها إعادة قوة توازن الرعب مع إيران من خلال وصولها وتدميرها العتاد والأسلحة التي تحمي منشآتها النووية، والهدف الثاني الظهور أمام جمهورها بأنها لم تصمت وردت على الضربة الصورية الإيرانية عليها، ولعل تأخر إسرائيل في الإعلان عن تلك الضربة سببه إثارة شيء من البلبلة الإعلامية لإعطاء فرصة للسلطات الإيرانية كي تخرج بسيناريو يحفظ ماء وجهها أمام مواطنيها، وأمام أذرعها في المنطقة، وبالتالي التنصل من الرد على تلك الضربة، وقد يكون هذا متفقاً عليه بين الطرفين برعاية أميركية، خاصة أن أميركا لا تريد في هذه المرحلة الحرجة لإدارة الرئيس جو بايدن إشعال أي حرائق جديدة في المنطقة، خاصة بين أحد أهم حلفائها في العالم، أي إسرائيل، وأحد أهم أذرعها في المنطقة، أي إيران.