كتَّاب إيلاف

هل ترامب حصان طروادة للحزب الجمهوري أم آخر رموزه؟

صدمة واضحة على محيا إحدى مؤيدات نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس في العاصمة واشنطن
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تشير البيانات الديموغرافية الحديثة في الولايات المتحدة إلى تباين واضح في دعم المجموعات العرقية للحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري، وهذا التباين لا يعكس فقط اختلافات ثقافية أو تاريخية، بل يرتبط كذلك بعوامل اقتصادية واجتماعية مثل نسبة الإنجاب، والحالة المالية، والتعليمية لكل مجموعة. في ما تبقى من عمر هذا المقال، سأتناول تلك العوامل بعمق لاستشراف مستقبل المشهد السياسي الأميركي والتغيرات التي قد تطرأ عليه.

في ما يتعلق بالتوزيع السياسي، يظهر أن البيض الذين يمثلون 71 بالمئة من السكان يميلون بنسبة 55 بالمئة نحو الحزب الجمهوري مقابل 43 بالمئة للحزب الديمقراطي، بينما يميل السود الذين يشكلون 11 بالمئة من السكان بنسبة كبيرة تصل إلى 86 بالمئة نحو الحزب الديمقراطي، مقابل 12 بالمئة فقط نحو الجمهوريين. أما الهسبان، أو الأميركيون من أصول لاتينية وإسبانية الذين يشكلون 12 بالمئة من السكان، فيميلون بنسبة 53 بالمئة للديمقراطيين و45 بالمئة للجمهوريين. ويظهر الآسيويون ميلاً نحو الديمقراطيين بنسبة 56 بالمئة مقابل 38 بالمئة للجمهوريين. أما الأميركيون الأصليون، وهم السكان الأصليون (الهنود الحمر والشعوب الأخرى) لأميركا الشمالية قبل وصول المستوطنين الأوروبيين، فلديهم نسب دعم متباينة حيث يميلون نحو الجمهوريين بنسبة 64 بالمئة. هذه النسب تكشف لنا عن انقسامات عميقة بين المجموعات العرقية في توجهاتها السياسية، ما يجعل السياسات المستقبلية تتأثر بشكل ملحوظ بتغير التوجهات السكانية لهذه المجموعات.

من زاوية أخرى، يبلغ عدد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة حوالى 3.5 مليون نسمة، ويشكلون نحو 1.1 بالمئة من السكان. بفضل تزايد أعدادهم وتعليمهم العالي، بدأ دورهم يتعاظم في الانتخابات الأميركية، حيث يسعى العديد منهم إلى التأثير في السياسة المحلية والوطنية. يُقدّر أن أكثر من 75 بالمئة من العرب والمسلمين يميلون إلى التصويت لصالح الحزب الديمقراطي، إذ يرون في سياساته توافقًا مع اهتماماتهم الاجتماعية والاقتصادية. في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، لعب العرب والمسلمون دوراً حاسماً في ولايات متأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا، حيث ساهمت أصواتهم في حسم النتائج لصالح الحزب الديمقراطي بفارق ضئيل. لكنهم مارسوا التصويت العقابي ضد الحزب الديمقراطي في انتخابات 2024 لصالح ترامب والحزب الجمهوري لأسباب عدة، لعل أبرزها المجازر التي ترتكبها إسرائيل في لبنان وغزة بدعم ديمقراطي واضح…!

نسبة الإنجاب تعد أحد العوامل الهامة التي تؤثر على التغيرات الديموغرافية في المجتمع الأميركي، والتي بدورها تلعب دوراً مهماً في تشكيل القاعدة الانتخابية للأحزاب السياسية. تشير الدراسات إلى أن المجموعات ذات نسب الإنجاب الأعلى، مثل الهسبان، تنمو بشكل أسرع، مما يعني أن نفوذها الانتخابي سيزداد مع مرور الوقت. على الجانب الآخر، يشهد معدل الإنجاب لدى البيض انخفاضاً تدريجياً، ما يضعف من قدرتهم على الحفاظ على نفس المستوى من التأثير في المستقبل. هذا النمو السريع للأقليات قد يعزز من قوة الحزب الديمقراطي، الذي يحظى بدعم أكبر بين هذه الفئات. ومع ذلك، يمكن أن تتغير هذه التوجهات إذا واجهت هذه الفئات تغييرات في وضعها الاجتماعي أو الاقتصادي، خاصة مع دخول الأجيال الجديدة.

الحالة المالية هي عامل آخر ذو أهمية بالغة في فهم التوجهات السياسية. يشير بعض الباحثين إلى أن المجموعات ذات الدخل المرتفع تميل نحو دعم الجمهوريين، بينما يميل ذوو الدخل المتوسط أو المنخفض نحو الديمقراطيين، مما يعكس الأولويات المختلفة بين الفئات الاجتماعية. على سبيل المثال، يشكل السود والهسبان نسبة كبيرة من الفئات ذات الدخل المتوسط أو المنخفض، وهذا يفسر ميلهم إلى الحزب الديمقراطي الذي يعزز سياسات الرعاية الاجتماعية ودعم الفئات المتوسطة. في المقابل، يميل البيض والأميركيون الأصليون، خاصة في المناطق الريفية، إلى دعم الحزب الجمهوري، نظراً لاهتمامه بالقضايا التي تخص هذه المجتمعات مثل حماية حقوق حمل السلاح ودعم الاقتصاد الريفي. ومع تزايد التفاوت المالي داخل المجتمع، قد تؤدي هذه التغيرات إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية وفقاً لأولويات اقتصادية جديدة.

إقرأ أيضاً: أسرار الفاتيكان: بين صرح الإيمان ودهاليز المال

المستوى التعليمي يلعب دوراً مؤثراً أيضاً، حيث تميل الفئات الأكثر تعليماً إلى دعم الحزب الديمقراطي، خاصة في المدن الكبرى التي تتركز فيها الجامعات ومراكز الأبحاث. تشير الإحصائيات إلى أن السود والآسيويين والهسبان يشهدون نمواً في نسب التعليم العالي، مما يجعلهم أكثر ميلاً نحو الديمقراطيين بسبب السياسات الداعمة للتعليم والمساواة. وفي المقابل، تميل المجتمعات ذات المستوى التعليمي الأقل نحو الجمهوريين، حيث ينظرون إلى الحزب كحامي للقيم التقليدية التي تتماشى مع نمط حياتهم.

لكن من المتوقع أن يشهد المستقبل القريب تغييرات ديموغرافية واجتماعية تعزز من تنوع المجتمع الأميركي، وتؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية. مع زيادة نسبة الأقليات ذات نسب الإنجاب العالية، وخاصة الهسبان، سيزداد تأثير هذه الفئات في الانتخابات، ما قد يعزز من قوة الحزب الديمقراطي. كما أن الارتفاع في مستويات التعليم بين الأقليات سيعزز من ميلها نحو الديمقراطيين، في حين سيواصل الجمهوريون جذب الناخبين في المناطق الريفية والأقل تعليماً.

إقرأ أيضاً: السيناريوهات السياسية في ليبيا

ومع ذلك، لا يمكن استبعاد إمكانية تغيير هذه الديناميكيات إذا نجح الجمهوريون في استقطاب الأقليات من خلال تبني سياسات اقتصادية واجتماعية أكثر شمولية. قد يسعى الحزب الجمهوري إلى التركيز على الطبقات العاملة من الأقليات، والذين يتطلعون إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية، إذا تمكن من إقناعهم بقدرته على توفير فرص عمل ودعم مشروعات صغيرة ومتوسطة.

يمكن القول بأن التباين العرقي في التوجهات السياسية في الولايات المتحدة يعكس تفاعلاً معقداً بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. إن فهم هذه العوامل يساعدنا على استشراف التحولات القادمة في التوازن السياسي الأميركي. ومع التحولات الديموغرافية والتعليمية والمالية التي يتوقع أن تحدث، ستحتاج الأحزاب إلى تطوير سياسات أكثر شمولية واستجابة للتنوع المتزايد، لضمان مكانة قوية في المستقبل الانتخابي للولايات المتحدة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف