كتَّاب إيلاف

العراق و(كوتا) الشعوب الأصيلة!

مكونات العراق الأصيلة تستحق أن تُمنَح مواقعَ في رأس الهرم التنفيذي والتشريعي والقضائي
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

رغم أنّ لغة العصر الحديث لم تعد تتحمّل التعامُل مع الإنسان على أساس ديني أو مذهبي أو حتى عرقي، حيث وضعت المجتمعات المتطورة بديلاً راقياً للتعامل فيما بينها، ألا وهو المواطنة الجامعة التي ترتقي على كلّ ما ذكرته، وتكون نسيجاً متماسكاً منتمياً لوطن واحد تنضوي تحت خيمته كلُّ المكونات بمستوى واحد، صغيرة كانت أم كبيرة.

أقول ذلك وأنا أطرح مسألة (الكوتا)* على أساس ديني وعرقي بغياب مفهوم المواطنة، حيث تشعر المكوّنات الصغيرة بالغبن والتهميش في خضم عملية ديمقراطية غير مكتملة، وتعتمد على وسائلَ قبليةٍ وتأثيرات دينية أو مذهبية لحصاد أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وإزاء ذلك، ومعالجة لهذا الشعور في اول تطبيق ديمقراطي فيدرالي ذهبت النخبُ السياسيةُ إلى منح تلك المكونات تسهيلات تضمن لها عدد من المقاعد بصرف النظر عن التنافس العددي، وايماناً بأن هذه المكوّنات الصغيرة الحجم في عددها والكبيرة في تاريخها وأصالتها، تمتدُّ جذورُها في هذه البلاد ربما أقدم بكثير من المكونات الكبيرة أو الغالبة، لكن الصراعات وخاصة حروب الإبادة الدينية والمذهبية والعرقية حوّلها عبر تاريخ التعايش الأسود في هذه المنطقة إلى مكونات صغيرة الحجم لما تعرّضت له من عمليات تصفية وتغيير ديموغرافي وإذابة منظّمة في بوتقة القومية والدين الأكبر، ولذلك اقترحت بعض النخب منحها هذه الكوتا كتعويض متواضع جداً عمّا جرى لها عبر التاريخ.

في غالبية البلدان المتحضرة والمتعددة المكونات تمنح (الأقليات الأصلية) امتيازات تُشعرها بالاهتمام الكبير بما يكرس الفخر بماضيها وعراقتها، كما أنها تمنح المهاجرين إليها فرص تبوء أعلى وأرفع مستويات المناصب في رئاسة البلاد أو رئاسة الحكومات أو البرلمانات كما في أميركا وبريطانيا والعديد من دول أوروبا وأميركا اللاتينية، بينما استكثرت المحكمة (الاتحادية) العراقية على سكان العراق الأصليين في برلمان كوردستان مقاعدهم البالغة أحد عشر مقعداً، فألغتها بجرّة قلم لتغتال مشروعاً للتعايش السلمي والحضاري بين المكونات وضعته النخبة السياسية الكوردستانية لتعزيز التعايش السلمي والمواطنة.

إنَّ مكونات العراق الأصيلة تستحق أن تُمنَح مواقعَ في رأس الهرم التنفيذي والتشريعي والقضائي، لما عُرف عنها بأصالتها وإخلاصها ونقاء انتمائها، فالكورد الإيزيديون والمسيحيون بكافة قومياتهم أكبر بكثير من أيّ منصب تنفيذي أو تشريعي، إنهم تاريخٌ من المقاومة والإصرار على البقاء أمام طوفانات من حروب الإبادة الدينية والقومية والاقتصادية والاجتماعية، حقاً إنهم أكبر من كل هذه التسميات والمواقع لأنهم تاريخ شعوب تعرّضت للإبادة خلال مئات السنين، ودفعت خيرة أبنائها وبناتها قرابين من أجل الوجود والبقاء، وكانت من أكثر مكوّنات الشعب العراقي انتظاراً لبزوغ شمس الحرية لتطل منها على عالم جديد ينقذها من تراكمات التهميش والتكفير والإقصاء والإهانة والإبادة والاستعباد لمئات السنين والتي حوّلت قراهم وبلداتهم إلى ما يشابهها في العصور الوسطى، وبدلاً من تلك الأحلام جاء تنظيم (داعش) ليعيد كل ذكريات ومآسي الإبادة، فيبيح قتلهم وسبي نسائهم وحرق قراهم وبساتينهم حتى أصبحوا خارج الزمن.

إنّ تكريم هذه الشريحة وإعادة اعتبارها أكبر بكثير من الكوتا أو أيّ منصب رفيع، إنها أحوج ما تكون إلى حملة وطنية وقومية كبرى لإعادة الاعتبار لها وتعويضها من أجل معالجة جراحاتها المتكلسة منذ مئات السنين، فهي غارقة في البطالة والفقر المدقع والأمية، ويعيش أغلب أبنائها وبناتها تحت خط الفقر في ظروف معقدة، قد لا يصدّقها الكثير في بلد نفطي ميزانيته مئات المليارات، إن زيارة سريعة لقرى ومخيمات هذا المكونات الدينية والقومية ستُكشِف هولَ الكارثة التي تلمُّ بهم من كلّ النواحي الحياتية وخدماتها الأساسية في الصحة والتعليم والماء والكهرباء والسكن سواء النازحين منهم أو الذين عادوا إلى خرائب قراهم وبلداتهم.

إنهم أكبر من كلّ المناصب، ففي تاريخهم من الصمود والمقاومة والانتماء ما يكفيهم أن يكونوا في صدارة كلّ المواقع!

* كوتا (بالإنجليزية: Quota)‏، تعني حصة أو جزءاً مخصصاً، تستخدم في العربية كلفظة مقابل للحصة النسبية في أنظمة نيابية مثل: الكوتا النسائية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العراق وكوتا الشعوب الاصلية
د، سفيان عباس -

أحسنت أسد كوردستان، ، أشرت الى مبدأ المواطنة الذي اعتمدته اغلب الدول الغربية، انطلقت هذه الدول من مبادئ انسانية بحت في تجسيد العمل الديمقراطي وقد نجحت نجاحا ساحقا في تماسك الوحدة الكلية للأمة وبناء اوطانها حضاريا وانسانيا ، المبدأ الآخر الذي وظفته في عملها السياسي هو ،،الحكومات التي تحترم نفسها بالضرورة تحترم تشريعاتها الدستورية والقانونية الوطنية منها والدولية والعكس صحيح ، بالرغم من ان مبدأ المواطنة حديث العهد في هذه الدول ، وهو عراقي الأصل أقره الملك البابلي حمورابي في المادة الأولى من شريعته التي نصت،، المواطنون متساوون بالحقوق والواجبات ،، لا يمكن حرمان أية شريحة اجتماعية من هذه الحقوق المتجذرة والغائرة في عمق التاريخ ، لا من المحكمة الاتحادية ولا من ساسة الصدفة الذين لا يفقهون شيئا من معطيات التاريخ ، المسيحيون والازيديون اقدم واحق من هؤلاء الخائرين وسط أكوام الهرطقات والنهب الممنهج لاموال المظلومين من أبناء الشعب، فالعراقة لهذه المكونات تبقى شامخة فينا ما حيينا ، فالمحكمة الاتحادية خرقت الدستور مرتين ، مرة تجاوزت صلاحياتها الدستورية الواردة في المادة 93 من الدستور ، والمرة الاخرى حرمان هذه المكونات من الكوتا التي اقرها الدستور العراقي في المادة عشرين والقانون رقم واحد في إقليم كوردستان، ، فقرار المحكمة الاتحادية غير دستوري وغير ملزم لاقليم كوردستان، خلاصة القول ، اتضحت الآن بصورة جلية أسباب المهاترات على إقليم كوردستان وقيادته الحكيمة التي تبنت وجسدت مبدأ المواطنة وطبقت التشريعات الدستورية والقانونية بكل احترام ،، فتستحق الاحترام الأكرم ،،دمت مبدعا على الدوام نص المادة( 20) من الدستور العراقي . للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية .بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح .،،

مقال رائع
باحث عراقي من المانيا -

رقي الشعوب يقاس بكيفية تعامل تلك الشعوب مع اقلياتها. مع خالص التحية لكاتب المقال ولكادر ايلاف الشكر والآمتنان

عفاريت تلتهم
يوسف سرحوكى -

ديمقراطية العراق مجرد شعار لا اكثر حيث ولدت الديمقراطية من رحم مهتري لا حياة فيه فكيف لذلك الشعار تجد حيزا من التفعيل لدى أناس همجيين لا يعترفون بالأصالة واحقيتها في العيش والبقاء بينهم ، فساسة اليوم كانوا بالأمس سراقا ومجرمين فروا بجلودهم من الموت المحتم إلى خارج الديار فوجدوا أفضل وسيلة لوصلهم الحكم أن يحضروا اجتماعات المعارضة خارج البلد وتسجيل اسمائهم في قائمة المعارضين ليكون لهم نصيب الأسد من ثروات البلد ، وبعد أن حل ما حل بالعراق دخلوها ليتموا ما لم يستطيعوا فعلها قبل ، حيث كانت الكوتا مجرد واجهة سياسية تغطي بها اخفاقاتهم وقتلهم لروح المواطنة فكل من يخالف سياستهم الشمولية واطماعهم اتهموه بمختلف التسميات لازاحته عن طريقهم الديمقراطي المزيف أما من كان سارقا أو مجرما رفعوه واعطوه قيمة . إذا غاب ايدلوجية المواطنة في مفهوم الساسة عند ذاك تقتل الأصالة وكل ما هو أصيل فلا عجب بهؤلاء الهمج برفض الكوتا الأقليات .