طريقي
... كي ينطلق قطار التنمية في العراق!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من رحم مقولة "إن بيئة العنف والاضطرابات هي الحاضنة الانجع للاستثمار" خرج الاتفاق العراقي التركي القطري الاماراتي الى فضاء الامر الواقع. وبدا -اي الاتفاق-مطمئنا الى ان ضجيج المسيرات التي تجوب سماء المنطقة مصيره الهدوء على ضفاف "التفاهمات الكبرى". ولن يعيق خطط مشروع طريق التنمية المقرر له ان يربط ميناء الفاو العراقي بتركيا عبر شبكة سكك حديدية تتجاوز ال 1200 كم.
لا يمكن فصل "الكباش" الاميركي الصيني عن تدفق الاتفاقات الدولية التي تصب في مجرى الاستحواذ على طرق التجارة العالمية التي تربط آسيا باوروبا.
في عام 2013 خرج ميناء جوادار الباكستاني الى خارطة نقل البضائع الصينية من خلال اتفاق بين بكين واسلام اباد واعتبرته الصين نقطة انطلاق لمشروع الحزام والطريق الذي يربط الصين بالعالم من خلال اكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.
في مايو 2023 وقعت ايران وروسيا اتفاقا لانشاء خطا للسكك الحديدية يربط الموانيء الروسية بمثيلتها الايرانية في المحيط الهندي والخليج، ولا يمكن فصل نتائج المشروع الاقتصادية عن الترابط السياسي الذي يجمع مصالح موسكو وطهران مع مصالح العملاق الصيني.
وفي سبتمبر الماضي، اعلن من الهند عن ولادة مشروع الممر الاقتصادي العالمي الذي يربط اسيا باوروبا مرورا بالشرق الاوسط والذي سمي باسم "ممر بايدن" نسبة للرئيس الاميركي جو بايدن. وجدت تركيا نفسها بانها خارج نقاط الاهتمام والعبور في هذا الممر الاقتصادي الذي يصل ميناء حيفا مباشرة باليونان. وهو الامر الذي يشكل تهديدا مباشرا لمشروع "الممر الاوسط" التركي التاريخي الذي يجعل من انقرة بوابة عبور بين الشرق والغرب. تماما كما يهدد عداد الايراد اليومي لقناة السويس، وميناء جبل علي الاماراتي.
ما سبق يمكن ان يعطي مدخلا للعودة الى مربع التساؤل عن علاقة الاتفاق الاطار الرباعي التركي العراقي الاماراتي القطري في بغداد بالكباش الاميركي الصيني، وخارطة التحالفات القائمة على رمال المنطقة المتحركة.
في التقدير، تسعى واشنطن الى رسم صورة للعراق الجديد، وتوقيع اتفاق استراتيجي بهذا الحجم يعطي انطباعا بان العراق يخرج من عباءة الهيمنة الايرانية. ويفتح امام بغداد امل العودة الى امتداده العربي والاقليمي الذي نتمناه.
بيد ان السؤال الكبير هو هل العراق الان مؤهل لهذه المهمة تقنيا، وسياسيا، وامنيا؟
•تقنيا، وفقا لمصادر معنية ذات ثقة فان مياه ميناء الفاو لا يتمتع بالعمق الكافي لاستقبال الناقلات العملاقة، وبالتالي لا غنى عن ميناء مبارك الكبير لاتخاذ الخطوة الاولى نحو الانطلاق بهذا المشروع. ولا تستبعد المصادر ان يكون هدف بغداد من الغاء اتفاقية تنظيم الملاحة في منطقة خور عبدالله الوصول الى تسوية لهذا الامر، وهو ما يعارض بالمطلق المنطق السيادي اولا والقرارات الدولية ثانيا. ومن الاستحالة بمكان لمشروع بهذا الحجم ان يشق طريقه نحو النجاح من دون تعاون دول الجوار وفي مقدمتها الكويت والسعودية وايران والاردن وسوريا.
•سياسيا، من المؤلم ان العراق يعيش واقعا سياسيا مربكا، وتعطي المؤشرات انطباعا بان البلاد متجهة وبقوة نحو "لبننة" الوضع العراقي. اذ ان المكونات الطائفية السياسية فشلت حتى الان في التوافق على رئيس للبرلمان فهل تتفق على تبني مشروع بهذا الامتداد الاقليمي؟!
ثم ان استبعاد اقليم كردستان عن خريطة النقل البري بحجة التضاريس الوعرة يعزز احتمالات تقسيم الامر الواقع وهو الامر الذي يُخشى ان يترتب عليه تداعيات امنية.
•امنيا، من المؤلم والمؤسف في آن ان كل قوى الارهاب وفصائل "الضربات بالاجرة" تستوطن بلاد الرافدين، وتداعيات احداث غزة اثبتت للقريب والبعيد ان يد القانون العراقي اقصر من ان تطال الفصائل المسلحة المنتشرة في كافة المحافظات.
العراق بحاجة الى مشاريع تناسب موقعه وحجمه وتأثيره في الاقليم، ولكنه ايضا بحاجة لان يدرك قادته ان اولى خطوات الانطلاق نحو العراق الجديد هو في تحسين علاقاته وسلوكه مع دول الجوار وفي مقدمتها الكويت وتحصين نفسه بعلاقات تقوم على مبدا الالتزام بالقرارات الدولية لا القفز فوقها تارة بالغاء اتفاقية خور عبدالله وتارة بالتشكيك بالحدود المحسومة دوليا وفق القرار 833.
من هنا، فان دوران عجلة طريق التنمية في العراق امل كل عراقي وعربي ولكن يجب ان تنطلق اولا من محطة حسن الجوار.. والوفاء.