كتَّاب إيلاف

مدني بريء‎

لوحة لسليمان منصور تجسّد طفلاً بملامح رجل يخرج من البطّيخة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كانت لنا ضَيْعَة خصبة طيبة التربة خصبة المرعى، تنبت أرضها الزرع والزيتون والنخيل والأعناب، وتفيء علينا بالظل الظليل، وتعود علينا بالنسيم البليل، وكانت لنا في وسطها دار حسنة فسيحة، كثيرة الحجرات والمرافق، ذات رياش وأثاث، وكان لنا جوارها عين ماء عذب نشرب منه ونسقي منه، وكنا لا نزال نتوارث هذه الضَّيْعَة والدار أجدادًا من فوق أجداد، دهورًا من بعد دهور لا يُحصيها عدد، فكنت أعمرها ووالدي وأهلي وأولادي مطمأنين رغدين لا نشكو من الأمر إلا كثرة النعم وقلة الشكر، حتى كان يوم لم تنقضِ ظلمته بعد، أصبحنا فيه وقد امتلأت علينا ضَيْعتنا بشراذم من الحمر والصفر والسمر، وجوههم شتى، وألسنتهم شتى، وبلادهم شتى، وبغيتهم واحدة: الضَّيْعة والدار! وبندقيتهم واحدة تقول: "اخرجوا! فقد مر جدنا ها هنا يومًا في الدهر الأول!"، فبعض أهل الدار قاومهم بما استطاع فقتلوه، وبعض أهل الدار من الضعفاء شيخ أو طفل أو امرأة لا يعلم قتالًا، ولا يعلم له دارًا تؤويه إلا داره فكذلك قتلوه، وطائفة من أهل الدار آثروا السلامة فنزحوا عن دارهم، وتقسمت الضَّيْعة والدار بين هؤلاء الغرباء، فأخذوا أجودها وأوسطها وأخصبها وحجراتها ومرافقها وأثاثها، ثم نظروا إلى أهل الدار فصنعوا لهم خيمة وخُصًّا في أطراف ضَيْعتهم حيث لا عين تفيض، ولا شجرة تثمر!

إقرأ أيضاً: عرش واحد ومسيحان!

ثم إنَّ هؤلاء الشراذم قد جعلوا أنفسهم طوائف: فطائفة منهم تراه يحل محلك في أرضك فيزرعها ويأخذ غلتها لنفسه، ثم يرجع عشاءً فيبيت وامرأته في حجرتك من دار جدك! وطائفة ثانية تراهم في مبذلة صناع وقد حلوا محلك على أرض جدك فأنشؤوا بها المعامل والمصانع وجعلوا ريعها لأنفسهم، فإذا جن الليل ذهبوا فآووا هم ونساؤهم إلى مضاجعهم في حجرات إخوتك من دار جدك! وطائفة ثالثة قاموا يخدمون الطائفتين الأوليين فإذا أتموا عملهم آووا ونساؤهم إلى بعض حجرات الدار كسابقيهم! ثم اجتمع كبراؤهم وقالوا إننا لا نأمن صولة أهل الدار الذين حللنا منازلهم، وأخذنا ديارهم، وسلبناهم أقواتهم، فاتخذوا فئة رابعة أمدوها بالجند الكثيف ودربوهم، وأعدوهم بالسلاح والعدة ذات البأس وأنزلوهم بأطراف الأرض ليردوا عنهم من أراد الرجوع إلى داره، أو هَمَّ بإعمار بعض أرضه، أو هَمَّ أن يبطش بعدوه، فكان هؤلاء يقتلون ويثخنون فى القتل، ويخربون ويبالغون في التخريب.

إقرأ أيضاً: بنك الدم‎

الآن، فاستخرج من هؤلاء الغرباء مدنيًّا واحدًا!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف