كتَّاب إيلاف

بين السلة والحاوية

محاولات متميزة في لبنان لاستخدام النفايات في صنع أعمال فنية
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

قد يختلف الشكل، ومكان التواجد، لكنَّ غايتهما واحدة، ألا وهي أن يملآ جوفيهما الفارغ بما ينتجه الناس من قمامة. والقمامة هي ما ينتجه أناس من دون أي شعور بالذنب أو بالإحراج أو بالأسف أو بالضرر.

ينتجونها من دون وجل، ويرمونها في الطرقات بنشوة المنتصر الفاتح!

لا فرق بين شباك سيارة من القرن الماضي أو القرن الآتي، فاليد واحدة تمتد بعبوة فارغة، بورقة محارم، بعقب سيجارة، بفنجان نسكافيه، أو قهوة فارغ من الكرتون... تمتد لترمي هذه البقايا على بُعد أمتار وأحيانًا سنتيمترات من حاوية القمامة التي إمَّا تصرخ لخلّو جوفها، وإمَّا تصرخ ثملة من التُّخمة!

أمَّا السلّة، فقريرة العين، غذاؤها منتظم وكذلك فترات عتقها ممّا فيها من أثقال، بل إنَّها مدلّلة انتعاشًا بما تحصل عليه من حمام بالماء والصابون كلَّ فينة وأخرى، أو كلَّ بضعة أيام أو أشهر... لذا تراها ساخرة ناظرة إلى الحاوية، تختال أمامها وكأنها الدُّرَّة في التاج!

والحاوية لا يد تحنو عليها، تمسح عرق يومها، ترسم على جدرانها أحلام النظافة وفقاعات الصابون وانتعاش المياه! فهي تُُـحمَل، وتُنقل، ولا تخشاها السيارات فتضربها غفلةَ عين، أو شرود ردٍّ على الواتساب. إلاَّ أنَّ أشدَّ ما يؤلمها هو تأفف الناس من رائحتها، ومن دورِها، وهي التي تجمع نفاياتهم، ولا تملك إرادة تعقيمها، أو إفراغها على الوقت، أو حتى موضعها!

السلّة مكانها في البيت دافئة، والحاوية تحت الريح والزمهرير وحرّ الشمس...

الأولى تُسجَّل فيها الأهداف كأنَّها كرة سلّة، والثانية، تُستهدف حولَها الأهدافُ... وتُنسى عمدًا في منفى...

أمّا التدوير، ففكرة بعيدة عن الإرادات، قريبة من اللسان يبدع به الشعارات، وينسج القصائد، إلاَّ من رحم ربّك وحاول أن يبث الوعي في فائدة التدوير، وضرورة الحفاظ على نظافة الشارع... ولكن...كنت أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا...

والمؤلم حقًا أنَّ الفردَ غالبًا لا يتقن من التدوير إلاَّ تدوير اللسان في لوك الطعام أو لوك الناس في سِيَرِهِم... وأنَّ أكثر ما يحبه هو التعالي، والتجبّر، والاستقواء، واِدعاء امتلاك الحق، وصيغ المبالغة في كل شيء!

والأمر هنا يستدعي التأمل والتفكّر...

لمَ إعلاء السلّة والخسف بالحاوية؟

الإجابة هنا ترتبط بالشعور بالانتماء... فالفرد يمتلك منزله، إذ هو قلعته وأمنه وراحته وفضاءه، لذا فهو ينتمي إليه والمنزل إليه ينتمي...لكنَّ الشارع ملك عام، ملك دولة لا يشعر الفرد إلاَّ بخيالها يمرَّ مرور الغيم العابر من حين لآخر، لذا فلا انتماء عنده إلى الدولة ولا الدولة - في عُرفه - إليه تنتمي.

والأمر يتفاقم ليصل حدَّ السعادة بتلويث أملاك الدولة، وتخريب طرقاتها، وتكديس القمامة جبالاً في فضاءاتها، أو مظاهرَ نشاز متناثرة على ضفاف الشوارع وبين مفارقها... ولا شعور بالذنب، ولا حافز حتى بتنظيف العين من بشاعة هذه المناظر... أو يتجنيب الصحة خطر البكتيريا والأمراض المنبعثة منها والمُسرطِنات...وكأنَّ الدولة هي التي تصنع نفسها بنفسها، ولا دورَ للناس أو للشعب أو مساهمةً في صناعة الدولة، وإنشاء قوتها ومِنعَتها... ونظافتها!

لذا، يوم يتواضع الفردُ، ويُدرك أنَّ الدولة هي نتاج أفكاره وممارساته وسلوكياته، وأنَّ ما تملكه الدولة وتكونه إنّما هو صورة عنه، ويوم يحرص على الحاوية كحرصه على السلّة، ويوم يترفّع عن تلويث الشوارع بالقمامة ولو بحجم ريشة طير لا يزال زغلولاً، يكون هو اليوم الذي يبدأ فيه الانتماء بالتجلّي، ويبدأ بناء الوطن "لبنان" بهذه اللبنة الأولى!

بين السلّة والحاوية؟

بكل بساطة: انتماء أو لا انتماء...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف